الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025 07:29 PM

في حمص: رغم انخفاض أسعار المحروقات.. أجور النقل لا تزال عبئاً على المواطنين

في حمص: رغم انخفاض أسعار المحروقات.. أجور النقل لا تزال عبئاً على المواطنين

على الرغم من قرار الحكومة الأخير بخفض أسعار المشتقات النفطية، وخاصة المازوت والبنزين، بنسبة 25%، إلا أن أجور النقل العام والسرافيس والتكاسي لا تزال مستقرة عند مستويات مرتفعة، بل وتشهد ارتفاعاً في بعض المناطق، دون أي مبرر اقتصادي أو فني واضح.

هذا الوضع أثار استياءً واسعاً بين المواطنين في مختلف المحافظات، وخاصة في مدينة حمص وريفها، حيث أصبحت أسعار النقل عبئاً إضافياً على الأسر، في ظل غياب آليات رقابية فعالة أو قرارات تنظيمية تلزم مزودي الخدمة باحترام العلاقة المنطقية بين تكلفة التشغيل والسعر المفروض على المواطن. ففي غياب هيكلية تسعير واضحة أو رقابة ميدانية فعالة، تحولت العلاقة بين الراكب والسائق إلى مسألة تفاوض فردي، يفتقر إلى أي ضمانات للشفافية أو العدالة، مما فتح الباب أمام استغلال الظروف من قبل بعض المشغلين، تحت ذرائع غير مثبتة مثل ارتفاع تكاليف الصيانة أو تذبذب أسعار قطع الغيار، على الرغم من تراجع تكلفة الوقود الذي يشكل العنصر الأكبر في كلفة التشغيل.

وفي هذا السياق، أكد عدد من سكان مدينة حمص أن بعض سائقي السرافيس رفعوا الأجرة من 2000 إلى 2500 ليرة سورية على خطوط داخل المدينة، دون أي مسوغ تنظيمي أو توجيه رسمي، مما دفع عدداً من المواطنين، وخاصة من ذوي الدخل المحدود، إلى المطالبة بتخفيض أجرة السرافيس إلى 1500 ليرة سورية، باعتبارها المعدل المنطقي بعد خفض أسعار الوقود.

ويوضح ياسين الشيخ، أحد سكان ريف حمص، في حديث لمنصة سوريا 24، واقع التفاوض الفردي القائم حالياً بالقول: "الأمر معقد، فهو يختلف باختلاف نوع المركبة ووجهة التنقل. ففي النهاية، يعود الأمر إلى الاتفاق بين الراكب وصاحب المركبة". وتابع: "مثلاً، تبلغ أجرة النقل الداخلي في بلدة تلبيسة ألفي ليرة سورية، بينما ترتفع إلى ثلاثة آلاف ليرة للرحلة من حمص إلى تلبيسة، وتصل إلى خمسين ألف ليرة للرحلة من حمص إلى دمشق".

في المقابل، يرى الناشط المدني والمهتم بالشأن الخدمي في حمص، إحسان أتاسي، أن الحل لا يكمن في الملاحقات الجزئية أو الحملات التفتيشية المؤقتة، بل في إعادة هيكلة القطاع عبر أدوات تنظيمية حديثة، تعيد التوازن بين حقوق المواطنين وواجبات مزودي الخدمة. ويقول أتاسي في حديث لمنصة سوريا 24: "التقنية هي الحل. فبدلاً من الاعتماد على التفتيش اليدوي أو التوجيهات الشفهية، ينبغي إنشاء أنظمة رقابية مربوطة إلكترونياً بمركبات النقل، سواء في السرافيس أو التكاسي أو النقل العام، بحيث تحدد التكلفة تلقائياً وفقاً للمسافة والزمن، وترسل الفاتورة إلى الطرفين، كما هو معمول به في دول العالم المتقدمة".

ويفصل أتاسي خطته التنظيمية على النحو التالي:

  • إنشاء جمعيات مهنية في كل مدينة تعنى بكل قطاع على حدة: جمعية للتكاسي، وأخرى للسرافيس، وثالثة للنقل العام، بهدف تمثيل المشغلين وتنظيم ممارستهم.
  • ربط عدادات المركبات بنظام مركزي تابع للبلديات أو وزارة النقل، يتيح مراقبة فورية لأي تجاوز في التسعير.
  • جعل دفع الفاتورة المسجلة إلزامياً، لمنع التلاعب أو الامتناع عن استخدام العداد.
  • تفعيل نظام إنذار تلقائي ينبه الجهات الرقابية فور حدوث تجاوزات، ويتيح اتخاذ إجراءات فورية.

ويضيف أتاسي: "هذا النموذج لا يحمي حقوق الراكب فحسب، بل يعزز شفافية القطاع، ويحفظ حقوق السائقين النظاميين، ويحد من المنافسة غير العادلة، ويفتح آفاقاً لتحسين دخل القطاع عبر التوسع المنظم، لا عبر الاستغلال العشوائي".

غير أن التحدي الأكبر لا يزال يكمن في غياب الإرادة التنظيمية الكافية لمعالجة هذا الاختلال المزمن. وبالتالي، فإن قرار خفض أسعار الوقود، على الرغم من أهميته الاقتصادية، يبقى دون أثر ملموس على حياة المواطنين، ما لم يصاحبه إجراءات رقابية وتنظيمية سريعة وشاملة، فالمسألة اليوم لم تعد مسألة سعر، بل مسألة ثقة المواطن بأن الدولة قادرة على حمايته من الاستغلال، وضمان حقه في التنقل بكرامة وعدالة.

مشاركة المقال: