الإثنين, 27 أكتوبر 2025 09:14 PM

لبنان على حافة الهاوية: هل المفاوضات المرتقبة أسوأ من اتفاق 17 أيار؟

لبنان على حافة الهاوية: هل المفاوضات المرتقبة أسوأ من اتفاق 17 أيار؟

بقلم: ميسم رزق

في منتصف هذا الشهر، أشار رئيس الجمهورية جوزيف عون إلى "ضرورة التفاوض مع إسرائيل لحل المشاكل وتجنب الدمار"، وهو موقف لم يكن فريدًا. سبقته ولاحقته مواقف مماثلة من أطراف لبنانية، بعضها كان حليفًا للمقاومة قبل حرب الإسناد على غزة. هؤلاء، المنخرطون في الحلف الأميركي السعودي، يرون بعد عامين من الحرب الأكثر دموية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أن الحروب تقاس بالدمار لا بالانتصار.

بينما تسوّق أميركا وحلفاؤها في الشرق الأوسط للسلام كاستجابة ضرورية للمتغيرات، ينخرط هؤلاء في التسويق نفسه، معيدين النقاش حول هوية لبنان إلى الواجهة، في محاولة لإحياء طروحات خارج السرديات السياسية التقليدية ومنحها شرعية وطنية.

منذ توقف الحرب صورياً في 27 تشرين الثاني الماضي، برزت رسالة سياسية واضحة: لا مجال للتراخي، فقد حان وقت الحسم الداخلي. فحزب الله هُزم، واغتيل قادته، ودُمّرت قدراته العسكرية وهو في حالة انهيار. وحان وقت المعركة الداخلية للإجهاز على ما تبقّى منه. في الأيام الأولى لما بعد الحرب كان الهدف واضحاً: إنتاج سلطة تنفيذية تستجيب للوصاية الأميركية، بجدول أعمال يبدأ بنزع سلاح المقاومة. وفعلاً، جاءت النتائج السياسية الأولى سريعاً: انتخاب عون، وتسمية نواف سلام لتشكيل الحكومة، ثم سلسلة قرارات استهدفت تقويض شرعية المقاومة، ولا سيما في جلستَيْ 5 و7 آب الشهيرتين.

واستطاعت الآلة الإعلامية المُكلّفة بخدمة هذا المشروع أن تُبقي كلّ الملفات الأخرى في الهامش، وكأن ليس في لبنان سوى سلاح حزب الله الذي يجب نزعُه. بات كل شيء مرتبطاً بهذا الهدف: السياسة، الأمن، الخطاب العام، وحتى صورة على صخرة!

تدريجياً، انكشفت الأهداف الحقيقية: ليس حزب الله وحده المُستهدف، بل لبنان ككيان، شأنه شأن سوريا ودول أخرى يرى فيها العدو تهديداً يجب تحييده ولو أدّى ذلك إلى خرابها. وفي الداخل، هناك مسؤولون وقادة تراودهم الأحلام بالفيدرالية ودويلة الحوض الخامس، ويدركون أبعاد هذا المشروع ويعملون لتحقيقه، ويرسمون لـِ«لبنانهم» كانتوناً يمتدّ من كفرشيما إلى المدفون، وهم واعون تماماً لما تصبو إليه إسرائيل من المفاوضات المطلوبة: شرعنة الاحتلال، اقتطاع أجزاء من الوطن، وتحويله إلى جزر طائفية متقاتلة.

ومن يتتبّع تصريحات المسؤولين الأميركيين، وما ينقله الموفدون الأجانب والعرب إلى بيروت بشأن «المفاوضات المطلوبة» مع العدو، فلن يجد صعوبة في إدراك أن المقصود هذه المرة مختلف تماماً عن مفاوضات الماضي، من اتفاق الهدنة عام 1949 مروراً وصولاً إلى اتفاق الـ 1701 عام 2006. وإذا وسّع المرء تدقيقه ليشمل ما يُتداول بشأن المفاوضات مع سوريا، يتضح أن النقاش لا يقتصر على بلد واحد؛ فالمطلوب من سوريا مطلوبٌ من لبنان أيضاً.

مشكلة العدو الإسرائيلي بعد كل ما حصل أنه اكتشف أن حربه لم تحقّق مكاسب استراتيجية، بل إنجازات سرعان ما تبيّن أنها عادت بنتائج عكسية. سوريا، على سبيل المثال، لا تزال عصيّة على التطبيع أو على القبول بأي ترتيبات أمنية، ولا علاقة للنظام الجديد بالأمر، إذ إنه مجرّد نسخة مكرّرة عن السلطة اللبنانية الحالية الخاضعة، ولا تُميّز المُسيّرات بين سماء الشام وسماء بيروت. لكنّ الوقائع التي نشأت بعد سقوط النظام السابق، بما فيها تعزيز النفوذ التركي وتمدّده، فضلاً عن نشاط الحركات الإسلامية غير التابعة للجولاني، والتي تعتبرها إسرائيل تهديداً محتملاً لها، رفعت لدى العدو منسوب الشعور بالخطر.

تدرك تل أبيب جيداً هلوسات خصوم حزب الله حول هزيمته وتعلم أن الحرب على الحزب لم تُنهِه.

وفي لبنان، تدرك تل أبيب جيداً هلوسات خصوم الحزب وكلامهم عن هزيمته، وتعلم أن الحرب على حزب الله لم تُنهِه، بل أعادت تشكيله، وهو في طور إعادة ترتيب بيته الداخلي، واستعادة زخمه التنظيمي، وتطوير بنيته العقائدية والميدانية. وبناءً على ذلك، تستعجل الوصول إلى اتفاق وفق الظروف الراهنة.

بعد كل حرب، تسعى إسرائيل من خلال المفاوضات إلى تحقيق أهداف قد تكون عجزت عن بلوغها بالعمليات العسكرية، وتتصرّف دوماً كما لو أنها الطرف المنتصر الذي يُملي شروطه، حتى وإن تعثّرت في تحقيق بعض هذه الأهداف. لكنها لم تنجح في أي مرة في انتزاع ما ترغب فيه بسبب موازين القوى على الأرض التي كانت تتحكّم بالمسار السياسي. أمّا اليوم، فالوضع مختلف، إذ تسعى إلى مفاوضات مستندة إلى الردع الذي فرضته من جانب واحد، في محاولة لفرض شروط الاستسلام على لبنان، والوصول إلى ما هو أبعد من تطبيق القرار 1701، وقبل أن تستقرّ موازين القوى بشكلها النهائي، مستفيدة من غياب الأطراف الخارجية عن عملية التفاوض، فيما تستفرد الولايات المتحدة بدور «الوسيط».

لم يسبق للبنان أن مرّ بظرف مماثل. يتفق على ذلك عدد من السياسيين الذين عايشوا محطات عديدة في الصراع. فهناك سجلّ حافل من الحروب الإسرائيلية على لبنان، من اجتياحاتها لحدوده الدولية وانتهاك سيادته الوطنية منذ توقيع اتفاق الهدنة في 23 آذار 1949 وحتى اليوم. ومن أبرز هذه الأحداث: الغارة على مطار بيروت (1968)، عملية الليطاني (1978)، عملية «سلامة الجليل» (1982)، عملية «تصفية الحساب» (1993)، عملية «عناقيد الغضب» (1996)، حرب تموز (2006)، وصولاً إلى طوفان الأقصى (2023 – 2024).

وباستثناء الحرب الأخيرة، يرى بعض من عايشوا تلك الفترة أن غالبية الاتفاقات التي أعقبت هذه الحروب اتّسمت بقواسم مشتركة. فمثلاً، بعد معركة المالكية التي خاض فيها الجيش اللبناني مواجهات عنيفة مع القوات الإسرائيلية، بدأت مفاوضات بوساطة الأمم المتحدة أسفرت عن توقيع اتفاق الهدنة عام 1949، وتضمّن «وقف الأعمال العدائية»، وتحديد خط الهدنة، واحترام الحدود الدولية، وإنشاء لجنة الهدنة المشتركة. ويشبه هذا الاتفاق ما حصل بعد حرب تموز، لجهة الدخول في هدن طويلة، الأولى استمرت 20 عاماً والثانية 17 عاماً. وقد أتت هذه الهدن بطبيعة الحال بعد حروب تشكّلت فيها موازين القوى وأدّت إلى مفاوضات بغطاء دولي نتجت منها صيغ تخدم مصلحة للبنان.

وينطبق الأمر أيضاً على اتفاق عام 1981، بوساطة المبعوث الأميركي فيليب حبيب، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية لوقف إطلاق النار. وألزمت الاتفاقية منظمة التحرير بوقف جميع الهجمات على إسرائيل، مقابل توقّف الأخيرة عن الهجمات على لبنان.

ولا يختلف التفاهمان اللاحقان (تموز 1993، ونيسان 1996) عن الاتفاق المذكور، إذ نجحت المقاومة في لبنان في تنظيم قواعد الاشتباك على الجبهة الحدودية، مع مراعاة عدم استهداف المدنيين، بعد عمليات القصف الصاروخي التي طاولت المستوطنات. ومع ذلك، لم تتوقف عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، حتى أجبرت إسرائيل على إنهاء احتلالها لمعظم المناطق في أيار 2000، وكانت تلك المرة الأولى التي تنسحب فيها إسرائيل من أرض عربية محتلة من دون مفاوضات أو مقايضة.

في سياق الحديث عن هذه الاتفاقيات جميعها، يبرز عامل أساسي ساهم في التوصّل إلى صيغ متوازنة، وهو تدخّل القوى الإقليمية والدولية. ففرنسا في عهد شيراك، وسوريا في عهد الأسد، وأحياناً الجمهورية الإسلامية، إلى جانب الولايات المتحدة، شكّلت مظلات إقليمية ودولية ساعدت على إنتاج تفاهمات متوازنة، مع التأكيد على أن الصمود والقتال في الميدان شكّلا العمود الفقري لهذه التفاهمات.

السياق هذه المرة كان مختلفاً. في لبنان، اعتبر بعضهم أن نتائج العدوان الصهيوني أكّدت التفوّق الإسرائيلي وفتحت باباً «مثالياً» للتخلص من حزب الله، بينما تعاملت تل أبيب وواشنطن بواقعية أكبر مع الحدث، معتبرتين أن الوقت محدود لاستثمار هذه اللحظة سياسياً واستراتيجياً.

لم تكن محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرغوف عام 1982، سوى ذريعة استخدمتها إسرائيل لشنّ حرب واسعة على لبنان؛ وكذلك كانت حرب الإسناد ذريعة أخرى، لكنّ عقلية العدو تغيّرت بعدها، إذ لم تعد لديه تابوهات، وذهب بعيداً في الاستخدام المُفرط للقوة ضد المدنيين، وفي وحشيته ودمويته في غزة كوسيلة لإرهاب كل «متمرّد». وأدّت هذه السياسات، ولا سيما بعد الضربات النوعية التي استهدفت قيادات المقاومة، ومن بينها استهداف السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، إلى دفعنا نحو مفاوضات تهدف عملياً إلى «سلخ الجلد» وفرض شروط استسلامية.

الكارثة تكمن في تجاهل صمود المقاومة في الميدان والهرولة نحو اتفاق هو الأسوأ من نوعه على الإطلاق. فقد تخلّى لبنان عن نقطتين أساسيتين كانتا ركيزتين أساسيتين في أيّ تفاهم سابق: أولاً، وقائع الميدان التي أعادت تحقيق توازن نسبي دفع رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، حسب اعتراف المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين، إلى طلب وقف إطلاق النار؛ ثانياً، وجود رعاية دولية تمنع الاستفراد بلبنان. في المقابل، خضعت سلطة ما قبل الحرب للمطالب الأميركية ووافقت على إخراج إيران من حلبة التفاوض.

تجلّى ذلك حين صرّح رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف بأن طهران مستعدّة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق القرار 1701، فردّ عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالقول إن تصريحه «تدخّل سافر في الشؤون اللبنانية». بقيت إيران خارج المعادلة، بينما دخلت فرنسا بعد إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري لتكون ضمن الجهات الضامنة. وافقت إسرائيل على مضض، ومع ذلك بقي الدور الفرنسي هامشياً، بل إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سخّر قدرات بلاده لحماية المصلحة الإسرائيلية. والنتيجة كانت اتفاقاً لم يسبق له مثيل في تاريخ الصراع بين لبنان والعدو، من حيث خطورته التي تتجاوز حتى خطورة وسوء اتفاق 17 أيار.

اتفاق 17 أيار لم يكن سوى محاولة لفرض تسوية مذلّة على لبنان، بإرادة أميركية – إسرائيلية، وفي لحظة اختلال كامل لتوازن القوى داخل البلاد بعد الاجتياح، لكنه لم يصل إلى التنفيذ الفعلي. آنذاك، لم تكن إسرائيل راغبة حقاً في التوصل إلى اتفاق، وهو ما أكّده وزير خارجية لبنان السابق إيلي سالم في كتابه «الخيارات الصعبة»، مشيراً إلى أن إسرائيل كانت تطرح في كل جولة تفاوض شروطاً جديدة، وأن ربط انسحابها من لبنان بانسحاب القوات السورية من البقاع كان أحد المؤشرات إلى غاياتها الحقيقية.

اليوم تسعى إسرائيل لتحصيل أكثر مما نالته في اتفاق تشرين الثاني 2024، عندما حصلت على «ضوء أخضر» من الولايات المتحدة للتصرّف بحريّة، فاستغلّت التزام المقاومة بالاتفاق وفرضت ردعاً أُحادياً تُترجمه يومياً باغتيالات وتدمير واستباحة للأجواء اللبنانية. ولا علاقة لذلك بثقتها بأن الابتكارات التكنولوجية كفيلة بالقضاء على حزب الله من دون كلفة؛ فالمعادلة أعقد من أن تُحسم بتقنيات فحسب. على نحو عاجل هوت سوريا، وسقط النظام والجيش. شعرت إسرائيل بأنها استعجلت الاتفاق، وسرعان ما بدأت تصعيد اعتداءاتها تدريجياً. وثمة قناعة بأن المشهد الحالي لم يكن ليحصل لولا سقوط سوريا، العمق الاستراتيجي للمقاومة، ما منح العدو الإسرائيلي اليد الطليقة، في سوريا ولبنان، كما في غزة.

وكما تتصرّف إسرائيل أمنياً وعسكرياً في الساحات الثلاث، فهي تسعى أيضاً إلى صياغة اتفاقات تثبت فيها نفوذها واحتلالها قبل حصول أي تغييرات في ميزان القوى في هذه الساحات. ونادراً ما تُذكر دمشق على لسان المسؤولين في واشنطن وتل أبيب من دون ربطها ببيروت. وحدة المسار والمصير بين العاصمتين هي عنوان بارز للمرحلة الحالية، والمطلوب منهما الاستسلام والتوقيع معاً. تل أبيب تطالب لبنان وسوريا بما هو أبعد من أي اتفاق أمني، وتريد من السلطتين الحاليتين أن تُقِرّا بالسلوك الأمني الذي يمارسه جيش العدو وشرعنة الاحتلال في الجنوبين السوري واللبناني، وجعل البلدين خالييْن من سكّين تهدّد أمن المستوطنين. ولا بأس بدخول العاصمتين لحماية عمقها بمباركة الحكومة تحت غطاء التنسيق الأمني!

قد لا يكون ذلك ممكناً، لكنّ حكومة نواف سلام تبدو بلا مهمة سوى تمهيد الطريق لمطالب إسرائيل، حتى إن بعض المخضرمين يصفونها بأنها أخطر حكومة ثلاثية لا ثلاثينية. إلى جانب نواف، يجلس وزراء على مستوى أممي، جُلبوا لخوض مفاوضات شاقّة تتجاوز الحدود اللبنانية، والحديث الحاسم اليوم يبدأ من التنازل عن مزارع شبعا باعتبارها سورية، ليكون تحصيلها من إدارة أحمد الشرع أسهل.

لبنان بدأ يشقّ طريقه نحو هذه المفاوضات، عبر جوزيف عون الذي يواجه «جبناً» من جانب سلام، ما دفعه إلى طلب الغطاء الشيعي عبر الرئيس بري، إذ لا يستطيع صياغة المسار وحده، وإلا كان مصيره كمصير اتفاق 17 أيار. اللافت أن الرئيس بري سارع بدوره إلى نسف هذا الطرح، كاشفاً أن مسار التفاوض المُقترَح سقط نتيجة رفض تل أبيب التجاوب مع المقترح الأميركي، مؤكّداً أن المسار الوحيد حالياً هو مسار «الميكانيزم».

أمّا خارجياً، فالضغط يُمارس على مستويين: الأول سياسي، يقوده المبعوثون الأميركيون، من بينهم مورغان أورتاغوس التي تصل إلى بيروت غداً قادمة من إسرائيل للمطالبة بتوسيع لجنة «الميكانيزم» لتضم سياسيين لبنانيين وإسرائيليين، فتتحوّل المفاوضات إلى مباشرة كما يحصل في سوريا. والمستوى الثاني هو التهديد بعصا النار الإسرائيلية، سواء علناً أو عبر وسطاء. قبل أيام، صرّح أحد الأمنيين العرب أمام ضباط الأجهزة الأمنية بأن لبنان يوشك على الانزلاق إلى حرب طاحنة.

قد تكون الحرب المحتملة، بالنسبة إلى إسرائيل وشركائها في اتفاقيات أبراهام، الوسيلة الوحيدة لإجبار لبنان على اتفاق مُذِلّ واستسلام كامل، من دون أي ضمانات لالتزامها بما قد تتعهّد به، استناداً إلى تجارب التفاوض السابقة. أما بالنسبة إلى آخرين، فهي السبيل الوحيد للخروج من مشهد الاستنزاف الراهن، إذ إن إسرائيل لن ترتدع إلا حين تبدأ بتكبّد الخسائر مجدّداً.

أبرز محطات التفاوض بين لبنان وكيان العدو – اتفاقية الهدنة، عام 1949: مع نهاية الحرب العربية – الإسرائيلية في فلسطين عام 1948، وعقد اتفاقات هدنة بين الدول العربية المعنية وإسرائيل لتحديد خطوط الهدنة، كان لبنان طرفاً في تلك التفاهمات. وقبل توقيع الهدنة، اندلعت مواجهات شرسة بين القوات العربية والإسرائيلية، شارك فيها الجيش اللبناني، أبرزها معركة المالكية. وبهدف وقف العدوان، جرت مفاوضات الهدنة في جزيرة رودس، وتُوّجت بتوقيع لبنان وإسرائيل الاتفاقية في الناقورة عام 1949.

تُعد هذه الاتفاقية الأولى التي نصّت على وقف إطلاق النار وتحديد خط الهدنة كفاصل عسكري مؤقّت بين لبنان وإسرائيل، من دون اعتباره حدوداً سياسية نهائية. بطبيعة الحال، لم تنفّذ إسرائيل بنود الاتفاق بشكل كامل، ولم تنسحب إلى الخط المُتفق عليه. عملياً، يرى بعض السياسيين اللبنانيين في هذا الاتفاق مخرجاً للأزمات الحالية، مثل الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي يدعو إلى العودة إليه كحل للأزمة.

– اجتياح الـ78 والقرار 425: أدّى الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان أو ما يُعرف بـ«عملية الليطاني» عام 1978، إلى إصدار مجلس الأمن الدولي القرارين 425 و426 اللذين أسفرا عن إنشاء قوات الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان (اليونيفل). ودعا القرار 425 إلى انسحاب فوري لإسرائيل وأقرّ إنشاء اليونيفل لتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية واستعادة السلام والأمن الدوليين، ومساعدة الحكومة اللبنانية.

– اتفاق 17 أيار 1983: هو الاتفاق السياسي الرسمي الوحيد الذي وُقّع بين بيروت وتل أبيب وفشل عملياً. جاء هذا الاتفاق في ظرف سياسي صعب على لبنان، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وما أسفر عنه من انقسام سياسي كبير في البلد.

نصّ الاتفاق الذي رعته أميركا على إنهاء حالة الحرب، وتأليف لجنة اتصال بإشراف الولايات المتحدة الأميركية على تنفيذ الاتفاق. وربطت إسرائيل انسحابها بخروج القوات السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وعدم نشر أسلحة ثقيلة في الجنوب. أدّى الاتفاق إلى نشوب اقتتال داخلي في لبنان وانقسام المشهد السياسي بين الحكومة والرئيس أمين الجميل من جهة، وجبهة الإنقاذ الوطني وسوريا من جهة ثانية. وبعد أقل من عام انهار الاتفاق وأُلغي عام 1984 بقرار من مجلس النواب اللبناني.

– تفاهم نيسان 1996: هو عام لا يُنسى من ذاكرة اللبنانيين، عندما شنّت إسرائيل في نيسان 1996 عملية «عناقيد الغضب»، وأدّى القصف الإسرائيلي على مقر للأمم المتحدة في قانا، إلى استشهاد أكثر من 100 مدني، ما أثار موجة استنكار دولية، ودفع الولايات المتحدة وفرنسا إلى رعاية الاتفاق الذي عُرف بـ«تفاهم نيسان». لم يمنع التفاهم المواجهات العسكرية، وإنما اعتمد على آليتين. الآلية الأمنية، تمثّلت في لجنة مراقبة التنفيذ، بوجود فرنسي وأميركي وسوري. والآلية الاقتصادية، تمثّلت في المجموعة الاستشارية برئاسة أميركا، الهادفة إلى ما سُمّي «تلبية إعادة إعمار لبنان».

– القرار 1701: بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان وحرب الـ 33 يوماً عام 2006، تدخّلت الأمم المتحدة لوقف الحرب عبر إصدار القرار الدولي الرقم 1701 الذي نصّ على وقف الأعمال العدائية بين الطرفين، وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب، وتوسيع مهمة قوات الأمم المتحدة لمراقبة الوضع على الحدود. وبناءً على هذا القرار ، تمّ رسم «الخط الأزرق»، إلا أنّ عدة نقاط بقيت عالقة، ويصرّ لبنان على اعتبارها مناطق محتلة ويطالب بتحريرها.

– اتفاق ترسيم الحدود البحرية، عام 2022: عاد هذا الاتفاق إلى قلب الجدل السياسي اليوم بقوة، بعدما أعاد رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون التذكير به، مؤكّداً أن الدولة اللبنانية سبق أن تفاوضت مع إسرائيل برعاية أميركية وأممية، ما أسفر عن اتفاق لترسيم الحدود البحرية أُعلن عنه من مقر قيادة اليونيفل في الناقورة.

وتساءل عون: «ما الذي يمنع تكرار الأمر نفسه لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، خصوصاً في ظل عدم تحقيق الحرب لأيّ نتيجة؟»، في وقت أكّد فيه لبنان على التفاوض غير المباشر، وفق ما صدر من توضيحات رئاسة الجمهورية في هذا الإطار. وتوصّل لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الأول 2022 إلى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية، بوساطة أميركية، لحل النزاع القائم بين البلدين وفتح المجال أمام استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة المُتنازع عليها. كما تضمّن الاتفاق ترتيبات مالية بين إسرائيل ومشغّل البلوك 9 لضمان حقوق الطرفين في الموارد المُكتشفة.

– اتفاق وقف إطلاق النار، عام 2024: أُعلن عن اتفاق 27 تشرين الثاني 2024، بعد حرب إسرائيلية دامية على لبنان، تدخّلت على إثْرها الولايات المتحدة وفرنسا للتوسط في وقف إطلاق النار. ورغم التزام الجانب اللبناني بالاتفاق، إلا أن إسرائيل تواصل يومياً خرقه من خلال اعتداءات تؤدّي إلى سقوط الضحايا وتدمير الممتلكات والأرزاق. في المقابل، يطالب لبنان المجتمع الدولي بممارسة الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها والانسحاب من النقاط المحتلة في الجنوب اللبناني.

مشاركة المقال: