الأربعاء, 30 أبريل 2025 08:56 PM

عودة الليبراليين إلى السلطة في كندا: هل أفشل الكنديون رهان ترامب؟

عودة الليبراليين إلى السلطة في كندا: هل أفشل الكنديون رهان ترامب؟

فاز "الحزب الليبرالي الكندي" (وسط) الذي يقوده رئيس الوزراء، مارك كارني، بولاية رابعة، وفق ما بيّنته النتائج بعد فرز أكثر من 99% من الأصوات في الانتخابات الفدرالية العامّة المبكرة التي جرت، أول أمس، مُتوّجاً "قيامةً" سياسية هي أشبه بمعجزة، بعدما كانت استطلاعات الرأي، طوال عامين وحتى أشهر قليلة، تمنح "حزب المحافظين" المعارض أفضليّة بأكثر من 25%.

وحصل "الليبراليون"، الذين استفادوا من تحوّل المزاج الشعبي للكنديين بعد تهديدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بضمّ بلادهم إلى الولايات المتحدة، والأداء المتماسك لكارني في مواجهة التهديدات الأميركية، على 168 مقعداً في مجلس العموم (النواب)، من مجموع 343، أي أقل قليلاً من أغلبية الـ172 مقعداً اللازمة للانفراد بتشكيل حكومة، ما يحتّم دخولهم في تحالف مع أحزاب صغيرة (على الأغلب مع "الحزب الديمقراطي الجديد")، فيما حصل "المحافظون" (يمين الوسط)، بقيادة بيير بويليفر، على 144 مقعداً. وظفر "الليبراليون" بأكبر عدد من المقاعد في مقاطعتَي أونتاريو وكيبيك، بينما تقدَّم "المحافظون" في ألبرتا، وتقاسم الحزبان المقاعد في مقاطعة كولومبيا البريطانية.

ومع إقرار بويليفر بالهزيمة، وتهنئته غريمه بالفوز، قال لمؤيّديه: "سنواصل تقديم أفضل الحجج لتحسين حياة شعبنا في جميع أنحاء هذا البلد، سنقوم بواجبنا الدستوري المتمثّل في مساءلة الحكومة واقتراح بدائل أفضل، وسنضع كندا دائماً في المقام الأول، بينما نبقي أنظارنا على حرب التعرفات الجمركية وغيرها من التهديدات غير المسؤولة من الرئيس ترامب". وخسر بويليفر مقعده في الدائرة الانتخابية الخاصة به – كارلتون في ولاية أونتاريو -، والذي احتفظ به منذ عام 2004، لكنه أعرب عن تمسّكه بقيادة الحزب خلال السنوات الخمس المقبلة، على رغم أن الهزيمة ستؤدّي حتماً إلى نقاشات كئيبة حول مستقبل حركة المحافظين.

وبعد فوزهم بهامش ضئيل في الانتخابات الفدرالية السابقة، اعتمد "الليبراليون" على "الحزب الديمقراطي الجديد" لمساعدتهم في تمرير التشريعات في البرلمان، لكنّ هذا الحزب (يسار الوسط) تعرّض هذه المرّة لنزيف أصوات، بعدما التفّ العديد من أنصاره حول كارني، باعتباره أفضل خيار لمواجهة تهديدات ترامب، إذ لم يفز بأكثر من 7 مقاعد، مقارنة بـ24 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته، ما اضطرّ زعيمه، جاغميت سينغ، إلى إعلان استقالته بعد خسارته لمقعده، فيما فاز "حزب الخضر" بمقعدٍ يتيم.

ويقول مراقبون إن ضغوط الجار الجنوبيّ غيّرت من مجمل ديناميكية الانتخابات الكندية؛ إذ حُسب "المحافظون" عند كثيرين كامتداد لليمين الأميركي الحاكم بقيادة ترامب، و"الليبراليون" كسدّ لمواجهته، فيما تراجعت أهميّة القضايا التي تحملها الأحزاب الصغيرة، بما فيها مسألة انفصال ولاية كيبيك، مع حصول "حزب كتلة كيبيك"، الذي يقوده إيف فرانسوا بلانشيه، على 23 مقعداً، متراجعاً من 32 مقعداً في البرلمان السابق. كما حصل الحزبان الكبيران على ما يزيد عن 80% من مجموع المقاعد للمرّة الأولى منذ 70 عاماً، وذلك بعدما تحوّلت الانتخابات إلى ما يشبه استفتاءً ثنائياً حول الموقف من أطماع الولايات المتحدة.

ويبدو أن جهود "المحافظين" الحثيثة للتقليل من شأن علاقاتهم بترامب، وتحييدها لمصلحة التركيز على مخاوف الطبقة الوسطى من ارتفاع تكاليف المعيشة – والتي منحتهم حتى بداية العام الجاري تفوّقاً جليّاً -، لم تؤتِ أكلها مع استمرار الرئيس الأميركي في تكرار لازمته حول ضمّ كندا. وكتب ترامب، صبيحة يوم الانتخابات الكندية، عبر صفحته في موقع "تروث سوشال"، أنه موجود شخصيّاً على بطاقات الاقتراع، مردّداً تصريحاته السابقة عن أن "كندا يجب أن تصبح الولاية الأميركية الحادية والخمسين".

بدا أن نتائج الانتخابات الكندية لاقت ارتياحاً عالمياً، ولا سيما في الأوساط الليبرالية في العالم الغربي

وقبل أن تنفجر حرب التعرفات الجمركية، ومسألة ابتلاع كندا من قبل الولايات المتحدة، عمل بويليفر، الذي يُنظَر إليه عموماً على أنه سياسي موثوق وذو خبرة، على إقناع الكنديين بأن حليفاً كنديّاً لترامب، سيكون في أفضل موقع للتعامل مع البيت الأبيض. وتبنّى، لهذا الغرض، استراتيجية مزدوجة تقوم على رفض مواقف الرئيس الأميركي الأكثر راديكالية في شأن قضايا من مِثل الهجرة ودور الحكومة في النطاق الفدرالي، مع احتضان توجّهات تيّاره اليميني في قضايا الحرب الثقافية. لكنّ نتائج الانتخابات أظهرت بوضوح أن الطبقة الوسطى الكندية استُفزَّت، وصوّتت بـ"لا" لترامب.

في المقابل، تمثّل هذه النتيجة انتصاراً تاريخيّاً لمحافظ بنك إنكلترا المركزي السابق، والمبتدئ في السياسة الكندية مارك كارني، وتفويضاً يكاد يكون صريحاً له بالتصدّي بصرامة لسياسات الولايات المتحدة في عهد إدارتها الجمهورية الحالية. وكارني (1965)، يُعتبر نموذجاً كلاسيكيّاً لمحافظ بنك مركزي حديث: إداري كفء، وعديم اللون أيديولوجيّاً، ومن النوع الذي تحتفي به دوائر النخبة الثرية ورأس المال العالمي، لكنّه ليس قادراً في الظروف العادية على إثارة حماسة الجماهير.

على أن الظرف الكندي الخاص هذا العام في أجواء حرب التعرفات الجمركية والتهديدات للاستقلال، رفع أسهمه عالياً بشكل سريع، ومكّن هذا الزلزال الانقلابي من الحدوث، وهو ما عبّر عنه وزير العدل الليبرالي السابق، ديفيد لاميتي، بقوله: "لقد متنا ودُفنّا في كانون الثاني الماضي، مع التقدّم الحاسم للمحافظين في استطلاعات الرأي والمستمرّ منذ عامين تقريباً. وانظر أين نحن الآن: سنقوم بتشكيل الحكومة".

وتمحور برنامج "الليبراليين" الانتخابي الباهت حول تحفيز الاقتصاد عبر تخفيف الحواجز التجارية الداخلية، وتعزيز المشاريع الاستثمارية الكبرى، من مثل بناء المساكن، كما تخفيضات ضريبية للطبقة الوسطى. لكنّ نبرة خطاب كارني الواثقة هي ما حسم تأييد الناخبين له، بعدما وعدهم بالتفاوض على علاقة تجارية ندّية جديدة مع الولايات المتحدة، معرباً عن أمله في لقاء ترامب شخصيّاً في وقت قريب، "لأن لدى كندا من أوراق القوّة ما يمكّنها من الانتظار حتى يحين الوقت المناسب للقيام بذلك".

وقدّم كارني، خلال فترة ولايته القصيرة كرئيس للوزراء منذ أن حلّ محلّ سلفه الليبرالي جاستن ترودو، تقييماً صريحاً للعلاقات التجارية مع الجار الجنوبي، حين أكّد أن "العلاقة القديمة مع الولايات المتحدة قد انتهت تماماً"، وتعهّد بالسعي لتوثيق الصلات مع دول العالم الأخرى، ولا سيما المملكة المتحدة وأوروبا. وفي خطاب النصر الذي ألقاه بعد إعلان نتائج الانتخابات، قال: "هذه كندا، ونحن نقرّر ما سيحدث هنا. أميركا تريد أرضنا ومواردنا ومياهنا. هذه ليست بتهديدات عبثيّة. لقد أراد ترامب كسْرنا، حتى تتمكّن الولايات المتحدة من ابتلاعنا، لكن هذا لن يحدث قطّ". وأضاف، وسط صيحات الحشد المبتهج: "لقد تجاوزنا صدمة (الخيانة) الأميركية، لكن يجب ألّا ننسى الدروس منها أبداً". ويُتوقّع أن يسمّي كارني حكومة جديدة من 30 وزيراً، في غضون أسبوعين، على أن يستدعي البرلمان بعد فترة وجيزة من ذلك للتصويت على الثقة، ومن ثم إقرار موازنة جديدة.

وفي هذا الوقت، بدا أن نتائج الانتخابات الكندية لاقت ارتياحاً عالمياً، ولا سيما في الأوساط الليبرالية في العالم الغربي؛ إذ رحّبت بها رئيسة المفوّضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، بالقول إن "الصلات بين أوروبا وكندا قوية وستزداد قوّة. وأتطلّع إلى العمل مع السيد كارني بشكل وثيق، سواء على الصعيد الثنائي أو في إطار مجموعة السبع لندافع معاً عن قيمنا الديمقراطية المشتركة والتعددية، والتجارة الحرّة العادلة".

ومن جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، في بيان هنّأ فيه كارني بالفوز: "أرحّب بقيادتكم في القضايا الدولية، وأعلم أنّنا سنواصل العمل عن كثب في مجالات الدفاع والأمن والتجارة والاستثمار بينما نتطلّع إلى قمّة قادة مجموعة السبع في كاناناسكيس (كندا) في حزيران المقبل". أمّا بكين، فأبدت انفتاحها على تحسين العلاقات مع أوتاوا – بعد سنوات من التوتّر -، وأعلن الناطق باسم خارجيتها، كوه جياكون، أن بلاده "مستعدّة لتطوير العلاقات الصينية – الكندية على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة".

مشاركة المقال: