منذ تأسيسها، تعاقب على وزارة الإعلام 35 وزيراً، جميعهم من الذكور، مما يثير تساؤلات حول أسباب استبعاد النساء من هذا المنصب. يبدو أن هذا المنصب لا يزال حكراً على الرجال.
سناك سوري_ هبة الكل
على الرغم من أن النساء يشكلن ما بين 40% و 60% من العاملين في وزارة الإعلام السورية، ويشكلن غالبية العاملين في التقديم والإعداد، إلا أنهن مغيبات عن المناصب القيادية العليا في الإعلام الحكومي، بدءاً من الوزارة وصولاً إلى الدوائر والصحف المركزية والمحلية، بالإضافة إلى وكالة الأنباء الرسمية.
حظر مكتمل الأركان
لم تشغل المرأة منصب الوزيرة قط. شهدت حكومة "معروف الدواليبي الثانية" (1961-1962) تولي الوزير "فؤاد العادل" منصبي وزير الثقافة ووزير الإعلام والإرشاد القومي في آن واحد.
المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب المادة 10 من الإعلان الدستوري السوري
عندما كانت وزارة الإعلام تحمل اسم وزارة "الدولة للدعاية والأنباء والإذاعة والتلفزيون"، والتي تأسست بموجب مرسوم تشريعي رقم 5 لعام 1961، في عهد حكومتي مأمون الكزبري وعزت النص، لم يكن للمرأة أي تمثيل في منصب الوزيرة.
لم يقتصر غياب المرأة على منصب الوزارة، بل امتد أيضاً إلى إدارة وكالة سانا. منذ تأسيس الوكالة عام 1965، تعاقب 12 رجلاً على منصب مديرها العام، مع غياب تام للمرأة.
المؤسسات النقابية… شريكة الإعلام الحكومي
بالنظر إلى اتحاد الصحفيين في سوريا، وهو هيئة نقابية، نجد أن رئاسته وجميع أعضاء المكتب التنفيذي الحاليين هم من الرجال، وفقاً للقرار رقم 53 الصادر هذا العام عن رئاسة الحكومة المؤقتة، مع العلم أنه كان يضم 3 نساء مقابل 8 رجال. وعلى الرغم من أن الإعلان الدستوري نص صراحة في مادته العاشرة على أن «المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب»، إلا أنه لم يطرأ أي تعديل على القرار السابق للإعلان، وبقي المكتب التنفيذي حكراً على الرجال.
منظومة فكرية تكرس المقاطعة
تعزو الصحفية والمتخصصة في قضايا الجندر "لمى راجح" أسباب تغييب النساء إلى أن المؤسسات الحكومية، بما فيها الإعلامية، تتبع منظومة اجتماعية ترفض مشاركة النساء في أي قرار، بما في ذلك القرار الإعلامي، انطلاقاً من فكرة أن النساء غير قادرات على صنع القرار.
نسبة المحررات من النساء في الإخبارية تجاوزت 40% على أقل تقدير. مدير البرامج في الإخبارية السورية أحمد العاص
تشير "راجح" في حديثها لـ سناك سوري إلى تصريحات مسؤولين تفيد بأن مكان النساء هو المطبخ، وأنه لا يصح انخراطهن في الأعمال القيادية، وتعلق: «لهذا السبب نجدها معزولة عن المشاركة في صناعة القرار الإعلامي وحتى السياسي». وتضيف أن صورة النساء في مؤسسات الدولة وما يتصل بها، مثل اللجان الانتخابية والهيئات السياسية، تعكس نسبة مشاركة منخفضة جداً.
تحديات المرحلة الانتقالية
يرى مدير البرامج في الإخبارية السورية "أحمد العاصي" أن تحديات المرحلة الانتقالية تلعب دوراً في هذا الأمر، حيث يقول إن المرحلة الانتقالية الراهنة تفرض بذل أضعاف الطاقات المطلوبة لأننا قيد التأسيس، وهذا الواقع يشكل عبئاً على المرأة، خاصة إذا كانت ملتزمة بمسؤوليات منزل وزوج وأولاد. وأضاف "العاصي" لـ سناك سوري أن هناك معاناة من قلة في الكوادر النسائية المؤهلات لتجارب قيادية إعلامية، ويضيف: «هذا لا ينفي وجود كوادر من النساء لكنها لم تأخذ الحيز المناسب لتثبت قدرتها على ذلك. وهنا لا أصادر قرار المرأة في خيارها القيادة أو أنفيه عنها، وذلك لأنني أقدم توصيفا للواقع دون تعميم على كافة الشرائح النسائية».
القياديون يعملون 15 ساعة يومياً
يوضح "العاصي" أن المسؤولين في المواقع القيادية في المرحلة الراهنة يعملون من 8 صباحاً حتى 11 ليلاً، الأمر الذي يخلق تحدياً أمام المرأة اليوم لجهة التزاماتها إن كانت متزوجة أو عزباء لناحية مدى تقبل أهلها بقاءها لفترات زمنية وليلة خارج المنزل. وحول مصادرة خيار المرأة في ذلك وقرارها، يتساءل "العاصي" كم عدد هؤلاء النساء القادرات على تحمل أعباء هذه القيادة وفتراتها الزمنية الطويلة في مرحلتنا؟ هل هنّ 20 أو 40 أو 50%.
اتحاد الصحفيين يتحمل مسؤولية إفراد مساحة أكبر لصوت الصحفيات، وتناول معاناتهن وتقديم أنشطة لهنّ داخل الاتحاد. الصحفية لمى راجح
ويتابع: مهما كانت النسبة لا يمكن حملها على كامل طبيعة وبيئة النساء في المجتمع السوري اليوم الغالب عليه الذكورية، ولا يمكننا تعميمه وبالتالي البناء عليه. إشراك النساء في المواقع القيادية يحتاج للوقت بحسب "العاصي": «المرحلة تتطلب فرصة زمنية ما بين 4-5 سنوات للاستقرار والتخلص من الرواسب الماضية، حينها يمكن أن نسأل: هل ما زالت المرأة في المستوى الثاني من التمثيل الإداري أم أنها تجاوزت ذلك نحو القيادة؟». بالمقابل تطالب "راجح" بالتبني المباشر والفوري لسياسة الحساسية الجندرية ضمن العمل الإعلامي في سوريا سواء بالقطاع العام أو الخاص.
تمكين النساء… التأهيل والثقة
تحتاج النساء لمساحات عمل وفرص تدريب وبناء قدرات ومساحات للاختبار والتجربة لكي يتم تمكينهن من أداء الدور والمساواة الحقيقية. وهذا يتطلب بيئات عمل صديقة للنساء ومحفزة لهن وتراعي كل الاعتبارات التي تساعد في توليهن المهام القيادية. علماً أن هناك تحفظ على فكرة أنهن غير ممكنات بدليل نسبة العاملات في المجال الإعلامي والنجاحات التي يحققنها في خارج سوريا.
يوضح "العاصي" أنه في القسم الذي يعمل به لا توجد مساحة للتأهيل لا للنساء ولا للرجال ليكونوا في المواقع القيادية. وإنما التركيز على التأهيل المهني لرجال ونساء كمحررين. ويتابع :«لم تتح لنا مساحة لنشكل خطة لتدريب كوادر قيادية كوننا في مرحلة طارئة ولا وقت لذلك»، مشيراً إلى أنّ نسبة المحررات من النساء في الإخبارية تجاوزت 40% على أقل تقدير.
الشكوى ضد التمييز
تدعو "راجح" الزميلات الصحفيات لعدم التنازل عن حقوقهن، وتطالبهن بتقديم الشكوى ضد التمييز السلبي في مواقع القرار، وأن يعملن على خلق وعي على أقل تقدير ضمن مؤسسات الإعلام حول تلك المراعاة وضرورتها. وترى أن اتحاد الصحفيين يتحمل مسؤولية إفراد مساحة أكبر لصوت الصحفيات، وأن يتناول معاناتهن ويقدم لهن أنشطة داخل الاتحاد.
الإعلام المرئي والمكتوب؟
بمراجعة المسؤولين في الوزارة والإعلام المرئي، يبدو واضحاً أن المناصب القيادية الرئيسية وزعت على الذكور، مدراء الدوائر مدير التلفزيون، رئيس تحرير التلفزيون…إلخ، وبالتالي حصر اتخاذ القرارات الجوهرية والمحورية بشكل رئيس ضمن فئة الرجال من مواقعهم الممثلة تلك.
بينما بالانتقال للصحف الحكومية المركزية والمحلية، يمكن أن نلحظ أن الوضع مختلف، حيث تتولى النساء منصب رئيس تحرير صحيفة مركزية من أصل صحيفتين وهي "الحرية". أما على مستوى المحليات فهناك 4 رؤساء تحرير ذكور بينما قسم منصب أمين التحرير منح لامرأة في صحف "الوحدة، الفداء، العروبة". بالمقابل تعود الهوية الذكورية لتطغى على وكالة ، في مناصب رئيس التحرير، ومدير التحرير، ومدير المراسلين، ومدير الإعلام الرقمي. وهي جميع المناصب القيادية الرئيسية بينما منح منصب التعاون الدولي لامرأة.
إنّ وصول المرأة إلى مناصب قيادية وسيادية إعلامية ليس رفاهية ولا هو بالأمر الهين كحال وصولها إلى اتخاذ القرار السياسي وصناعته تماماً، الأمر الذي يتطلب حالة من التراكمية التغييرية للفكر والتي تتطلب بدورها وعياً وممارسة وسلوكاً وسعياً مزدوجاً من قبلها وكامل العناصر الحكومية والمجتمعية الأخرى.