استضاف المسرح الثقافي في طرطوس عرضاً لمسرحية "عذاب"، من تقديم فرقة العرّاب للفنون المسرحية. تأتي هذه المسرحية ضمن سلسلة أعمال الفرقة التي تتناول قضايا الإنسان وصراعاته الداخلية، معتمدةً على منهج نفسي-درامي يستوحي عناصر من التراجيديا الإغريقية وفلسفة تطهير الذات.
رؤية إخراجية فلسفية
أوضح عصام علّام، مؤلف ومخرج العرض، في تصريح لـ سانا أن العمل يحكي قصة رجل تجاوز الأربعين من عمره، يجد نفسه أمام مرآة الماضي بعد سنوات من الأخطاء. يخوض هذا الرجل، عبر أحلامه وهواجسه، مواجهة صريحة مع ذاته. وأشار إلى أن المسرحية تعتمد على تجسيد الأفكار كشخصيات حية على خشبة المسرح، في محاولة لإعادة قراءة التجارب الإنسانية التي أثرت في البطل وأوصلته إلى عزلته.
يشارك في العرض خمسة من أعضاء فرقة العرّاب، يقدمون أدواراً تبرز تأثير البيئة غير الصحية التي نشأ فيها بطل العمل. فقد خسر والدته في سن مبكرة وتعرض للقمع من والده الذي حرمه من الفن والموسيقا وألزمه العمل القسري، مما جعله يفقد أحلامه ويبتعد عن ذاته الحقيقية. كما يوثق العرض خسارته لحبيبته بسبب الفوارق الاجتماعية التي وقفت حاجزاً بينهما.
معاناة المرأة في مواجهة القمع
تحدثت الممثلة ماريا شلدح عن تجسيدها لشخصية سلمى، زوجة البطل، مشيرة إلى أن الدور يعكس معاناة المرأة في ظل أنماط اجتماعية تفرض مفاهيم خاطئة للرجولة، مما يضعها تحت القمع والعنف. وأكدت أن شخصية سلمى تمثل رسالة موجهة لكل امرأة تتعرض للظلم، تدعوها إلى مواجهة واقعها وبناء حياتها من جديد.
كما قدم الممثل خضر يونس دور عذاب، الشخصية المحورية في العمل، حيث يظهر البطل في حوار داخلي مع نسخة أصغر منه، مسترجعاً قراراته الخاطئة وخساراته المتتالية قبل أن يصل في نهاية الرحلة إلى لحظة مواجهة حقيقية تقوده إلى التحرر من القيود النفسية وعودة الموسيقا إلى روحه.
بدورها، جسدت نور أبو تلجة دورين متكاملين، الأول الفكرة التي تولد داخل عقل البطل كرمز للنقاء والأمل، والثاني الحبيبة التي تقف إلى جانبه رغم الاختلافات. وأوضحت أن "الفكرة" تواجه تحول الأفكار السابقة إلى أشباح داخل عقل عذاب في تجسيد بصري للصراع النفسي، وتُختتم برقصة التحرر التي تعبر عن استعادة البطل لذاته وانطلاقه نحو الشفاء.
تُعد فرقة العرّاب للفنون المسرحية من الفرق الشابة التي تميزت بأعمالها ذات الطابع الإنساني والفلسفي، وتحليل النفس البشرية والتعبير عن صراعاتها عبر مشاهد درامية مكثفة تستند إلى رموز وأساليب تجريبية. قدمت الفرقة عدداً من العروض منها "ظلال"، "ذاكرة الماء"، و"حجر الوقت"، مركزة على قضايا الهوية والحرية والبحث عن الذات.