يأخذنا نص "أوغاريتي" القديم، المحفوظ في متحف اللوفر بباريس، إلى جلسة محاكمة علنية لروح متوفى، قبل أن يلتحم بجسده مرة أخرى لينعم بالسعادة والخلود في العالم الأبدي الجديد.
يسأل قاضي محكمة الأرواح الروح: "أيها الروح، هل كذبت؟"، فتجيب الروح: "نعم، كذبت على زوجتي في مدح جمالها وجودة طهيها".
يتابع القاضي: "وهل عذّبت حيواناً؟"، فترد الروح: "كلا، عدا ذلك العصفور الذي أعجبني صوته، فحبسته لمدة يومين ثم أطلقته".
يسأل القاضي: "هل أسلت مرة دماء حيوان دون ذنب؟"، فتجيب الروح: "كثيراً ياسيدي حين كنت أقدمه قرباناً للإله كي أطعم الفقراء".
يستمر القاضي في أسئلته: "هل كنت سبباً في دموع إنسان؟"، فترد الروح: "نعم، أمي حين مرضت بين يديها".
"هل لوّثت مياه النهر؟"، يسأل القاضي، فتجيب الروح: "نعم، حين سبحت فيه مرة وأنا في وقت عملي".
"هل قتلت نباتاً أو زهورًا؟"، يسأل القاضي، فتجيب الروح: "نعم، حين اقتلعت زهرة لحبيبتي".
"هل سرقت ما ليس لك؟"، يسأل القاضي، فتجيب الروح: "نعم، سرقت قلب وحب جيراني من غير ملتي وديانتي".
"هل تعاليت على غيرك بسبب علوّ منصبك؟"، يسأل القاضي، فتجيب الروح: "كنت أرى نفسي أضعف الخلق أمام عظمة الرب".
"هل إرتفع صوتُك أثناء الحوار؟"، يسأل القاضي، فتجيب الروح: "لم أكن أحاور سوى ربي باكياً هامساً".
"هل خاض لسانك في شهادة زور؟"، يسأل القاضي، فتجيب الروح: "قلتُ زوراً حين سترت على جارة لي".
"هل قبلتَ رشوة؟"، يسأل القاضي، فتجيب الروح: "نعم، كثيراً جداً عندما تلقيت قبلات من طفلتي لتلبية طلباتها".
"ما هو أهم عمل صالح قمت به؟"، يسأل القاضي، فتجيب الروح: "كنت يداً لمشلول، وساقاً لكسيح، وأباً ليتيم. فكان قلبي نقياً ويداي طاهرتان وغنيت وضحكت وقهقهت ورقصت وعزفت على الناي في فرح جار لي من غير الأوغاريتيين".
يقول القاضي: "مبروك لك أيها الروح. لقد نجحت في المرحلة الأهم"، وهو يقفل المحضر تحت نظرات الإستغراب من الروح.
تسأل الروح: "يا سيدي القاضي، ألن تسألني عن إيماني وعبادتي وصلاتي وصيامي ونسكي؟"
يجيب القاضي: "لا أيها الروح الطاهرة. تلك قضية لا سلطة لأحد عليها ويحددها الرب وحده فقط".
هذا المقطع مأخوذ من نص "أوغاريتي" الذي كُتب منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، والمحفوظ في متحف اللوفر بباريس. (اخبار سوريا الوطن ١-اختيار د.محمود السيد)