الجمعة, 21 نوفمبر 2025 12:55 AM

قراءة في كتاب "عن الموسيقا والموسيقيين": هل نكرم مبدعينا قبل فوات الأوان؟

قراءة في كتاب "عن الموسيقا والموسيقيين": هل نكرم مبدعينا قبل فوات الأوان؟

يقول عازف البيانو الدكتور غزوان زركلي: "إن الموسيقا تغيّر علاقة الإنسان مع الزمن والمكان لأن المرء ينسى أنه في دمشق أو القاهرة أو موسكو أو برلين ويسبح مع النغم بحسب دقّاته". هذا القول يتردد صداه بقوة، خاصة وأن الدكتور زركلي لا يزال يقدم أمسياته الموسيقية بعد أكثر من ستين عامًا من العطاء، ويكتب بإصرار العاشق عن الموسيقا وعوالمها وهمومها. بين أيدينا كتابه "عن الموسيقا والموسيقيين"، وهو من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب القديمة نسبيًا، لكنه يبقى كنزًا معرفيًا يستحق الإشارة، ليس فقط لمحبي هذا النوع من الدراسات، بل لكل متذوقي الموسيقا باختلاف أذواقهم ومعرفتهم.

تعريفٌ لافت!

يقدم الكتاب في مقدمته تعريفات جديدة لمصطلحات تبدو مألوفة، لكنها غالبًا ما تكون غير دقيقة أو متداخلة في أذهان الناس. يوجز الدكتور زركلي تعريفه للموسيقا بأنها اجتماع مادتين: الصوت والزمن، وتكون إما طبيعية كهدير الموج وخبب الخيل وصوت الإنسان، أو صناعية كنشاط بشري يدمج النغم مع الإيقاع عبر قواعد قابلة للقياس. هذا ما يمكن تسميته بالفن الموسيقي أو التدوين الموسيقي، الذي يحمل "معلومة" إنسانية وحياتية تخدم البشر عبر الأجيال، وتحمل بذرة خلودهم وحلمهم بالبقاء. ويخلص إلى تعريف لافت للجمال الفني بأنه: "الشعور بالراحة بعد التعب، المصالحة مع أنفسنا بعد النزاع، السكينة بعد التوتر، الاستقرار بعد التشتت، عيشٌ لحياة أخرى تقوم فيها مشاعرنا وأحاسيسنا المستثارة بالموسيقا بنوع من "تطهير" للروح والنفس من خلال هذه التجربة."

موسيقا كلاسيكية!

في فصل "الموسيقا الكلاسيكية الأوروبية"، يتخصص الملحن زركلي في الحديث عن موسيقيين عالميين احتفى بهم العالم بمناسبة مرور مئتي عام على ولادتهم، واحتفت بهم دمشق أيضًا عبر حفلات في دار الأوبرا وإصدار أعمالهم على CD من عزف الدكتور زركلي نفسه، مثل فريدريك شوبان الذي وهب روحه لآلة البيانو، والموسيقي الهنغاري فرانز ليست، العازف الأسطوري الملهم لكل أوروبا وروسيا. ليصل إلى السؤال الموسيقي الفلسفي الذي تثيره أعمال الروسي موديست موسورغسكي: "هل تستطيع الموسيقا أن "تصوّر" كما هو حال الأدب والرسم؟" والإجابة، بحسب زركلي، هي أن الموسيقا ليست مجرد نقل لما هو بصري ليصبح لغة سمعية، إنما هي بصيرة، ولا تقدر اللوحة أن تسمو إلى إبداع الموسيقا لأن هذه الأخيرة تتعلق بوجود الإنسان من عدم وجوده، بل بوجود أمة كاملة من عدم وجودها!

برعاية الدولة!

في القسم المعنون بـ"الموسيقا في البلدان العربية"، يستعيد المؤلف أفكاره المكتوبة منذ عام 2002، ويضيء على فكرة مهمة جدًا وهي استمرار رعاية الدولة ومؤسساتها الثقافية للعملية الشاقة والطويلة في جمع مؤلفات نادرة وقيمة لموسيقيين سوريين وعرب كتوثيق لذاكرة وهوية سورية، على الرغم من أن مبادرات فردية لجمع وطباعة مؤلفات لموسيقيين من سورية والمغرب ولبنان ومصر بقيت محدودة.

مدارس ثانوية موسيقية!

في الفصل الثالث "الموسيقا في سوريا"، يكتب بحنين عن الراحل صلحي الوادي، ويطرح فكرة تفعيل مرسوم تشريعي يقضي بإحداث "الثانوية الموسيقية" صدر عام ١٩٦٤، لكن لم يتم تنفيذه، بهدف إعطاء البلد أجيالاً من الموسيقيين قادرين على الدراسة في المعهد العالي للموسيقا بدمشق، والتدريس فيه، وفتح آفاق عمل حقيقية لهم.

تكريمٌ لائق!

في ختام الكتاب، يلمح الكاتب إلى أهمية إعطاء كل ذي حق حقه، والإشادة بإيجابيات الرواد، وتحديد الثغرات وتجديد الطاقات، وكأنه يتمنى تكريمًا لائقًا وهو لا يزال على قيد الحياة، قبل أن يعزف القدر مقطوعته النهائية.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: