يعاني سكان محافظة درعا جنوب سوريا من أزمة مياه متفاقمة، حيث يواجهون جفافاً تاريخياً وتدهوراً في البنية التحتية، بالإضافة إلى الحفر العشوائي للآبار. وتتفاقم الأزمة في ظل صعوبة استجابة السلطات لمواجهة هذه التحديات.
في مدينة إنخل شمال درعا، يضطر أبو سعيد لدفع مبالغ باهظة للحصول على المياه، حيث أنفق نصف راتبه الشهري لشراء صهاريج المياه لعائلته المكونة من ثمانية أفراد، وذلك بعد انقطاع المياه العامة لأكثر من شهر. ويشير أبو سعيد إلى أن المياه كانت تصل عبر الشبكة مرة واحدة في الشهر لبضع ساعات فقط.
ويصطف العشرات من صهاريج المياه بالقرب من منزل أبو سعيد، منتظرين دورهم لتعبئة المياه من بئر مملوك للقطاع الخاص. وينتظر الزبائن لساعات بسبب قلة إنتاجية الآبار وندرة المياه. وأصبح مشهد الشاحنات التي تعيد ملء خزانات المياه المنزلية مألوفاً في معظم مدن وبلدات درعا.
وقد انخفض تدفق المياه من الينابيع والآبار التي تعتمد عليها المؤسسة العامة لمياه الشرب لتزويد المحافظة الجنوبية بالمياه، حتى أن بعضها جف تماماً. وانخفض التدفق من الينابيع التي تغذي محطة ضخ المياه في الأشعري، والتي تخدم معظم المدن والبلدات في غرب وشمال درعا، بالإضافة إلى عاصمة المحافظة، بأكثر من النصف في الأشهر الأخيرة وحدها.
وتشير الحكومة السورية إلى وجود توصيلات غير قانونية بشبكة المياه العامة، والتي تقول إنها تستنزف أكثر من نصف المياه التي يتم ضخها عبرها. وقد كثفت محافظة درعا جهودها في الأسابيع الأخيرة لإزالة التعديات في محاولة لتحسين الوصول إلى المياه العامة.
وفي أواخر أغسطس، أطلق سكان درعا حملة لجمع التبرعات تحت عنوان "أبشري حوران" لتمويل تحسين الخدمات في درعا بالتعاون مع مؤسسات الدولة، بما في ذلك صيانة وتشغيل قطاع مياه الشرب.
وفي بصرى الشام شرق درعا، تصل المياه العامة إلى بعض الأحياء مرة واحدة في الشهر. ولكن بالنسبة لمعظم سكان المدينة، فإنها تصل كل شهرين، ولا يمكن جمع أكثر من خمسة أمتار مكعبة من المياه. وفي مدينة نوى غرب درعا، لم تصل المياه العامة إلى بعض الأحياء منذ تسعة أشهر، بينما تتلقاها أحياء أخرى مرة واحدة كل شهر أو شهرين. وتعتمد معظم المدينة على المياه المنقولة بالشاحنات، حيث يكلف كل خزان ما بين 100 ألف و 120 ألف ليرة سورية.
ومنذ بداية عام 2023، حاول السكان أخذ الأمور بأيديهم، حيث تم إطلاق أكثر من 20 مبادرة تهدف إلى جمع الأموال لإصلاح وتشغيل مشاريع الخدمات، وخاصة حفر الآبار وتركيب وحدات الطاقة الشمسية لتشغيلها. ولكن هذه الجهود لم تنجح في حل المشكلة بشكل كامل.
وفي إنخل، جمع السكان ما يقرب من 3 مليارات ليرة سورية لحفر وتشغيل الآبار في المدينة. وعلى الرغم من أن التبرعات تجاوزت الهدف، إلا أن المبادرة لم تحل سوى 40 بالمئة من مشكلة مياه الشرب في إنخل.
وبالإضافة إلى ذلك، يشكل توفر الكهرباء اللازمة لتشغيل أنظمة الضخ تحدياً. ويرى رئيس بلدية إنخل أن خدمة المياه في إنخل يمكن أن تتحسن إذا نجحت المحافظة في منع التعديات على الشبكة والوصول إلى المعايير العالمية.
وتواجه سوريا جفافاً تاريخياً، حيث أن معدل هطول الأمطار أقل مما كان عليه منذ ما يقرب من 30 عاماً، مما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بالمحاصيل البعلية وأضرار جزئية بالمحاصيل المروية، في حين أنه يزيد من حدة أزمة المياه على مستوى البلاد. وقد شهدت درعا 151 مليمتر فقط من الأمطار هذا العام، بانخفاض عن 293.5 مليمتر في عام 2024.
ويقدر عدد الآبار غير المرخصة في درعا وحدها بحوالي 50 ألف بئر، وقد أدت هذه الآبار إلى انخفاض في مستويات المياه الجوفية وجفاف معظم الينابيع في منطقة المزيريب غرب درعا، والتي كانت تتمتع بتصريف مياه يبلغ حوالي خمسة أمتار مكعبة في الثانية.
ومع انخفاض كمية المياه الجوفية المتاحة، ستتغير جودة المياه بلا شك. والاستثناءات هي الآبار العميقة التي تصل إلى طبقة المياه الجوفية التي تعود إلى العصر الطباشيري تحت الأرض، حيث تكون الجودة ممتازة، ولكن على أعماق تتراوح بين 800 و 1000 متر.
وبالإضافة إلى ما سبق، لا يمكن التغاضي عن آثار تغير المناخ. ويؤدي انخفاض هطول الأمطار وتغير أنماط هطول الأمطار والتحولات في المواسم الممطرة والانخفاض الكبير في جريان المياه السطحية، وسط ارتفاع درجات الحرارة، إلى زيادة التبخر وانخفاض رطوبة التربة، مما يتسبب في ضغوط كبيرة على الغطاء النباتي.
ويقول المهندس ورئيس المؤسسة العامة لمياه الشرب في درعا إن الشبكات التي تنقل المياه من الأرض قديمة وتحتاج إلى استبدال، كما أنها مسامية، مع وجود توصيلات غير قانونية تحول بعض المياه من الأنابيب قبل أن تصل إلى سكان المدن والبلدات. ويضيف أن التعديات على الشبكة للاستخدام الزراعي تستنزف حوالي 90 بالمئة من مياه الشبكة، في حين أن استهلاك السكان لا يتجاوز 10 بالمئة.
ويشدد الخبراء على ضرورة أن يبتعد السكان عن المفاهيم الشعبية التي تربط حوران بإنتاج الطماطم والبطاطا، وهي محاصيل تحتاج إلى المزيد من المياه، إلى محاصيل محددة ذات إنتاجية وقيمة وعائدات عالية، من أجل الحفاظ على ما تبقى من المياه.
وانخفضت كمية المياه المنتجة في محطة ضخ المياه في الأشعري من 500 متر مكعب في الساعة إلى 200 متر مكعب في الساعة في الشهرين الماضيين وحدهما. وتظهر البيانات انخفاضاً مستمراً في التدفق في الأشعري منذ إطلاقها في عام 1999 حتى سبتمبر 2025. وتظهر الأرقام انخفاضاً بأكثر من 80 بالمئة على مدى 26 عاماً من التشغيل.
ويقول أحد مهندسي المياه العاملين في المحطة إن كمية المياه المنتجة حالياً في الأشعري ليست كافية لتشغيل محرك واحد لضخها كما هي. وبدلاً من ذلك، يتم تجميع المياه في خزان التخزين لمدة أربع ساعات ونصف، ثم يتم تشغيل المحرك لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات لضخها. وكلما زاد سحب المياه الجوفية من خلال الآبار غير المنظمة، انخفضت مستويات المياه في الأشعري.
ويرى مساعد مهندس في مديرية مياه درعا أن محافظة درعا بحاجة إلى آبار جوفية على أعماق تزيد عن 600 متر للوصول إلى المياه الجوفية، وخاصة في الريف الغربي. ويضيف أن الوصول إلى المياه الجوفية هو الحل الأقل تكلفة مقارنة بتلك المتعلقة بتحلية المياه وسحب المياه من مسافات بعيدة وغيرها.
ويقول رئيس إحدى وحدات المياه في غرب درعا إن معظم آبار مؤسسة مياه الشرب في درعا ليست على طبقة المياه الجوفية الرئيسية، حيث تقع معظم الآبار غير المنظمة، والتي تتراوح أعماقها بين 100 و 250 متراً وهي معرضة بشدة للجفاف. ويعزو مشكلة المياه في درعا إلى نقص المعدات اللوجستية ومصادر الطاقة اللازمة لعمل الآبار في المحافظة.
ويوافق المسالمة على ذلك، قائلاً إن مصادر المياه الحالية للمؤسسة لا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية بسبب المعدات القديمة التي تحتاج إلى استبدال. وفي الوقت نفسه، هذا لا ينفي تأثير الحفر العشوائي وتغير المناخ، الذي أدى إلى انخفاض في وفرة الينابيع وجفاف عدد من الآبار التابعة للمؤسسة.
ويضيف المسالمة أن المؤسسة العامة لمياه الشرب لديها 514 بئراً في درعا، 120 منها بحاجة إلى إعادة تأهيل. ويؤكد أن الهيئة تعمل بكل طاقتها وموظفيها لمعالجة أي انقطاع طارئ والاستجابة بسرعة، وتستجيب لانقطاعات المياه العاجلة بإرسال صهاريج المياه الخاصة بها.
ويختتم بالإشارة إلى أن العمل جار لإعادة تأهيل أنظمة مياه الشرب واستبدال شبكات المياه وتشغيل الآبار بالطاقة الشمسية، بالتعاون مع المنظمات الدولية التي تدعم قطاع المياه في المحافظة. ومع التمويل من حملة تبرعات أبشري حوران، تخطط مؤسسة المياه أيضاً لحفر آبار جديدة.