الجمعة, 18 يوليو 2025 06:40 PM

شاهد على جرائم الاحتلال: كاتب يهودي يفضح ممارسات إسرائيل في غزة

شاهد على جرائم الاحتلال: كاتب يهودي يفضح ممارسات إسرائيل في غزة

د. محمد الحوراني - 17 يوليو 2025

"لم أعد أهتم بفنيات الأدب حين تشهد غزة إبادة جماعية. الكلمات يجب أن تكون سلاحاً في وجه الظلم ووسيلة لكسر حاجز الصمت". من يصدق أن هذه الكلمات صرخة لكاتب يهودي هولندي شاب هو "موريتس ده بروين"؟!

يبدو أن "بروين" كان الكاتب الأكثر جرأة في زمن غدت فيه الخيانة والتخاذل والنفاق ركائز أساسية في الأدب والإعلام والسياسة. في هذا الزمن الذي غدا الفلسطيني فيه "سرطاناً" يجب اجتثاثه من الجسد العربي الذي لم تعد فيه بقعة خالية من السرطانات والأمراض سوى غزة.

هذه غزة التي نجحت في إزالة الغشاوة عن عيون هذا الكاتب اليهودي الهولندي الشاب بعد معاينات لواقع الشعب الفلسطيني فيها، وهو ما جعله يكتب بمصداقية عالية كتابه الصادر حديثاً "الضمير: حول إسرائيل وفلسطين"، وهو الضمير الذي جعله يكتشف أن الحلم الصهيوني مبني على جثث الفلسطينيين، وبعد أن كان كاتبنا مبهوراً بالحلم الصهيوني، أصبح على يقين بأن "إسرائيل لا تدافع عن نفسها، بل ترتكب جرائم يومية باسمنا كيهود"، وهذا واضح من خلال مشاهداته اليومية في فلسطين في المدة التي قضاها فيها، فقد رأى بأم عينه كيف يحول الجنود الإسرائيليون حياة الفلسطينيين إلى جحيم يومي عند الحواجز، وكيف يهينون العجائز، ويذلون الأطفال، في تطبيق ممنهج ومستمر لممارسة أبشع أنواع التمييز العنصري في العصر الحديث.

إنها الحرب الممنهجة على الطفولة والثقافة والتعليم وكل شيء في فلسطين عموماً، وفي غزة خصوصاً. في فلسطين صور كثيرة لا تصل إلى العالم وإلى الأحرار فيه، ففي حوار مع أحد الجنود الصهاينة على حاجز "قلنديا" يسأل "ده بروين" الجندي: لماذا تمنع هذا الطفل الفلسطيني من الوصول إلى مدرسته؟ فيجيب الجندي ببرود: هذا ليس طفلاً، إنه عربي.

هذا الظلم وهذه الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني لا يتحمل مسؤوليتها القادة الصهاينة والإعلامان الصهيوني والغربي المبررين لجرائم الحرب فحسب، وإنما يتحملها أيضاً التواطؤ الغربي، وينتقد الكاتب بشدة "الحياد" الغربي، عاداً إياه خرافة تخفي في داخلها مصالح استعمارية عميقة، ولهذا فإنه يخصص حيزاً كبيراً من كتابه لفضح هذا الدعم والتواطؤ دون أن ينسى الحديث عن بلاده وانتقادها بشدة. يقول "ده بروين": حين تقرأ أن حكومة هولندا، بلدي، وافقت على صفقة أسلحة مع إسرائيل بقيمة مليار يورو، في الأسبوع عينه الذي قتلت فيه الطائرات الإسرائيلية عائلة فلسطينية كاملة، تفهم أن دماء أهل غزة تلطخ أيدي القادة الأوروبيين جميعاً".

هذا الكتاب الأهم حول الكارثة والمأساة الإنسانية لأهلنا في غزة، صدر لما كانت الهمجية الصهيونية لا تزال تقصف ما بقي من بيوت الغزاويين، والجنود الصهاينة يحاولون الإجهاز على ما بقي من أطفال فلسطين وذبحهم، و"الكاميرات" تنقل صراخ عطشهم وأنين مرضهم إلى أنحاء العالم كافة. لعل هذا الكتاب، الوثيقة، يكسر حال الصمت والموات لدى "الغرب الإنساني المتمدن".

والحقيقة أن هذا الكتاب أتى أيضاً في فترة تتعرض فيها المكتبة الغزاوية والكتاب الفلسطيني إلى حرب شرسة تستهدف القضاء على العقل والذاكرة والثقافة والوعي الغزاوي من خلال حفلات الإعدام التي ينفذها الصهاينة بحق المكتبة والأرشيفات التاريخية ومراكز المعرفة والثقافة الفلسطينية، وهو ما لا يمكن وصفه بأقل من "الإبادة الثقافية"، بعد أن أُعدم أكثر من ستة ملايين كتاب، شملت مكتبات الجامعات، والمكتبات العامة، ومكتبات المدارس، والمكتبات التجارية وأسواق الكتب، ومكتبات أماكن العبادة من كنائس ومساجد.

ولما كان الغزاوي هو المواطن الأكثر عناداً ومقاومة وتمسكاً بالحق، كان لا بد لهذا المقاوم من أن يتفنن في طرائق الحفاظ على ملفات الكتب وتناقلها بالسبل الممكنة على الرغم من قلتها وشح الأدوات لهذا العمل، لكنه على يقين بأن هذه الحرب على الثقافة والفكر والمكتبة الغزاوية هي حرب على الوعي وعلى الثقافة والفكر الفلسطيني الحقيقي الرافض للسردية الإسرائيلية الزائفة، وهو ما قام به الهولندي "موريتس ده بروين" في كتابه الأخير، فغدا جزءاً لا يتجزأ من الوعي والصدق والنطق بكلمة الحق في زمن تخلى فيه الأهل عن قضيتهم وأهلهم.

إن ما قدمه الباحث الهولندي اليهودي من شأنه أن يسهم إسهاماً عملياً في ترميم المكتبات الفلسطينية المثقوبة بقذائف الحقد الصهيونية، وأن ينفخ الحياة في رماد الكتب التي أحرقتها الهمجية الصهيونية بدعم غربي وتواطؤ عربي وإسلامي غدا في أمس الحاجة إلى ثورة حقيقية تنهي حال الموات والذل المستحكمة فيه.

(اخبار سوريا الوطن 1-بوابة الشرق الأوسط الجديدة)

مشاركة المقال: