الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 03:29 PM

واشنطن وتل أبيب: هل فشلت الحرب وهُزمت المقاومة؟ قراءة في استراتيجيات ما بعد 2024

واشنطن وتل أبيب: هل فشلت الحرب وهُزمت المقاومة؟ قراءة في استراتيجيات ما بعد 2024

بقلم: علي حيدر

بدأ العدو في إعادة صياغة مفهوم الردع والدفاع الهجومي، وذلك لقناعته بأن الحرب لم تحقق النتائج العسكرية المرجوة. هذا يؤكد أن الحروب الحديثة لا تُقاس فقط بالدمار أو الصواريخ، بل بقدرة الأطراف على الاستمرار في الفعل السياسي والعسكري بعد انتهاء المعارك.

المواجهة تتجه نحو صراع على الوعي والشرعية، بين مشروع يرسخ المقاومة كقوة دفاعية في وجه أي عدوان على الأراضي اللبنانية، ومشروع العدو الذي يسعى لتفكيك عناصر الصمود عبر التهديدات السياسية والإعلامية والضغط الاقتصادي، مع تصعيد مفتوح على سيناريوهات متعددة.

هناك من يرى في حملات التهويل الإسرائيلية تمهيداً لحرب جديدة، وآخرون يعتبرونها امتداداً لحرب الوعي. لكن طبيعة الخطاب الإسرائيلي تكشف أنها تتجاوز الحرب النفسية، دون الجزم بكونها مقدمة لحرب واسعة. نحن أمام مرحلة اختبار للحدود القصوى للضغط قبل الانفجار، ومحاولة لانتزاع تنازلات من لبنان تحت شعار «تجنب الحرب».

التجربة التاريخية تعلمنا أن التنازلات لا تمنع العدوان، بل تشجع عليه. ما نشهده اليوم هو مناورة استراتيجية تهدف إلى فرض «الإخضاع» لتحقيق ما عجزت عنه القوة العسكرية. ويأتي الدور الأميركي في محاولة استثمار الاعتداءات لتحقيق أهداف سياسية.

تصاعد الاعتداءات يعكس اعترافاً ضمنياً بأن العدو بالغ في تقدير نتائج الحرب السابقة. فبينما يروج إعلامياً لتدمير ما بين 70 إلى 80% من قدرات حزب الله، يعود للحديث عن هذه القدرات، ما يشير إلى تراجعه عن هذه النسب. حملة العدو التي تدعي أن حزب الله أعاد بناء منظوماته التقنية والتنظيمية، هي إقرار بمرونة الحزب وقدرته على التكيف مع الضغط المستمر، ما يؤدي إلى استنتاج مفاده أن الوقت يعمل لصالح الحزب، وهو ما يكرره الأميركيون لتبرير ضرورة التحرك العملي ضده.

هذا ما دفع اللواء تامير هايمن، مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إلى التحذير من أن «الزمن يعمل ضد إسرائيل، وإذا لم تُتَّخذ خطوات حاسمة فستتبخر الكذبة اللبنانية»، في إعلان بأن نتائج الحرب المعلنة لم تصمد أمام الواقع.

تل أبيب تستعجل ما تسميه الحسم، لأنها تعتقد أن هناك فرصة ليست متاحة دائماً، وأن حزب الله يجيد التكيف مع الضغوط.

التحول في الخطاب الإسرائيلي لا يعني تراجع العدو عن ادعاء الانتصار، بل يشير إلى تغيير في فهم معنى الحسم: من حسم ميداني متعذر إلى محاولة حسم سياسي-نفسي لتطويع البيئة اللبنانية من الداخل. تكثيف التهديدات ورفع سقف الخطاب الإعلامي ليسا دليلاً على الثقة، بل علامة ارتباك أمام مقاومة قادرة على امتصاص الصدمات وإعادة إنتاج القدرة على المبادرة.

إسرائيل تراهن على متغيرات داخلية وإقليمية ودولية، تبدأ من التحول السوري، إلى الموقف الأميركي، إلى هشاشة الوضع الاقتصادي اللبناني، وصولاً إلى سلطة سياسية لبنانية معادية للمقاومة. وهذا ما عبر عنه هايمن بقوله «يجب فعل المزيد وبسرعة لأن نافذة الفرصة على وشك أن تُغلق». هذا الاستعجال يفضح قلق المؤسسة الأمنية من تعديل في موازين القوى: فحزب الله بات أكثر تنظيماً وخبرة، وشعب المقاومة في لبنان أكثر إدراكاً بمخاطر المقايضة بين السيادة والاستقرار المؤقت.

يجب قراءة الأداء الإسرائيلي في ضوء أبعاده البنيوية: فكيان العدو بعد حرب 2024، وجد نفسه أمام معادلة غير مرغوبة تتمثل بعجز القوة المفرطة عن الحسم العملياتي وفرض الاستسلام، وإدراك بأن الردع التقليدي لا يضمن أمنًا مستدامًا. هذا يدفع العدو إلى تبني مفهوم استراتيجي وعملياتي بديل، والتعويض باللجوء إلى الحرب الإدراكية.

الحرب الجديدة على الوعي لا تنفصل عن حرب الإرادات التي تحدد مستقبل المنطقة. المقاومة تدرك أن المعركة ليست فقط على الوعي، بل على الموقع والدور والهوية والوجود. وأبرز تجلياتها محاولة جر لبنان للتطبيع بهدف تجريد المقاومة من معناها، ومنعاً لتكريس لبنان نموذجاً فريداً في معادلة الإرادة والقوة.

مأزق العدو يشمل إدراكه أنه كلما حاول فرض معادلة جديدة يصطدم بمعطيات الواقع. في المقابل، تعيد المقاومة رسم دورها مستفيدة من دروس المرحلة السابقة، والاستجابة لتحديات المتغيرات وفق أولويات مدروسة تجسد مصالح لبنان الوجودية والأمنية.

ما هو قائم الآن ليس نهاية الحرب، بل بداية لوعي جديد في الصراع، أساسه أن توازن القوى لا يُقاس بالمدى الناري، بل بعمق المشروعية وثبات الإرادة، وبصيرة المجتمع التي تحصنه من الوقوع في الفخ الذي يُحاك ضده، ونتائجه ستؤسس لتداعيات على مدى عقود.

أخبار سوريا الوطن١- الأخبار

مشاركة المقال: