الأحد, 17 أغسطس 2025 07:47 PM

لماذا يعود سوريون إلى مناطق الشمال؟ صعوبات الاندماج وتغير نمط الحياة تدفع للعودة العكسية

لماذا يعود سوريون إلى مناطق الشمال؟ صعوبات الاندماج وتغير نمط الحياة تدفع للعودة العكسية

عنب بلدي – أمير حقوق: "تبدو دمشق وسكانها مدينة غريبة، وكأني لم أعش بها سابقًا. طيلة الأشهر الأربعة الماضية، منذ عودتي من مدينة عفرين بريف حلب إلى حي الميدان، الذي أنتمي إليه، وأنا أشعر بغربة"، هكذا وصف عبد المعين كلاس مشاعره حين سألته عنب بلدي حول أسباب عودته إلى الشمال.

قال الشاب الثلاثيني، إنه لاقى صعوبة في اندماجه مع المحيط، ولم يتأقلم مع عاداتهم "الجديدة"، ونمط حياتهم المختلف عن الماضي، سواء اجتماعيًا أو ثقافيًا أو حتى دينيًا. فحي الميدان، الذي كان معروفًا بنمط سكانه الخاص، والذي تلاشى خلال فترة النظام السابق، دفعه للعودة مع أخيه وعائلتهما إلى مدينة عفرين بحلب، التي اعتادا العيش فيها، واتباع عاداتها ونمط حياة أهلها.

يوافقه الرأي حسن الجدي، معتبرًا أن السوريين، خلال السنوات الماضية، انقسموا جغرافيًا، سواء ضمن مدن المحرر سابقًا، أو ضمن مناطق سيطرة النظام السابق، أو خارج سوريا، وتغيرت عاداتهم، وبالتالي اختلفت أنماط الحياة والفكر بين الجميع، تبعًا لمكان الإقامة السابقة. عاد حسن من مدينة حرستا إلى ريف إدلب، مكان إقامته السابقة، معللًا سبب العودة العكسية، بأنه للحفاظ على نمط حياة أسرته الذي اعتادته، سواء دينيًا أو فكريًا أو سلوكيًا، والذي تتميز به مدن الشمال السوري.

تشهد المحافظات السورية، منذ سقوط النظام السابق، عودة للأهالي بشكل كبير من المناطق المحررة سابقًا إلى بقية المحافظات، أو من خارج سوريا. تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في 25 من حزيران الماضي، تشير إلى عودة نحو 600 ألف شخص من الدول المجاورة، بينما عاد أكثر من 1.4 مليون من النازحين داخليًا، وبذلك تجاوز عدد العائدين إلى ديارهم مليوني شخص، مع وجود الكثير ممن يرغبون بالعودة.

نظرة اختلاف متبادلة

يجد العائدون صعوبة في الاندماج مع سكان وأهالي مدنهم ومناطقهم، معتبرين أنه خلال الفترة السابقة خلال غيابهم، تغيرت أنماط الحياة وعادات الأهالي، وكأنهم يواكبون الحياة "الغربية"، بالإضافة إلى تمدن حياة الأرياف بشكل غير مسبوق. الأمر الذي يدفع بعض العائدين إلى مناطقهم ومدنهم بعد سقوط النظام السابق للعودة العكسية، أي يعودون إلى مناطق الشمال السوري التي كانوا يقيمون فيها، باعتبارها تتماشى مع نمط حياتهم وأفكارهم وثقافاتهم، ويلقون أنفسهم ضمن حياة تشبههم، بحسب تعبيرهم.

رضا الأسمر، عاد منذ سقوط النظام مع عائلته من الشمال السوري إلى قرية رأس العين التابعة لمدينة يبرود بريف دمشق، ولكنه لاحظ أن أولاده بدؤوا ينتهجون سلوكًا غير معتاد، سواء بالكلام أو التصرفات، أو حديثهم مع الكبار، وحتى "الاختلاط" بين الجنسين، وكذلك العادات الجديدة المتبعة من قبل أهله ومحيطه. قرر رضا العودة إلى مدينة إدلب، حيث كان يقيم قبل التحرير، قائلًا إن خيار العودة العكسية كان من أفضل الخيارات، لتنشئة عائلته كما يحب.

وتابع، "وجدت أن جميع المناطق والمدن التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، فقدت عاداتها وتقاليد أهلها، وبدأت حياتهم تتجه إلى نمط الغرب، مع إعطاء حرية كبيرة للإناث سواء بصداقة الجنس الآخر أو بكل التفاصيل، والتي كانت سابقًا من أكبر المحرمات في قريتنا، وحتى العلاقات بين الأهل، وبين الأصدقاء، تغيرت عما كانت عليه".

عبد المعين كلاس، وافقه الرأي مضيفًا أن سكان المدن التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، وجدوا أيضًا أن العائدين من المناطق المحررة سابقًا مختلفون عنهم كليًا، فأحد أصدقائه ضمن حي الميدان، وجه له ملاحظة بأنه لم يستطع التكيف مع آرائه وفكره، معتبرًا أنه تشدد كثيرًا خلال إقامته بالشمال السوري.

سوء الخدمات والغلاء

اختلفت جودة الخدمات المقدمة داخليًا للعائدين عن تلك الموجودة في مناطق الشمال السوري، كوضع الكهرباء والماء والإنترنت، وأيضًا الخدمات التجارية والإلكترونية، بالإضافة إلى الغلاء الذي وصفوه بالمبالغ، فكانت عوامل تدعم عودتهم العكسية. لم يستبعد ابن حي الميدان عبد المعين كلاس، عوامل أخرى أدت لعودته العكسية إضافة إلى صعوبة الاندماج، ومنها الخدمات التي أثارت استياءه، كسوء الكهرباء وتقنينها الشديد، وتقنين المياه وصعوبة تأمينها، وضعف الإنترنت.

وتطرق لاختلاف الحالة الاقتصادية، والغلاء "الفاحش" في مدينة دمشق، أسوة بالمناطق المحررة سابقًا، فالغلاء في دمشق يعتبر مضاعفًا بأربع مرات عن الشمال، خاصة المواد التموينية والسلع الاستهلاكية الضرورية، بالتوازي مع الأجور الضعيفة المقدمة في القطاعين العام والخاص.

أما حسن الجدي، الذي يعمل في صيانة السيارات، فاستغرب أجور المحال وغلاء المعدات والمواد المختصة بتصليح السيارات، بالإضافة إلى صعوبة تأمين حياة كريمة لعائلته، نظرًا للغلاء الفاحش، وكانت تلك عوامل مهمة تضاف لعامل صعوبة اندماجه وتغيّر نمط حياة أهالي حرستا القديم.

تحديات نفسية واجتماعية

الباحثة الاجتماعية هبة الدرويش، قالت لعنب بلدي، إن عملية الاندماج بين السوريين العائدين من مناطق الشمال، وأهالي المناطق الداخلية، تواجه عدة تحديات اجتماعية ونفسية، ناتجة عن اختلافات ثقافية واجتماعية وتجارب زمنية فريدة لكل منهم، خلال الفترة السابقة. وكشفت أن هناك تأثيرات نفسية عند بعض العائدين، فقد يشعرون بالاغتراب أو التهميش، مما يعوق قدرتهم على التفاعل بشكل إيجابي مع المجتمع، وأيضًا خلال السنوات الطويلة التي قضوها في الشمال، اختلفت أنماط الحياة، سواء في دمشق أو غيرها من المحافظات، وذلك تبعًا لاستمرار التعايش ومواكبة الأنماط الحياتية والاجتماعية للأفراد، التي اعتبر العائدون أنها غير مناسبة للمجتمع السوري، وبالتالي شكلت أزمة تعايش لديهم.

من جانب آخر، قد ينظر الأهالي إلى العائدين بنظرة مختلفة، خاصة إذا كان هناك تصور أنهم يحملون تجارب مختلفة، أو نمط حياة مختلفًا، بحسب الباحثة الاجتماعية.

حلول للاندماج

اقترحت الباحثة هبة الدرويش أن التواصل الثقافي والاجتماعي هو الحل الأهم للاندماج، ويتطلب الأمر برامج توعية، وتكاتف المجتمع المدني، ودورًا لمؤسسات الدولة في بناء جسور التفاهم، وتعزيز روح المصالح المشتركة. "التعاون والتفاهم بين جميع السوريين هو السبيل الحقيقي لتجاوز هذه العقبات وتحقيق الاندماج الفعلي، الذي يكون أساس استقرار المجتمع ووحدته المجتمعية"، بحسب ما قالته الباحثة الدرويش.

مشاركة المقال: