الإثنين, 15 سبتمبر 2025 07:31 AM

فضل شاكر يعود بقوة ويثير جدلاً: هل أعاد التوازن للأغنية العربية؟

فضل شاكر يعود بقوة ويثير جدلاً: هل أعاد التوازن للأغنية العربية؟

عنب بلدي ـ عمر علاء الدين

"إلا وأنا معاك"، "كيفك ع فراقي "، "صحّاك الشوق"… كلمات تتردد في شوارع دمشق ومقاهيها وسياراتها، يرددها الكبار والصغار. هذه الكلمات هي جزء من أغانٍ أطلقها الفنان اللبناني فضل شاكر في الأشهر الستة الماضية، وحققت نجاحات كبيرة على "يوتيوب".

تحقق أغاني فضل شاكر ملايين المشاهدات بعد ساعات قليلة من إطلاقها، متفوقة على أغانٍ أخرى مضى على إطلاقها أشهر وسنوات، وفقًا للأرقام على "يوتيوب" ومنصات الأغاني. أغنيته الأخيرة "صحاك الشوق"، على سبيل المثال، حققت أكثر من 40 مليون مشاهدة على "يوتيوب" في أسبوعين فقط، بينما تجاوزت أغنية "كيفك ع فراقي" التي أُطلقت قبل شهر واحد 88 مليون مشاهدة، وتخطت أغنية "أحلى رسمة" 151 مليون مشاهدة بعد أربعة أشهر على إطلاقها.

يرى دكتور العلوم الموسيقية والباحث الأردني أيمن تيسير، أن أعمال شاكر تحمل رسالة للوسط الفني بأن القيمة الفنية الصادقة كافية لتحقيق النجاح، بينما الأرقام تبقى "وهمًا قصير العمر".

ثناء وجدل واتهام

أثارت عودة شاكر إلى الساحة الفنية جدلاً واسعًا بين الفنانين والجمهور، بين مرحب بعودته وناقد له ولتاريخه المثقل بالملفات القضائية، بالإضافة إلى موقفه من الثورة السورية الذي كان سببًا في الهجوم عليه من بعض الأطراف في لبنان، أبرزها تيار "حزب الله".

أثنى الفنان التونسي صابر الرباعي على فضل شاكر، معتبرًا أن أغانيه ساهمت في إعادة التوازن للأغنية العربية ومنحتها روحًا صادقة تفتقدها الساحة منذ سنوات. وشكر الرباعي في تغريدة على حسابه بمنصة "إكس" فضل شاكر وفريق العمل، قائلاً: "أعدتم التوازن للأغنية العربية من خلال إبداعاتكم الأخيرة". وأضاف أن "مقولة الجمهور عايز كده غير صحيحة"، معتبرًا أن الجمهور يريد أغنية صادقة وعميقة وإحساسها عالٍ يخاطب وجدانهم.

أثار المطرب اللبناني راغب علامة جدلاً واسعًا بعد حديثه عن حملات الهجوم التي تعرض لها مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه لا يلجأ للقتل للدفاع عن نفسه وإنما للقانون، في إشارة إلى التهم الموجهة لفضل شاكر بالتورط في حادثة "عبرا" إلى جانب أحمد الأسير، والتي أدت إلى مقتل 18 جنديًا لبنانيًا. وشدد علامة في حديث إلى موقع "ET بالعربي" على أنه لا يلجأ إلى الأساليب غير القانونية لمواجهة هذه الهجمات، موضحًا: "أنا لا أحمل سلاحًا ولا أقتل من تكلم عليّ. لدي القضاء والقانون، وأؤمن بالدولة وبالقانون، وطريقتي هي القانون".

أثار هذا التصريح حفيظة نجل فضل شاكر، محمد، الذي أبدى استغرابه من تصريح علامة، مؤكدًا أن والده لم يتورط في أي عمليات قتل كما يُشاع. وقال محمد شاكر مخاطبًا علامة: "اليوم نراك تعود وتتحدث أنك لا تحمل سلاحًا ولا تقتل، أبي (فضل شاكر) متى قتل؟ أنت تعلم جيدًا أن المحكمة العسكرية برّأت والدي، وتعلم أن أبي ليست له علاقة بهذا الموضوع". واعتبر محمد شاكر أن ما جرى لوالده كان "رد فعل على ما فُعل بنا، حُرق منزلنا وبقي على مدار ثلاثة أيام يتعرض للسرقة. إن أبي حمل السلاح لأنه لم يقدر أحد على حمايتنا، لكنه لم يقتل ولم يحرق ولم يسرق".

البساطة الجذابة

يواصل فضل شاكر تأكيد حضوره كأحد أبرز الأصوات العربية التي تراهن على البساطة والصدق الفني بعيدًا عن البهرجة والضجيج، بحسب الدكتور أيمن تيسير. واعتبر تيسير أن فضل شاكر نجح في أغانيه الخمس الأخيرة في إثبات أن "الموسيقا الحقيقية تصل إلى القلوب عندما تنطلق من إحساس صادق ومقام عربي أصيل". واعتمدت هذه الأعمال على مقام "البياتي" وإيقاع "المقسوم المعتدل"، ما منحها سلاسة وقربًا من الأذن العربية، وأعاد المستمع إلى أجواء الطرب الأصيل.

وعلى الرغم من "كثافة" النصوص الغنائية، فقد قدم شاكر "أداءً مليئًا بالعاطفة والإحساس، متجنبًا المبالغة في الاستعراض الصوتي"، الأمر الذي عزز من صدق التجربة الفنية. ويرى تيسير أن الأرقام التي حققتها هذه الأغاني على منصات الاستماع والمشاهدة جاءت لتؤكد أن الجمهور العربي لا يزال متمسكًا بجذوره الموسيقية، وأن الفن الأصيل هو ما يفرض نفسه على الذائقة العامة.

أما الفنان المصري هاني شاكر فقال: "أنا أحب صوت فضل شاكر، وهو فنان صاحب إحساس مميز، وأستمتع بالاستماع إليه دائمًا. مشكلاته السياسية لا تعنيني، وأتمنى من الله أن يخرج من أزماته بخير". واعتبر المطرب المصري أن "الفن رسالة إنسانية راقية، ويجب أن نحكم على الفنان من خلال إبداعه، لا مواقفه السياسية أو الشخصية".

وفي تجربة فضل شاكر، بحسب الدكتور أيمن تيسير، فإن الشعار الشائع "الجمهور عايز كده" فشل. وأثبت فضل شاكر أن الفنان الحقيقي هو من يقود جمهوره، لا العكس، وأن "المقام والإيقاع العربي الأصيل" كفيلان بإنجاح أي عمل غنائي، وأن البساطة قد تكون أكثر جاذبية من التوزيعات الضخمة والآلات المتعددة. واعتبر تيسير أن ما قام به فضل شاكر هو "رسالة ضمنية إلى الوسط الفني بأن القيمة الفنية الصادقة وحدها كافية لبلوغ النجاح، فيما تبقى الأرقام المزيفة التي ترافق بعض الأعمال التجارية مجرد وهم قصير العمر".

ما الذي جرى مع فضل شاكر؟

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، كان فضل شاكر من أوائل الفنانين الذين تضامنوا مع الشعب السوري، وأصدر عدة أغانٍ عن الثورة مثل: "لا تضعفي يا سوريا"، "سنظل فيها صامدين"، "سوف نبقى هنا". وصرح شاكر أكثر من مرة أنه لن يعتزل الغناء إلا بعد موت بشار، وقال "سأهدي اعتزالي للثورة السورية". وبرر حماسته للثورة السورية بأنه يكره الظلم، وأن ما يتعرض له السوريون هو ظلم يشبه ما يتعرض له أهالي غزة من الاحتلال الإسرائيلي.

وبدأ بعدها بالظهور إلى جانب الشيخ أحمد الأسير في أوائل عام 2012، ويعتبر الأسير من أبرز رموز التيار السلفي في لبنان ولا سيما مدينته صيدا. واتهم القضاء اللبناني شاكر بأنه تورط، إلى جانب الأسير، في أحداث "عبرا" عام 2013 التي وقعت عقب تصادم عسكري حصل بين جماعة الأسير والجيش اللبناني، ما أدى إلى مقتل 18 شخصًا من المؤسسة العسكرية اللبنانية، لكن شاكر نفى مشاركته في تلك الواقعة، مشيرًا إلى أنه ابتعد عن الأسير إثر خلاف معه قبل شهرين من الأحداث.

وفي حديث مع صحيفة "الحياة" اللندنية عام 2017، قال شاكر: "استُدرجت إلى مواجهة مع (حزب الله)، وليس مع الجيش اللبناني، وأنا ومجموعتي لم نطلق رصاصة على الجيش ولا على الحزب". وأضاف: "كل ما أقدمت عليه هو مشاركتي في تظاهرات احتجاج على نفوذ (حزب الله) في صيدا، وتنديد بجرائم النظام في سوريا، وهذا ما لا يستحق ما طلبه لي القاضي في القرار الظنّي، وهو السجن لخمس سنوات".

شارك فضل في مظاهرات عدة داخل الأراضي اللبنانية نددت بما وصفتها بـ"الجرائم" التي قام بها النظام السوري بحق المدنيين في سوريا، وبمشاركة ميليشيا "حزب الله" إلى جانبه في القتال. كما دعا إلى "نصرة الشعب السوري"، وأعلن في مطلع الثورة السورية عن تشكيل كتائب "مقاومة حرة"، داعيًا إلى النفير العام في سوريا ضد النظام والحزب اللبناني.

في عام 2020، أصدرت المحكمة العسكرية في لبنان حكما غيابيًا على فضل شاكر بالسجن لمدة 22 عامًا مع الأشغال الشاقة. وكان قبلها قد صدر حكم بحقه، في أيلول 2017، حيث قضت المحكمة العسكرية ذاتها بسجن الفنان 15 عامًا مع الأشغال الشاقة، تزامنًا مع إقرارها إعدام أحمد الأسير، إلا أن هذا الحكم أسقطه القضاء اللبناني عن شاكر، في تموز 2018، وحكم ببراءته من تهمة "تشكيل عصابة مسلحة".

وما زالت بعض التهم بحق شاكر موجودة حتى اليوم، منها تعكير صلات لبنان بدولة عربية، وإثارة النعرات الطائفية، والمس بسمعة مؤسسة الجيش اللبناني، وتمويل مجموعة أحمد الأسير، وتقديم خدمات لوجستية لأشخاص قاموا بعمليات إرهاب، وتبييض أموال.

مشاركة المقال: