الثلاثاء, 16 سبتمبر 2025 04:01 PM

معاهدة دفاع أمريكية لبنانية: هل يصبح لبنان خط الدفاع الأمامي عن إسرائيل؟

معاهدة دفاع أمريكية لبنانية: هل يصبح لبنان خط الدفاع الأمامي عن إسرائيل؟

بقلم: ميسم رزق

على الرغم من العدوان الإسرائيلي الذي يدمر غزة ويعيث فساداً في المنطقة برعاية أمريكية كاملة، والذي لا يستثني حتى حلفاء الولايات المتحدة، تحتفل بعض الأطراف اللبنانية بوقوع البلاد تحت الوصاية الأمريكية بعد العدوان الصهيوني على لبنان، وتسوق لوهم الحماية الأمريكية، وتلهث وراء طرح قديم جديد روج له السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، خلال زيارته لبيروت مع وفد أمريكي قبل أسبوعين.

يومها "بشر" السيناتور المتصهين بإمكانية عقد معاهدة دفاع مشترك بين واشنطن وبيروت، فهلل المصفقون لفكرة تسليم السيادة اللبنانية بالكامل للأمريكي، ولهذا "العرض غير المسبوق" الذي سيضع واشنطن في موقع الدفاع عن لبنان أمام أي تهديد يتعرض له. وازدادت حماسة هؤلاء بعدما أعاد غراهام طرح الفكرة أمام الكونغرس قبل أيام، داعياً إلى المضي قدماً في إقرارها وتطبيقها.

وبغض النظر عن أن خطاب فريق أمريكا في لبنان يجافي المنطق السياسي كلياً ولا يستند إلى أي معطى ملموس، تبقى أمام اللبنانيين عبرة حاضرة من تجارب الدول الملتحقة بواشنطن. فها هي قطر، التي وقعت اتفاقية تعاون دفاعي مع الولايات المتحدة عام 1992 وتحتضن أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة حيث مقر القيادة الوسطى والمقر الأمامي للقيادة المركزية للقوات الجوية، لم تجد في كل ذلك حماية من العدوان الإسرائيلي الأخير.

الغاية الأمريكية فيما يخص لبنان مختلفة تماماً عما يجري التهليل له اليوم. وتستعيد أوساط سياسية بارزة تجربة 1982-1983، حين وقع اتفاق تعاون بين بيروت وواشنطن لتسليح الجيش اللبناني وتنظيمه وإعادة هيكلته، لا لمواجهة العدو الإسرائيلي، بل تمهيداً لمرحلة "السلام" عبر اتفاق 17 أيار، ولتحضير الجيش وتجهيزه من أجل حماية هذا الاتفاق وضرب المقاومة. آنذاك عقد الرئيس أمين الجميل، صفقة لشراء مروحيات "بوما" فرنسية بقيمة ثلاثة مليارات، ليتضح لاحقاً أنها رومانية الصنع.

ومنذ ذلك الحين، ورغم تبدل الوقائع والظروف، بقي تسليح الجيش مرهوناً بقرار واشنطن التي تشرف مباشرة عبر لجنة عسكرية على كل تفاصيله، من وجبات الطعام حتى أصغر قطعة سلاح، مانعة وصول أي هبة عسكرية من خارج المحور الأمريكي.

اليوم، تتخذ مسألة دعم الجيش منحى أكثر جدية وخطورة بعد قرار الحكومة تكليفه إعداد خطة لنزع سلاح المقاومة. وبعيداً عن طرح غراهام، هناك تصور مستجد وخاص لدى قيادة المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي، نقل إلى مسؤولين لبنانيين عبر موفدين أمريكيين.

جوهر التصور الذي يعمل عليه قائد "سنتكوم" الأدميرال براد كوبر، يقوم على تعديل آلية دعم الجيش بحيث لا تحتاج قرارات المساعدة لموافقة الكونغرس، بل تصدر مباشرة بتوصية من البنتاغون يوافق عليها الرئيس الأمريكي، ما يسرع عملية إعادة تنظيم الجيش وهيكلته، بعيداً عن التعقيدات والمهل التي تفرضها قوانين الكونغرس الأمريكي.

ولا يدخل هذا التصور مطلقاً في إطار تمكين الجيش من الدفاع عن لبنان أو التصدي لأي اعتداء، ولا يهدف إلى منحه القدرة على الانتشار في كامل الأراضي اللبنانية لحماية المواطنين. فواشنطن ليست بصدد هدم مشروعها في لبنان بقدر ما تسعى إلى تكريسه، وهو يتمحور حالياً حول تثبيت الاحتلال في الجنوب وإقامة "منطقة عازلة" لمصلحة إسرائيل.

وما سربّه المسؤولون يكشف أن كوبر يعمل اليوم على تكوين نظام أمني إقليمي تشارك فيه جيوش عربية حليفة للولايات المتحدة، شبيه بـ"حلف بغداد" الذي أنشئ لمواجهة المد الشيوعي في الخمسينيات، لكنه هذه المرة موجه مباشرة ضد إيران.

صحيح أن هذا النظام قائم فعلاً وظهر جلياً في الحروب المتنقلة على أكثر من جبهة منذ عملية "طوفان الأقصى"، حيث شاركت دول عربية إلى جانب إسرائيل على مستويات تمويل وتعاون استخباراتي وعسكري مع الكيان، كما هي حال الأردن الذي فتح مجاله الجوي ليكون ممراً آمناً للاعتداء على إيران وقاعدة عمليات لوجستية وجوية متوفرة دائماً لشن الضربات وصد الصواريخ الإيرانية. غير أن كوبر يسعى إلى توسيع هذا الإطار وإضفاء صبغة مؤسسية عليه عبر إدخال أطراف جديدة من بينها لبنان وسوريا، اللذان باتا أكثر قابلية للنفوذ الأمريكي في سياساتهما الداخلية.

وتقول المصادر إن كل حديث عن "دعم الجيش" لا يخرج عن كونه تعاوناً بين "بقايا جيوش المنطقة" لتخدم المشروع الأمريكي الإسرائيلي، وتحويلها إلى حائط صد أمام أي تهديد يطاول الكيان. وإذا أقر هذا التصور، فليس مستبعداً أن يصبح لبنان من بين البلدان التي تستضيف بطاريات أمريكية موجهة ضد الدول المدافعة عن فلسطين، لا سيما مع تسجيل حركة يومية لطائرات عسكرية أمريكية تنقل صناديق بحمولات مشبوهة إلى لبنان عبر مطار حامات.

وأياً يكن شكل "التعاون" الذي ستورط فيه واشنطن السلطة الحالية، ففكرته تتقاطع تماماً مع المناخ العام في المنطقة، والذي يسعى إلى الدفع باتفاقيات "إبراهام" وانضمام لبنان إليها، عبر اتفاقات دفاعية تديرها الولايات المتحدة وفق مصالحها في المنطقة.

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: