عمر عبد الرحمن – دير الزور
تُعد البادية السورية منطقة شاسعة ذات أهمية استراتيجية بالغة، وقد شهدت تحولات كبيرة خلال سنوات الصراع. كانت هذه المنطقة مسرحًا لعمليات عسكرية واسعة النطاق، كما سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لفترات طويلة. واليوم، وبعد تراجع نفوذ النظام السوري، يبرز فراغ أمني وسياسي يثير مخاوف جدية بشأن إمكانية عودة التنظيم بقوة.
فراغ أمني واستغلال
يقول علي الأحمد (اسم مستعار)، من بلدة السخنة الواقعة بين تدمر ودير الزور، لنورث برس: "عشنا أيامًا مرعبة تحت سيطرة داعش، ثم تحررنا منهم بالقوة، لكن الفوضى التي أعقبت سقوط النظام جعلت المنطقة بدون حماية حقيقية." ويضيف: "اليوم، هناك فراغ أمني، والخدمات شبه معدومة، والبطالة تدفع الشباب نحو التطرف مرة أخرى." ويشير إلى أن "تنظيم داعش لم يختفِ تمامًا بل تحول إلى خلايا نائمة تنتظر الفرصة." ويذكر أن هناك جرائم متفرقة على نقاط التفتيش، واختطافات للمدنيين، وتهريب أسلحة، والشباب العاطلون عن العمل أصبحوا عرضة للتجنيد.
فيما يصف بلال الجندي، من أبناء دير الزور والذي يقطن بالقرب من بادية دير الزور الغربية، الوضع قائلاً: "بعد سقوط النظام وانسحاب القوات الحكومية، أصبحت منطقتنا شبه مفتوحة بلا حماية." ويضيف أن "القوات الحكومية تركز على مراكز المدن والقرى، تاركة المناطق النائية الصحراوية التي تعتبر ملاذًا آمنًا لـ "داعش". "نشهد مجموعات مسلحة بين الحين والآخر، ولا نعرف إذا كانت تابعة لداعش أم لجهات أخرى، هذه العمليات تذكرنا بالفترة السوداء لتنظيم داعش."
غياب الخدمات
بينما تقول أم أحمد، من مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي: "عانيتُ من القصف، ثم من قوانين داعش الظالمة، وبعد ذلك من انهيار الاقتصاد. اليوم، وبعد التحرير، لا يوجد كهرباء ولا ماء نظيف، والمدارس مغلقة. النساء يخشين الخروج بسبب غياب الأمن. أخاف أن يعود داعش، لأنهم يستغلون يأس الناس." وتضيف: "نحتاج إلى مشاريع تنموية وتعليمية، وحكومة قادرة على فرض القانون. الدول الكبرى تتحدث عن مكافحة الإرهاب، لكن لا أحد يساعدنا في بناء مستقبل آمن. إذا استمر الوضع هكذا، فسوف يجد الإرهابيون أرضًا خصبة للعودة."
وتشير "أم أحمد" إلى أن داعش لم يختفِ تمامًا في منطقتهم، بل تحول إلى خلايا نائمة. العوامل التي تدفع لعودته موجودة، مثل الفقر والبطالة وانعدام الخدمات. الحكومة الانتقالية الجديدة غير قادرة على السيطرة على البادية بشكل كامل، مما يمنح التنظيم القدرة على التحرك بحرية.
وتتحدث عائلة من دير الزور، فضلت عدم ذكر هويتها، تعرضت للتهجير مرتين، مرة من "داعش" ومرة من القصف الحكومي، حيث تقول: "الآن لا نستطيع مغادرة ديارنا مرة أخرى. رغم أن مناطقنا نائية ولا يوجد فيها منظمات إنسانية أو خدمات عامة، إلا أننا نفضلها على أن نلجأ مرة أخرى." وتحذر: "لكن إذا بقيت البادية منسية، فإن التنظيم سيعيد بناء نفسه داخلها."
استراتيجية “داعش”
يقول أحمد الصالح، ناشط حقوقي من دير الزور، إن تنظيم "داعش يعتمد استراتيجية الضرب ثم الاختفاء." ويضيف أن "لديه شبكات تمويل وتهريب في الصحراء، ويستغل انشغال الفصائل بالصراع السياسي"، والأخطر وفق رأيه هو "تجنيده أبناء العشائر عبر الإغراء المالي أو الترهيب."
ويشير الناشط إلى أنه "ليس بالضرورة أن يعود التنظيم بنفس الشكل، لكنه قد يعيد تنظيم نفسه كتمرد مزمن إذا لم تُحل الأزمات الهيكلية مثل الفقر وغياب العدالة وتواطؤ بعض الجهات الخارجية التي تستخدم الإرهاب كأداة ضغط." ويقترح الحقوقي ضرورة وجود قوات أمنية مدعومة دوليًا، بالإضافة إلى مصالحة عشائرية ومراقبة الحدود مع العراق.
وكان قد حذر رئيس جهاز المخابرات العراقية، حميد الشطري، في مؤتمر حوار بغداد في شهر شباط/فبراير الماضي، من استمرار نشاط خلايا تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في البادية السورية.
ويرى الناشط الحقوقي أحمد الصالح، أن الأهم هو كسر حلقة الفقر التي تخلق إرهابًا جديدًا، فالبادية السورية ما زالت ساحة صراع مفتوحة، بينما يُعتقد أن "داعش" هُزم عسكريًا، فإن جذوره الاجتماعية والاقتصادية لم تُقتلع بعد، وبدون حلول جذرية قد تشهد المنطقة موجة جديدة من العنف، وإن كانت بأشكال مختلفة.
ومنتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي، إن "تنظيم داعش يستغل الفراغ الأمني الذي خلفه النظام السوري في البادية السورية لتخزين أسلحة وإنشاء مواقع استراتيجية." وأضاف عبدي خلال حديثٍ أجراه مع صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، أنه "هناك فراغ أمني في البادية السورية، وقد تمكن داعش من تأمين مواقع والحصول على أسلحة في البادية." وأوضح أن الهدف الأساسي للتنظيم هو شن هجمات على المدن، مشيراً إلى أن قوات "قسد" اتخذت بالفعل خطوات لاختراق تلك المناطق ومراقبة تحركات التنظيم.