الجمعة, 4 يوليو 2025 10:03 AM

أزمة مياه حادة تضرب دمشق: نهر بردى شاهد على معاناة السكان

أزمة مياه حادة تضرب دمشق: نهر بردى شاهد على معاناة السكان

تواجه دمشق وريفها ومحافظات سورية أخرى أزمة مياه حادة، تفاقمت بسبب تدهور البنية التحتية ونقص الأمطار وزيادة الطلب. يضطر السكان لقضاء ساعات في الانتظار أو شراء المياه بأسعار باهظة وجودة غير مضمونة.

في ظل حرارة الصيف الشديدة، يعيش السوريون في دمشق وريفها واقعاً يجمع بين الجفاف والانقطاع، والترقب والانتظار، والأمل والخيبة. على الرغم من أن سوريا غنية نسبياً بالموارد المائية، إلا أن الواقع يعكس عجزاً حاداً في توفير هذه المادة الحيوية، نتيجة سنوات الحرب وتدهور البنية التحتية وغياب الإدارة المائية المستدامة.

في هذا الوضع، يتحول الحصول على لتر ماء إلى معركة يومية يخوضها المواطنون دون حلول حقيقية تلوح في الأفق. يقول سامر، من حي المهاجرين، لـ"يورونيوز": "أقضي الليل بجانب خزاني، ولا تصل المياه إلا في الساعات الأولى من الفجر، وبعد عناء كبير. ما أجمعه لا يكفي إلا ليوم واحد". ويضيف: "لم تكن الأمور هكذا من قبل، حتى لو انقطعت المياه لفترة، كانت العودة سريعة. أما الآن، فكل شيء توقف، لا كهرباء، لا شبكة، لا صيانة، فقط نحن ندفع الثمن".

في حي المزة، يروي فارس كيف تحول الحصول على الماء إلى مهمة معقدة تتطلب استعدادات مسبقة. "أحياناً تأتي المياه فجراً، وأحياناً لا تأتي إلا في آخر الليل، لكن المشكلة الحقيقية هي أن الكهرباء لا تعمل، فحتى لو جاء الماء، لا يمكننا ضخه إلى الخزان العلوي، فنشتري البنزين للمولد الخاص، ومع أسعاره المرتفعة، ندفع مرة أخرى". ويتابع بمرارة: "أصبح الأمر وكأننا نشتري الماء مرتين، مرة بالوقود، ومرة بالمال. وحتى إذا استطعنا ملء الخزان عبر شراء الصهاريج، فإننا لا نضمن أن يكون هذا الماء صالحاً للشرب، لأن بعض الصهاريج تأتي من مصادر غير معروفة". ويضيف أن أسعارها ارتفعت أيضاً فقد وصل سعر خزان المياه 1000 ليتر إلى 300 ألف ليرة سورية ما يعادل 30 دولاراً، ما يزيد الأعباء المعيشية أكثر على المواطنين.

يُعتبر نبع عين الفيجة المصدر الأساسي لإمدادات المياه في العاصمة دمشق وأجزاء من الغوطة الشرقية، إذ كان يوفر 700 ألف متر مكعب يومياً، إضافة إلى 120 ألف متر مكعب تُستخرج من 200 بئر منتشرة في المدينة ومحيطها. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن هذه المصادر كانت تغطي، في المواسم الماطرة، نحو 90% من احتياجات العاصمة.

لكن خلال السنوات الماضية، تعرض النظام المائي لكثير من الاضطرابات، خاصة أثناء سيطرة مسلحي المعارضة على منطقة نبع الفيجة عام 2017، مما أدى إلى توقف الإمدادات لفترات طويلة، قبل أن يتم استعادة النبع ضمن اتفاق تسوية آنذاك بين النظام السابق والمسلحين. ومع استمرار تدهور الوضع الأمني، وتكرار الاشتباكات في محيط المناطق المائية، زادت حدة الانقطاعات، بينما تفاقم الوضع بسبب الشبكات المهترئة، وعدم القيام بأعمال صيانة منتظمة.

تشير البيانات إلى أن نحو 40% من مياه الشرب تضيع بسبب تسربها من شبكات تهالكت خلال سنوات الحرب، وسط غياب عمليات الصيانة الدورية. أما مناطق ريف دمشق، فتعتمد ثانوياً على مياه نبع عين الفيجة بعد تغطية احتياجات العاصمة، إذ يجري تزويد بعض أحياء الريف بحوالي 77 ألف متر مكعب يومياً، بينما يبقى الاعتماد الأكبر على مياه الآبار.

تشير البيانات إلى وجود 84 بئراً في الغوطة الشرقية، وأكثر من 55 بئراً في مناطق جنوب وغرب العاصمة، إلا أن التوزيع غير المتوازن أدى إلى شح شديد في المياه في العديد من البلدات مثل جديدة عرطوز، والمعضمية، وداريا، وصحنايا، وأشرفية صحنايا، إذ يجري تزويدها بالمياه ليوم واحد في الأسبوع فحسب، ويتراجع الإمداد خلال الصيف ليصل إلى يوم واحد كل أسبوعَين.

تعاني جميع المحافظات السورية، إلى جانب دمشق، من أزمة انقطاع متكرر للمياه وبرامج تقنين صارمة، حيث يضطر السكان للانتظار أياما طويلة لتلقي حصص محدودة، أو اللجوء لشراء المياه من الصهاريج الخاصة بأسعار مرتفعة، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع جودة الخدمات الأساسية.

تملك سوريا مصادر مائية متنوعة تشمل الأنهار الدولية والمحلية مثل نهر الفرات ونهر العاصي ونهر الكبير الشمالي والجنوبي، والمياه الجوفية المنتشرة في معظم الأحواض الداخلية، والينابيع الطبيعية مثل نبع بردى والفيجة ونبع السن، بالإضافة إلى مياه الأمطار المستخدمة في الزراعة البعلية. ورغم هذه الوفرة النسبية، تعاني البلاد من عجز مائي سنوي يُقدّر بـ 1 إلى 3 مليار متر مكعب، ويُتوقع أن يتزايد هذا العجز مستقبلاً بسبب عدة عوامل، وفق احصائيات رسمية سورية.

الجفاف وتغير المناخ، الذي يتجلى بانخفاض معدلات الهطل المطري بنسبة تصل إلى 25% في بعض المناطق منذ 1995، بالإضافة إلى زيادة موجات الجفاف، خاصة في شمال شرق البلاد، التي تُعدّ سلة غذاء سوريا، يشكل أحد أبرز التحديات. إلى جانب ذلك، يساهم التلوث وتدهور جودة المياه، مثل تلوّث نهر العاصي وبعض ينابيع الشرب بالصرف الصحي والصناعي، وكذلك غياب الرقابة البيئية وتوقف مشاريع معالجة المياه في بعض المناطق، في تفاقم الأزمة.

الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية بسبب حفر آلاف الآبار العشوائية، خاصة في سهل الغاب وغوطة دمشق، أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية بوتيرة مقلقة في السنوات الأخيرة. ويزيد من التعقيدات، نقص البنية التحتية المائية، خاصة تهالك شبكات الري والمياه التي يعود بعضها إلى عدة عقود، وكذلك فقدان نحو 40% من مياه الشرب بسبب التسرب في الشبكات.

إضافة للنمو السكاني والتوسع العمراني، فتزايد عدد السكان وتوسع المدن زاد الطلب على المياه، وتضاعف استهلاك المياه المنزلية في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، مما زاد الضغط على المصادر المتوفرة.

في ظل تصاعد الأزمة، دقت السلطات السورية ناقوس الخطر، ودعت المواطنين إلى ترشيد استهلاك مياه الشرب، مؤكدة أن سبب النقص يعود إلى انخفاض الهطولات المطرية والثلجية خلال فصل الشتاء الماضي، والذي انعكس بشكل مباشر على تغذية ينابيع الشرب الرئيسية في دمشق.

أحمد درويش، مدير مؤسسة المياه في دمشق وريفها، أكد أن المؤسسة العامة لمياه الشرب فرضت مؤخراً حالة إنذار مبكر للأهالي بهدف ترشيد الاستهلاك. وأشار في مقابلة مع وكالة أنباء “شينخوا” إلى أن “ضعف الهطولات المطرية الواردة على الحوض الرئيسي المغذي لنبع الفيجة لمدينة دمشق وريفها كانت بحدودها الدنيا”، لافتاً إلى أنه “منذ عام 1958 لم تشهد البلاد نقصاً في الهطولات المطرية بهذا الحد، وهذا ينذر بأن كمية المياه الواردة إلى دمشق ستكون في حدها الأدنى”.

وأكد درويش أن مدينة دمشق وريفها تحتاج إلى 450 ألف متر مكعب يومياً من المياه، مشيراً إلى أن هذه الكمية كان يتم الحصول عليها من عدة مصادر رئيسية، منها نبع الفيجة وآبار نبع بردى وحاروش وجديدة يابوس. وأضاف أن “المؤسسة مضطرة حالياً إلى وضع خطط للتوزيع وفق أدوار، مع توقع نقص يقدر بنحو 100 ألف متر مكعب خلال فصل الصيف”. (EURONEWS)

مشاركة المقال: