أكدت مصادر مقربة من اللواء الثامن أن "قرار حلّ اللواء والانضمام إلى وزارة الدفاع جاء كإجراء ضروري لردع الفتنة وحقن الدماء".
أسدلت محافظة درعا الستار على ملف شائك، طالما هدد بالانفجار نتيجة لتضارب المصالح وتداخل الأجندات الخارجية. نشأة اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة كانت ثمرة تفاهمات دولية وإقليمية، جسدت تحولاً في المشهد السوري لصالح النظام السابق بتسوية الجنوب عام 2018. اليوم، يأتي قرار حله وإخراجه من المشهد، بشكله الحالي، كجزء من إعادة ترتيب أوراق الجنوب السوري وفق ديناميات جديدة بعد سقوط النظام، ويتزامن مع أول زيارة لرئيس سوريا الانتقالي، أحمد الشرع، إلى الإمارات العربية المتحدة، مما يؤكد استمرار الاهتمام الإقليمي بالملف السوري.
وشددت المصادر على أن القرار "ليس مجرد خطوة إدارية"، بل هو محاولة "لإغلاق الطريق أمام تقسيم البلاد".
بعد أيام من التوتر الأمني في بصرى الشام بريف درعا الشرقي، معقل اللواء الثامن، أعلن الأخير، الأحد، عن حل الفصيل وتسليم عتاده العسكري لوزارة الدفاع السورية. بذلك، يصبح اللواء الثامن أول فصيل سوري يعلن حله رسمياً منذ سقوط النظام السابق. يحيط الغموض بآليات ضم الفصائل الأخرى إلى الجيش السوري الجديد، حيث لم يتم الإعلان عن حلها، وسط شكوك حول انضمامها ككتلة واحدة، خاصة فصائل الشمال السوري الموالية لتركيا.
وكان وزير الدفاع مرهف أبو قصرة قد عين العميد بنيان الحريري قائداً لفرقة درعا، مع خطط لتشكيل خمسة ألوية من فصائل درعا والسويداء ضمن هذه الفرقة. إلا أن التهديد الإسرائيلي بفرض منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري أدى إلى تأخير التنفيذ، خاصة مع عدم وضوح مصير الفصائل المنضمة إلى وزارة الدفاع في ظل التهديد الإسرائيلي باستهداف أي قوة تابعة لـ"هيئة تحرير الشام" تنتشر في الجنوب.
يذكر أن اللواء الثامن كان الفصيل الوحيد الذي ذكره أبو قصرة بالاسم، قبل ذلك، باعتباره رافضاً للانضمام إلى وزارة الدفاع، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" في فبراير الماضي. هناك عشرات الفصائل الأخرى التي لا تزال خارج إطار وزارة الدفاع، سواء لعدم دعوتها للانضمام أو لرفضها ذلك. يعكس هذا أهمية اللواء الثامن وإحساس وزير الدفاع بخطورة عدم اندماجه في الجيش الجديد آنذاك.
أحمد العودة بات خارج المشهد في الجنوب السوري.
مثّل اللواء الثامن نقطة التقاء لمصالح عربية وإقليمية مختلفة. خلال قتاله ضد النظام السوري السابق، تلقى الدعم من غرفة عمليات "الموك" في عمان. بعد تسوية 2018، وجد اللواء نفسه في موقع معقد بين تأثيرات الدعم القديم وضرورات التنسيق مع روسيا ونظام الأسد، مما جعله عرضة لانتقادات من مختلف الأطراف نتيجة للأدوار الهجينة التي اضطر للقيام بها.
عند اندلاع معركة "ردع العدوان"، سارع اللواء الثامن إلى شق طريقه نحو دمشق، وكان أول من دخلها إلى جانب فصائل غرفة عمليات فتح دمشق وبعض فصائل السويداء، قبل 24 ساعة من وصول أحمد الشرع. لكن اللواء الثامن، لأسباب غير واضحة، رفض أن يكتب التاريخ في تلك اللحظة وقرر الانسحاب من دمشق دون التنافس على السلطة مع "هيئة تحرير الشام".
بعد التوتر الأخير، الجمعة، على خلفية إصابة بلال الدروبي، القيادي السابق في فصيل "شباب السنة" الذي كان يقوده أحمد العودة قبل التسوية، تمسكت قيادة اللواء الثامن بعدم استكمال إجراءات الانضمام إلى وزارة الدفاع دون تغييرات في هيكلة فرقة درعا. بل إن مصادر مقربة من اللواء الثامن أبلغت "النهار" أنها لا تستبعد الاشتباك مع قوات الأمن العام إذا تجاوزت حدّاً معيناً في تقدمها نحو بصرى الشام.
من الصعب التصديق بأن وفاة الدروبي، الأحد، كانت السبب وراء تخلي قيادة اللواء الثامن عن مطالبها السابقة والقبول بالحل والاندماج في الجيش السوري. الأرجح أن تصاعد التوترات شكّل لحظة مناسبة تزامنت مع زيارة الشرع إلى الإمارات، مما قد يكون سهّل التوصل إلى تفاهم بين اللواء الثامن ووزارة الدفاع، بما يعكس جانباً من نتائج الزيارة.