الأربعاء, 24 سبتمبر 2025 06:51 PM

هل ينجح حذف الأصفار في معالجة التضخم؟ خبير اقتصادي يوضح الشروط والبدائل

هل ينجح حذف الأصفار في معالجة التضخم؟ خبير اقتصادي يوضح الشروط والبدائل

يعاني الاقتصاد الوطني من تركة ثقيلة ومشكلات جمة، تفاقمت بسبب سنوات الحرب والعقوبات الاقتصادية، وما خلفته من آثار سلبية طالت جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية. هذه العوامل، بالإضافة إلى الفساد الذي استشرى خلال حكم النظام البائد والاستثمارات التي سيطر عليها قلة من الأشخاص، أوصلت اقتصادنا إلى الحضيض.

اليوم، تجري محاولات لمعالجة نقاط الضعف وإعادة بناء الاقتصاد الوطني من خلال إجراءات فورية وأخرى ضمن استراتيجية محددة، يعتمد تنفيذها على الظروف والإمكانات المتاحة. يعتبر إلغاء الأصفار من بعض فئات العملة المتداولة أحد الخيارات المطروحة لإنقاذ الوضع الاقتصادي العام، وهو أمر يحمل في طياته تبعات إيجابية وسلبية. يمكن تلافي الجوانب السلبية وتعزيز الإيجابيات من خلال بعض الإجراءات المصاحبة لتطبيق حذف الأصفار.

الخبير الاقتصادي: معالجة حالة الركود وتحريك عجلة الاقتصاد كفيلة بالمساعدة على ضبط معدلات التضخم

الخبير الاقتصادي الدكتور “فادي عياش” يقدم وجهة نظر أكاديمية واقعية، حيث يرى أن التعامل مع قرار حذف الأصفار يجب أن يكون بواقعية، لأنه في طريقه إلى التنفيذ. ويرى أنه لم يعد من المفيد الخوض في تحليل القرار وإيجابياته وسلبياته، لأن معالجة المشاكل تتطلب قرارات مسؤولة. ويؤكد على الواجب والمسؤولية الوطنية التي تفرض على الخبراء تقديم العون والنصح لأصحاب القرار، لما فيه الخير والصالح العام، معرباً عن أمله في أن يتسع صدر أصحاب القرار لبعض الآراء التي تهدف إلى المساعدة وتسليط الضوء على السلبيات وتعزيز الإيجابيات بما يخدم المصلحة الوطنية.

ويضيف عياش أنه يمكن تحليل موضوع طباعة العملة وحذف الأصفار كمفهوم عام لا يقتصر على الحالة السورية المعقدة. ويرى البعض أنه لا يوجد مبرر موضوعي وحاسم لإلغاء أصفار من العملة الحالية، مع وجود بدائل ممكنة أفضل وأوفر. كما يرى البعض الآخر أنه لا جدوى من طباعة عملة جديدة في الظروف الراهنة، نظراً للتكلفة الباهظة التي تتطلب تغطية غير متوفرة حسب المعطيات المتاحة، معرباً عن أمله في توافر الموارد اللازمة.

ويشدد الخبير عياش على أهمية ملاحظة التعقيدات الناتجة عن عملية الاستبدال وآثار حذف الأصفار، إذ إن ذلك يتطلب تغيير العملة وطباعة عملة جديدة، ما يفرض تكاليف كبيرة. أما فيما يتعلق بالمبررات الرسمية، فيوضح عياش أنه يتم اللجوء إلى العديد من الأساليب والتقنيات في السياسة النقدية لمعالجة المشكلات الاقتصادية، لاسيما مشكلة التضخم الجامح، حيث تلجأ الدول إلى حذف الأصفار عندما تعاني حالة التضخم المفرط، وهي حالة لم يصل إليها الاقتصاد السوري بعد. ويهدف ذلك إلى تبسيط العمليات المالية وتسهيل التعاملات اليومية والمحاسبة وإعداد التقارير المالية.

ويشير عياش إلى تجارب بعض البلدان التي مرت بظروف اقتصادية مماثلة، مثل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية والبرازيل وتركيا وفنزويلا وغيرها، حيث وصلت معدلات التضخم إلى مستويات فقدت فيها العملة المحلية قيمتها، ما استوجب حذف أصفار كثيرة من العملة. ويؤكد أن التجارب الناجحة في هذا المجال اعتمدت على إصلاحات اقتصادية جوهرية واعتماد معدلات نمو عالية.

ولذلك، يجب التأكيد على أن هذا الإجراء سيكون شكلياً وقاصراً ما لم يترافق مع عمليات إصلاح بنيوية في الاقتصاد الوطني تساعد على زيادة معدلات التشغيل والإنتاج والتصدير وتنمية السوق المحلي، بما يساعد في تحسين توازنات ميزان المدفوعات والميزان التجاري وأسعار الصرف، وبالتالي تحسين القوة الشرائية للعملة المحلية وزيادة القدرة الشرائية للدخل ونمو الطلب بالتزامن مع نمو العرض السلعي والخدمي المتاح، وإلا سيكون إجراء كهذا بمثابة عملية تجميلية تساعد في تخفيف أحد مظاهر التضخم وتسهيل عمليات التداول فقط.

ويرى الخبير “عياش” أن تحقيق نجاحات مميزة لتطبيق القرار وانعكاسه بصورة إيجابية على الواقع الاقتصادي وتحسن واضح في القوة الشرائية للمواطن، يتطلب توافر شروط خاصة لتأمين عملية النجاح، منها أن يكون الاقتصاد قد بدأ التعافي فعلاً، وليس مجرد تغيير شكلي، إضافة إلى ضرورة السيطرة على التضخم، حتى لا تفقد العملة قيمتها مجدداً، ما يؤدي إلى تعميق التضخم وتعقيد علاجه، كما يجب اعتماد سياسات اقتصادية داعمة مثل تحسين الإنتاجية وزيادة الإنفاق الاستثماري وتعزيز الثقة في النظام المصرفي، فضلاً عن وجود إدارة ناجحة لتغيير العملة زمنياً وإجرائياً، مع تبني مجتمعي شامل، لمنع التلاعب بالأسعار وإيجاد حالة من الفوضى المالية.

ويضيف عياش أن الواقع الاقتصادي الحالي في سوريا له خصوصيته، وبالتالي التطبيق على واقع سوريا الحالي، الذي يعاني من معدلات التضخم المرتفعة ولكن مازالت ضمن حدود إمكانية المعالجة الاقتصادية، وكذلك تراجع كبير في مؤشرات الإنتاجية والتجارة الخارجية والناتج المحلي الإجمالي.

وقد يكون من الدوافع الأخرى لهذا الإجراء، هو محاولة تأمين السيولة الكافية لسد العجز الكبير، الذي فرض تقييد شديد لحركة السيولة في المصارف، ما أثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني، وكذلك ضبط كميات الكاش خارج المنظومة المصرفية لمنع المضاربة، وتحديد فعلي للكتلة النقدية المتاحة لدى المجتمع، وهو عامل مهم لتحديد توازنات واقعية وضبط سعر الصرف، بالإضافة إلى التخلص من رموز النظام البائد على العملة الجديدة وهو عامل نفسي مهم ومطلوب.

وفي كل الأحوال ومهما كانت المبررات فقد يكون ضمن ظروفنا الراهنة، من الأنسب الاعتماد على بدائل أكثر جدوى، منها معالجة حالة الركود الاقتصادي كأولوية على معالجة مظاهر التضخم، لأن معالجة الركود الاقتصادي وتحريك عجلة الاقتصاد، كفيلة بالمساعدة على ضبط معدلات التضخم.

عموماً نثق بحكمة الإدارة المالية والنقدية، وقدرتها على إدارة هذا الملف المعقد، بشكل يحقق المصلحة الوطنية، ونسأل الله أن يوفقها لتجاوز التحديات الكبيرة التي تعترضها، واتخاذ الإجراءات وما يلزم من قرارات لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني وإنهاء ظاهرة التضخم ومعالجتها من الجذور، الى جانب معالجة مشكلات أخرى لا تقل أهمية عما سبق، وبالتالي نحن مع كل إجراء حكومي يحقق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، ويقضي بالضرورة إلى تحسن واقع القوة الشرائية للمواطن وتحسين مستوى معيشته، وهي الغاية الرئيسية من كل الإجراءات.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: