الجمعة, 25 أبريل 2025 08:15 PM

صناعة الإسمنت في سوريا: تحديات جمة وخيارات صعبة بين الاستثمار الحكومي والخصخصة

صناعة الإسمنت في سوريا: تحديات جمة وخيارات صعبة بين الاستثمار الحكومي والخصخصة

في خضم الاستعدادات لإعادة إعمار سوريا، يواجه قطاع الإسمنت، الذي يُعدّ أساسياً في هذه المرحلة، عقبات كبيرة تثير التساؤلات حول إمكانية لجوء الحكومة إلى الخصخصة كحلّ.

سناك سوري-دمشق

أفصح مدير عام الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت "عمران"، "محمود فضيلة"، عن جملة من التحديات التي تواجه القطاع، مؤكداً في تصريح لوزارة الصناعة على الأهمية الاستراتيجية للقطاع، إلا أنه يعاني من صعوبات جمة، أبرزها تأمين المواد الأولية، وعلى رأسها الفيول الذي يشكل 65% من تكلفة الإنتاج، بالإضافة إلى توفير قطع الغيار والآليات والمعدات الثقيلة.

كما أشار "فضيلة" إلى المنافسة الشديدة التي يشهدها السوق بعد دخول الإسمنت المستورد، مؤكداً على ضرورة تضافر الجهود للنهوض بهذه الصناعة التي أهملها النظام السابق، تاركاً للإدارة الحالية قطاعاً شبه مدمر. إلا أنه أبدى تفاؤلاً نسبياً بتوفر المواد الخام عالية الجودة والخبرات الفنية.

يُذكر أن أسهم شركات البناء والإسمنت التركية قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في كانون الأول الماضي، مدفوعة بالتوقعات حول استفادتها من إعادة إعمار سوريا. وأكد رئيس أبحاث السوق في شركة "إنفو ياتيريم"، "يوسف دوغان"، أن القرب الجغرافي والعلاقات التجارية مع سوريا يمنح الشركات التركية ميزة تنافسية.

الخصخصة كحل لقطاع استراتيجي؟

الجدير بالذكر أن "محمود فضيلة" كان قد كشف في تصريحات سابقة لـ "CNBC عربية" عن دراسة لخصخصة معامل الإسمنت أو طرحها للشراكة مع القطاع الخاص، الأمر الذي أثار استغراباً واسعاً وتساؤلات لدى المتابعين والخبراء الاقتصاديين، خاصةً في ظل الاستعدادات لمرحلة إعادة إعمار واسعة النطاق، من المتوقع أن ترفع الطلب على الإسمنت إلى مستويات قياسية.

الفتيح: إذا كان المنتج سيواجه طلباً مضموناً، فلماذا يُفكر ببيعه؟ وما هي الجدوى من خصخصة قطاع رابح؟.

أعادت هذه التصريحات الجدل القديم حول الخصخصة، الذي لطالما واجه رفضاً شعبياً واسعاً. ويرى خبراء أن الدولة يجب أن تحافظ على القطاعات العامة، خاصةً الرابحة منها كالمياه والمعابر الحدودية والإسمنت، بدلاً من التفريط بها.

وفي تعليق له، تساءل الخبير الاقتصادي "محمد صالح الفتيح" عن الجدوى من خصخصة قطاع رابح في ظل الطلب المتزايد المتوقع على الإسمنت، معتبراً أن الخيار المنطقي هو صيانة المعامل الحالية عبر قروض من الاحتياطي المركزي، بدلاً من بيعها لتمويل زيادات مؤقتة على الرواتب.

فضيلة: سعر طن الإسمنت كان بداية التحرير 165 دولار، انخفض لاحقاً إلى 115 دولار، لأنه كان محتكراً لدى فئة مستفيدة من النظام.

أوضح "فضيلة" أن سعر طن الإسمنت انخفض من 165 دولاراً إلى 115 دولاراً بعد التحرير، بسبب الاحتكار الذي مارسته فئة مستفيدة من النظام السابق، مشيراً إلى أن النظام لم يشجع أو يطور هذا القطاع الحيوي. وطرح تساؤلات حول كيفية معالجة هذا الوضع، وهل ستكون الخصخصة والشراكة مع الدول الخارجية هي الحل، أم الاستثمار الحكومي الكامل؟

خطة للتعافي

أعلن "فضيلة" عن وضع خطة لإنعاش القطاع، تقوم على إعادة هيكلة المؤسسة، وتشخيص الوضع الحالي، ووضع خطة لإعادة تشغيل وتطوير بعض المعامل، بالإضافة إلى خطة استثمارية للمعامل المتوقفة.

تبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية في سوريا حوالي 4.5 مليون طن سنوياً بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، بينما تقدر الاحتياجات بين 12 و 15 مليون طن، وقد تصل إلى 18 مليون طن في حال انطلاق عملية إعادة الإعمار.

بالنظر إلى التباين في تصريحات "فضيلة"، يبدو أن الحكومة لم تحسم أمرها بعد بين الاستثمار المباشر في القطاع أو اللجوء إلى الخصخصة والشراكة مع الدول الأجنبية.

يرى خبراء مثل "الفتيح" أن الحاجة الكبيرة في المرحلة المقبلة تمثل فرصة للدولة لتعزيز مواردها وتحقيق دخل ثابت ومستدام، من خلال إعادة تشغيل معاملها واستثمارها بالشكل الأمثل، دون الحاجة إلى تقاسم الأرباح أو السيطرة مع أي شريك خارجي.

بالمقابل، يرى آخرون في الخصخصة حلاً لإعادة تشغيل المعامل المتوقفة. إلا أن الغالبية تتفق على أن إعادة الإعمار تتطلب خططاً اقتصادية ذات بعد وطني، تعتمد على استثمار الثروات المحلية، وعلى رأسها صناعة الإسمنت، باعتبارها ركيزة أساسية للاقتصاد.

بين التصريحات المتفائلة والخطوات المقلقة نحو الخصخصة، يبقى قطاع الإسمنت السوري نموذجاً للتحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني في هذه المرحلة المفصلية.

مشاركة المقال: