دلسوز يوسف – الحسكة
في مجمع سكني بمدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، يرفض عشرات العوائل النازحة من مدينة عفرين العودة إلى ديارهم ما لم تتوفر ظروف آمنة وضمانات تحميهم من الاعتقال من قبل فصائل مسلحة موالية لتركيا التي لا تزال تسيطر على منطقتهم بريف حلب الشمالي.
نزح عشرات الآلاف من سكان مدينة عفرين عن ديارهم عقب سيطرة القوات التركية وفصائل سورية مسلحة موالية لها في آذار/مارس 2018. ومنذ ذلك الحين، تعرض الآلاف من المدنيين للاعتقال والتعذيب، وحتى القتل في بعض الأحيان، في حال عودتهم، وفقاً لتقارير حقوقية وإنسانية عديدة.
“نريد ضمانات”
في شارع يتوسط المجمع السكني في الحسكة، تتساءل النازحة فاطمة كورو، وهي من ناحية راجو بعفرين، عن آلية عودتها إلى ديارها بعد سقوط النظام السوري السابق وعقد اتفاقيات بين الحكومة الانتقالية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية.
أحيت الاتفاقيات الأخيرة بشأن حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب الآمال بالنسبة للكثيرين بأن تكون بادرة لمزيد من الاتفاقيات التي من شأنها أن تعجل بعودة كافة النازحين السوريين إلى ديارهم.
وتقول كورو لنورث برس: "نحن نريد عودة آمنة إلى منازلنا وألا يتم اعتقالنا ومحاسبتنا. نريد من القاطنين في قرانا ومدننا العودة إلى ديارهم حتى نتمكن أيضاً من العودة إلى أرضنا".
وبعد سقوط النظام السابق في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عاد المئات ممن قدموا إلى عفرين إلى ديارهم في المحافظات السورية، بينما لا تزال مئات العوائل النازحة من مناطق الداخل السوري متواجدة في منازل أهالي عفرين.
وتشير كورو بلهجتها الكردية المحلية إلى أنه يجب على "المستوطنين" العودة إلى ديارهم، وتتابع: "كيف سنعود؟ ومن يعود يطالبه المستوطن في منزله بالمال ليسترد أرضه، ونحن لا نملك المال".
بدوره، يتفق النازح محمد قاسم مع كورو في الرأي بأن شعب عفرين عانوا الأمرين في محنة نزوحهم ويتشوقون للعودة إلى أرضهم، إلا أن خشيتهم من الاعتقال أو أعمال انتقامية من قبل فصائل مسلحة تدفعهم للتريث.
ويقول قاسم لنورث برس: "نريد العودة، ولكن بأي شكل؟ خرجنا من أرضنا من قبل مجموعات تمتهن السرقة والاعتقال والاغتصاب، وهذه المعاناة عاشها جميع شعب عفرين".
ويضيف: "إذا عدنا، يجب أن ندير شؤوننا بأنفسنا، ويجب أن تكون هناك ضمانات تعترف بهويتنا سواء من قبل الحكومة الحالية أو جهات دولية".
ويشير النازح الخمسيني إلى أن عفرين، بالرغم من خروج بعض التشكيلات العسكرية والمستوطنين بعد سقوط النظام السابق، تستمر فيها عمليات الانتهاكات والسرقات لممتلكات سكانها الأصليين.
استمرار الانتهاكات
يقول سليمان محمود، وهو أيضاً من نازحي عفرين، إن عودته إلى دياره في الوقت الراهن هي "خدعة جديدة" من قبل تركيا والفصائل التابعة لها.
ويضيف: "الحكومة الجديدة طلبت من النازحين العودة إلى أرضهم بوجود سلم وأمان (...) فكما نرى لم يتغير أي شيء، فلا يزال التعذيب والضرب مستمراً".
ويتابع: "يطالبون الأهالي بالعودة، وعند عودتهم تعتقلهم الفصائل وتطالبهم بدفع فدى مالية وكأنهم عصابات. كما أن النازحين السوريين في منازلنا عندما يخرجون يسرقون الأبواب والنوافذ، فحتى يوم أمس كانوا لا يزالون يقطعون الأشجار".
ويتساءل: "فكيف سأعود وهذه الانتهاكات جميعها مستمرة؟".
ويشترط محمود بأنه سيعود بتدخل جهات دولية تكون ضامنة وتوفر مناخاً آمناً لهم.
ويضيف: "أنا كشخص عفريني لن أخدع مرة أخرى. عندما أعود يجب أن تحمينا قواتنا (قسد)، عدا ذلك فإن العودة هي فخ".
وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منازل بلا نوافذ وأبواب عقب خروج وافدين من محافظات سورية أخرى من عفرين، فيما وثقت نورث برس استمرار عمليات قطع الأشجار بهدف الإتجار بها.
ورغم الظروف الحساسة التي لا تزال تعيشها سوريا، يأمل نازحو عفرين أن تنتهي معاناتهم في أقرب وقت بالعودة إلى أرضهم مجدداً والبدء بمرحلة جديدة بعد سنوات من القهر والحرمان في رحلة النزوح.