دمشق-سانا: في مبادرة تهدف إلى تعزيز الوعي الثقافي والفكري، نظمت مؤسسة "اتجاهات نحو ثقافة مستقلة" يومًا بحثيًا بعنوان "الممارسات الثقافية والتحولات الفنية في سوريا"، وذلك في بيت فارحي بدمشق القديمة.
تأتي هذه الفعالية ضمن النسخة التاسعة من برنامج المؤسسة لتعميق ثقافة المعرفة، حيث استقبلت الباحثين والفنانين لمدة سبع ساعات لمناقشة القضايا الثقافية والأزمات التي شهدتها البلاد على مر السنوات الماضية، من خلال ثلاث جلسات ونقاشات مفتوحة تناولت تاريخ المكتبات، وأصالة فن الخزف، وتأثير السينما على الهوية.
في الجلسة الأولى، التي حملت عنوان "الممارسات الثقافية في سياق الصراع"، استعرض الباحث هاني الطلفاح عبر الإنترنت تاريخ المكتبات في سوريا على مدى أربعة آلاف عام، والدمار الذي لحق بها نتيجة الحرق والسرقة. وأشار إلى تحول المكتبات خلال الحرب من منصة للمعرفة إلى أداة للدعاية القمعية التي تمارسها السلطة، مع نقص المراجع والمصادر. دعا الطلفاح إلى إنشاء جمعية للمكتبات وتوفير مساحة آمنة لترميم الدمار بعد التحرير.
من جانبها، ركزت الفنانة التشكيلية زويا قرموقة على أهمية صون فن الخزف السوري وأصالته ومعاصرته للهوية المحلية، في ظل غياب الأرشيف والمراجع، وتدهور فن الخزف بسبب الحصار الاقتصادي والوضع الأمني غير المستقر، وضعف التغطية الإعلامية، بالإضافة إلى تغيير مكان التكية السليمانية الذي كان مركزًا هامًا لهذا الفن.
في الجلسة الثانية، التي جاءت تحت عنوان "محور المدينة والذاكرة.. وتحولات الفضاء والسرديات الثقافية"، تناولت الباحثة ميرما الورع نشأة السينما في سوريا ودورها في الحفاظ على هوية المدينة، مشيرةً إلى العلاقة التاريخية بين السينما والسلطة التي احتكرت العمل السينمائي لمصلحتها.
كما قدم الباحثان إياد أبو سمرة وشام العلبي بحثًا بعنوان "أنثروبولوجيا الضوء بين عتبة الأنثروبولوجيا وتوفر إنارة المدينة"، حيث سلطا الضوء على انعدام الإنارة وكيفية تأقلم الأفراد مع الظلام نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المستمر خلال الحرب السورية، ودراسة التغيرات الوظيفية للفراغات والمساحات المكانية في غياب الإنارة.
أما الجلسة الثالثة، التي قدمها الدكتور جمال شحيّد، فتناولت موضوع الهوية في السرد الروائي من خلال بحث للأديبة فدوى العبود، التي أشارت إلى أن الروايات السورية التي أُنتجت بين عامي 2011 و2015 حاولت استكشاف أسباب العنف وأزمة الهوية في علاقة الذات بالآخر. كما تم طرح سؤال حول الهويات الفرعية في الروايات الأخرى التي أُنتجت بين عامي 2016 و2019، والتي عكست فشل الانتماء والتحقق، مسترشدةً برواية "بحثاً عن كرة الصوف" للكاتبة روزا ياسين حسن.
وفي الجزء الثاني من الجلسة، تناولت الصحفية ميار مهنا قضية "الرؤى السياسية والنسوية في سينما المرأة السورية بعد الحراك"، وتحدثت عن بدايات السينما السورية ودور المرأة فيها، مشيرةً إلى أن السينما السورية لم تعرف سوى ست مخرجات أفلام روائية طويلة.
من جانبه، أكد مدير مؤسسة اتجاهات عبد الله الكفري أن الأبحاث التي قُدمت تُشكل جزءاً من مسار طويل للبناء عليه مستقبلاً، مشيراً إلى أن البحث السريع كان إحدى العقبات التي واجهت المجال الثقافي خلال السنوات الماضية.