السبت, 9 أغسطس 2025 10:25 PM

GPT-5 من OpenAI: نقلة نوعية في عالم الذكاء الاصطناعي بقدرات غير مسبوقة

GPT-5 من OpenAI: نقلة نوعية في عالم الذكاء الاصطناعي بقدرات غير مسبوقة

أطلقت شركة «أوبن إيه آي» في السابع من آب (أغسطس) نموذج GPT-5، وهو أحدث إصدار من نظام ChatGPT، مما يمثل علامة فارقة في مسيرة تطور الذكاء الاصطناعي. وقد صرح الرئيس التنفيذي للشركة، سام ألتمان، بأن النموذج الجديد يتمتع بمستوى أداء يضاهي فريقاً من الخبراء في مختلف المجالات، مؤكداً أن المستخدمين الذين سيجربونه لن يرغبوا بالعودة إلى الإصدارات السابقة.

قامت الشركة بدمج قدرات GPT-5 في نسخة واحدة داخل ChatGPT، مع تزويده بمحرك داخلي يختار تلقائياً مستوى الأداء الأمثل. ففي حالة الطلبات البسيطة، يستجيب النموذج على الفور، بينما في المهام المعقدة، يقوم بتفعيل وضع التفكير العميق وتنفيذ الخطوات بشكل متتابع للوصول إلى النتيجة المطلوبة.

شهد GPT-5 تحسناً ملحوظاً في مستوى الدقة، مع انخفاض نسبة الأخطاء بنسبة 45% مقارنة بالإصدارات السابقة، بالإضافة إلى زيادة اعتماده على المراجع الموثوقة. كما يتميز النموذج بالاعتراف بعدم المعرفة في حال غياب المعلومات، ورفض الطلبات الخطرة أو التي تتضمن بيانات حساسة.

يتمتع GPT-5 بقدرة فائقة على فهم النصوص الطويلة التي تصل إلى 256 ألف رمز، حيث يمكنه قراءة كتاب كامل أو أرشيف محادثات مطول، ثم تقديم ملخص واضح وموجز. هذه الميزة تمكنه من إدارة المشاريع التي تمتد لأسابيع دون فقدان أي تفصيل.

على سبيل المثال، يمكن للصحفي تحميل أرشيف مقالات حول ملف فساد، والحصول على تحليل يربط بين الوقائع والأسماء والتواريخ. ويمكن للطبيب استخدامه لمراجعة ملفات مرضى معقدة، واستخلاص خطة علاجية. كما يمكن للمهندس المعماري الاستعانة به لتحليل مشروع بناء، واقتراح تعديلات تتوافق مع القوانين.

طرحت الشركة ثلاثة إصدارات من النموذج: Standard، وMini، وNano. صُممت Mini وNano للمهام السريعة والكلفة المنخفضة، بينما يوفر Standard أعلى دقة وقدرة تحليلية. تبدأ أسعار واجهة البرمجة للمطورين من 0.05 دولار لكل مليون رمز في Nano، وتصل إلى 10 دولارات في Standard.

يحصل المستخدمون المجانيون على النموذج مع حدود يومية، بينما يتيح اشتراك Plus بسعر 20 دولاراً شهرياً وصولاً أوسع وأداء أسرع وأولوية للميزات الجديدة، ويمنح اشتراك Pro بسعر 200 دولار شهرياً استخداماً غير محدود للنسخة الأكثر تقدماً.

يدشّن GPT-5 مرحلة جديدة لوكلاء الذكاء الاصطناعي، حيث يفكر بالأدوات ويبني بها، ولا يكتفي باستدعائها. ففي الإصدارات السابقة، كان النموذج يستدعي أداة البحث مرة واحدة، ثم يقدم الإجابة. أما الآن، فيتعامل مع الأداة بوصفها جزءاً من مسار تفكير أكبر: يبحث، ويجمع، ويقارن، ويعيد الصياغة ضمن سلسلة مرتبة من الخطوات.

تزداد قوة GPT-5 عند تزويده بأدوات مفتوحة ومرنة: بحث على الويب، تحليل بيانات داخلية، مفسر سطور برمجة، أو إجراءات تنفذ أوامر حقيقية مثل تعديل ملف أو إطلاق واجهة مستخدم. يختار النموذج الأدوات المناسبة، ويشغلها بالتوازي إذا لزم الأمر، مما يقلل زمن الإنجاز، ويفتح المجال أمام تطبيقات لم تكن ممكنة سابقاً.

أضافت «أوبن إيه آي» إمكانيات جديدة داخل ChatGPT، حيث أصبح في إمكان GPT-5 إدارة بريد غوغل والمواعيد في رزنامة غوغل، وإرسال رسائل بريدية، أو تحديد مواعيد مباشرة من داخل المحادثة.

كما أضافت الشركة ميزة «الأنماط الشخصية» التي تغير أسلوب الرد، حيث يمكن اختيار شخصية المستمع، أو الناقد، أو المحلل. هذه القدرات تحول ChatGPT إلى مركز عمل حقيقي. ففي مكتب محاماة، يمكن للنموذج مراجعة عقد من عشرين صفحة، واستخراج البنود التي تحتاج إلى تعديل. وفي شركة تسويق، يمكنه وضع حملة دعائية كاملة، مع خطة نشر وجدول زمني وتقدير للتكلفة.

تشمل الأمثلة التطبيقية الأخرى استخراج الطالب الجامعي ملخصات دقيقة لمحاضراته، ووضع صاحب المخبز خطة تسويق وعروض مواسم وحسابات ربح، وتحليل المزارع للطقس والأسعار وتحديد وقت البيع الأمثل.

كما يمكن للصحفي فرز الوثائق وصنع خط زمني للأحداث، وللتاجر التخطيط لاستراتيجيات مبيعات موسمية، وللمدرس تصميم خطط وأنشطة تعليمية ملائمة لكل مستوى. ويستطيع صاحب النشاط الإعلامي أو المؤثر الاستغناء عن شركات إدارة المحتوى على السوشال ميديا، إذ يضع GPT-5 الجدول الزمني للنشر، ويقترح الوسوم، ويتابع التفاعل لتحسين الأداء في الوقت الفعلي.

يعتبر GPT-5 اليوم أفضل نموذج في العالم للبرمجة، حيث يكتب تطبيقات كاملة من وصف نصي واحد، ويحل مشكلات تقنية معقدة في كود ضخم، ويحدد مكان الخطأ ويصححه، ويقترح تحسينات على الأداء، ويضيف ميزات جديدة، ويحدث البرامج القديمة لتعمل مع إصدارات أحدث.

في اختبارات مبكرة، حل GPT-5 مشكلات معقدة بين مكتبات برمجية خلال محاولة إضافة أدوات جديدة لمشروع كبير، بينما فشلت نماذج منافسة في ذلك. نفذ خطوات دقيقة: فحص الملفات، تشغيل أوامر تحليل، تدوين الملاحظات، ثم تعديل الأسطر المطلوبة في أكثر من مجلد.

يبني النموذج مواقع وتطبيقات جاهزة للإطلاق، مع تفاصيل مكتملة مثل قواعد البيانات وأسماء المشاريع، بدلاً من الاكتفاء بهياكل فارغة. يبرمج ألعاباً وأدوات رسومية بإضافات مفيدة، مثل حفظ مواقع الأيقونات أو تخزين الملفات محلياً.

حتى المستخدم العادي يمكنه الاستفادة: يكتب ما يريده بالكلمات، فينشئ GPT-5 الكود، يصلحه إذا تعطل، ويشرح طريقة تطويره خطوة خطوة. بذلك يمكن للأفراد والشركات الصغيرة إنتاج مواقع وتطبيقات بسرعة، وبكلفة منخفضة.

تقدّر الدراسات أن GPT-5 يقلل وقت إنجاز المهام المكتبية بنسبة تصل إلى 40 في المئة. في خدمة الزبائن، يرد فورياً عبر الصوت أو النص. في الإعلام، يكتب مسودات جاهزة للتحرير. في التعليم، يضع خططاً دراسية، ويبتكر طرق شرح، ويعد اختبارات تلقائية.

يدعم GPT-5 أكثر من 50 لغة، ويتقن العربية بأسلوب مضبوط. ينتقل بين اللهجات واللغات في المحادثة الواحدة. في بيئة متعددة اللغات مثل لبنان، يدير المشروع نفسه بالعربية والفرنسية والإنكليزية بسلاسة.

يرى ألتمان أن GPT-5 يمهّد الطريق نحو الذكاء الاصطناعي العام AGI، أي النظام القادر على تنفيذ أي مهمة معرفية ينجزها الإنسان، من التحليل المعقد إلى الإبداع الفني. هذا يضع «أوبن إيه آي» في سباق مع عمالقة مثل غوغل وأنثروبك.

تتوقع «فايننشال تايمز» أن تصل إيرادات أوبن إيه آي إلى 20 مليار دولار قبل نهاية العام، بفضل استخدام GPT-5 في التعليم، والصحة، والإعلام، والتقنية. يتوقع محللون أن تدخل هذه النماذج في البنى التحتية الاقتصادية، من إدارة المدن الذكية إلى التخطيط الوطني.

يتوقع خبراء أن يعيد هذا المسار تشكيل العلاقة بين الإنسان والآلة جذرياً، فتتحول الأنظمة الذكية من أدوات ننفذ بها ما نريد، إلى شركاء يراقبون الواقع معنا، يحللون، يقترحون، ويشاركون في رسم المسار قبل أن نخطو الخطوة الأولى. تدخل في قراراتنا اليومية من أصغرها، مثل اختيار خطة تسويق أو جدول دراسة، إلى أكبرها، مثل التخطيط لمشاريع وطنية أو إدارة أزمات اقتصادية وصحية.

ومع ازدياد قدرتها على فهم السياق والتعلم من التجارب، تصبح جزءاً من بنيتنا المعرفية، ونقطة التقاء بين خبرتنا البشرية وسرعة الحوسبة الفائقة. اليوم بداية حكاية جديدة، والغد يحمل وعوداً أكبر مما نتخيل.

مشاركة المقال: