تشهد الساحة السورية والإقليمية تطورات متسارعة تنبئ بإعادة تشكيل المشهد السوري. ففي خضم استقالة المبعوث الأممي غير بيدرسون بعد ست سنوات في منصبه، قام وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بزيارة إلى واشنطن، وهي الأولى لمسؤول سوري بهذا المستوى منذ ربع قرن. بالتزامن مع ذلك، أقالت الإدارة الأميركية ثلاثة من كبار الدبلوماسيين في “منصة سوريا الإقليمية” بإسطنبول.
إعادة تموضع شاملة للملف السوري
يرى محللون أن هذه الأحداث المتزامنة تعكس بداية مرحلة جديدة من إعادة التموضع السياسي على المستويين الدولي والإقليمي فيما يتعلق بسوريا. الدكتور مشهور سلامة، المختص بالعلاقات الدولية، يرى أن الملف السوري يشهد إعادة تموضع شاملة تتجلى في ثلاثة تطورات: استقالة بيدرسون التي تعكس ارتباك المسار السياسي، زيارة الشيباني إلى واشنطن كمحاولة لفتح قنوات تفاهم، والتغييرات في الفريق الدبلوماسي الأميركي التي تشير إلى إعادة صياغة دور واشنطن الإقليمي.
زيارة استثنائية إلى واشنطن
قام وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني بزيارة تاريخية إلى واشنطن، وهي الأولى منذ 25 عاماً. وذكر موقع “أكسيوس” الأميركي أن الشيباني حمل ملفات حساسة، منها رفع العقوبات الأميركية عن دمشق ومناقشة ترتيبات أمنية مع إسرائيل. تأتي الزيارة في وقت يشهد فيه المنطقة صراعات متشابكة، وتزامناً مع التغيرات في البيت الأبيض مع إدارة ترمب الجديدة. هذه المعطيات دفعت واشنطن إلى إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه دمشق، بعد فشل محاولات العزل وتنامي أدوار إقليمية منافسة. وتسعى دمشق من خلال هذه الزيارة إلى اختبار نوايا واشنطن وكسر الطوق الاقتصادي.
استقالة بيدرسون: نهاية مرحلة من الجمود الأممي
أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون تنحيه عن منصبه بعد ست سنوات، مبرراً ذلك بـ “أسباب شخصية”. وأكد أنه سيواصل مهامه حتى آخر يوم، داعياً المجتمع الدولي إلى دعم سوريا والوقوف ضد التدخلات الأجنبية. وشدد على أن نجاح المرحلة الانتقالية يتوقف على أن “تتصرف الدولة كدولة لجميع أبنائها”. تمثل استقالة بيدرسون إقراراً بفشل المسار الأممي الذي ارتبط بالقرار 2254. ومع خروجه، يبدو أن الملف السوري سيتجه نحو تفاهمات مباشرة بين العواصم الكبرى.
تغييرات داخل الفريق الأميركي في إسطنبول
كشف موقع “ميدل إيست آي” أن الخارجية الأميركية عزلت ثلاثة من كبار الدبلوماسيين في “منصة سوريا الإقليمية” في إسطنبول، من بينهم مدير المنصة نيكولاس غرانجر، بسبب خلافات مع المبعوث الأميركي الجديد إلى سوريا توماس باراك، حيث اتُّهموا بالانحياز إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد). تعكس هذه الإقالات توجهًا أميركيًا جديدًا لإعادة صياغة أدوات العمل الخاصة بالملف السوري، خصوصًا مع وصول إدارة ترمب. لعبت منصة إسطنبول دورًا مركزيًا في تنسيق الموقف الأميركي من سوريا منذ عام 2012.