السبت, 28 يونيو 2025 12:41 AM

أصوات مكلومة: جلسة حوارية في دمشق تستعرض معاناة أهالي المفقودين في سوريا

دمشق-سانا: ضمن فعاليات "ثلاثة أيام من الفن والذاكرة 'لمن لم يُذكر ولن يُنسى'"، استضاف المتحف الوطني في دمشق جلسة حوارية سلطت الضوء على أثر الغياب وأهمية الذاكرة والعدالة، وشملت رسائل مؤثرة من أهالي المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسراً من السوريين الذين طالهم اعتقال وقتل على يد النظام البائد.

الجلسة التي أقيمت مساء أمس وأدارها الطبيب النفسي المعتقل سابقاً جلال نوفل، وفرت منصة لسرد أوجاع ذوي الضحايا، وتفاصيل اعتقال وفقدان أو استشهاد أبنائهم، بالإضافة إلى مطالبهم الملحة بتحقيق العدالة لكل من تورط في جرائم النظام البائد، وذلك في إطار جهود منظمة لإيصال أصواتهم إلى العالم أجمع.

-الهيئة العامة للمفقودين تواصل عملها الحثيث

أكد ممثل الهيئة الوطنية للمفقودين عمار العيسى أن المشاركة في هذه الفعالية تمثل مسؤولية أخلاقية واعتباراً إنسانياً قبل أي صفة رسمية، مشيراً إلى أن معرفة مصير جميع المفقودين هو حق لا يسقط بالتقادم، ويمثل أساساً لاستقرار البلاد.

وأوضح العيسى أن قضية المغيبين قسراً والمفقودين في سوريا تعتبر ملفاً صعباً ومعقداً، وإرثاً لـ 14 عاماً من نظام إجرامي تعامل مع القتل كآلة بيروقراطية معتادة. وكشف عن البدء في تشكيل الهيكليات والمديريات في الهيئة العامة للمفقودين للاستماع إلى جميع الأصوات والأوجاع، والتواصل مع جميع الجهات بشكل مكثف، مع وضع خطة للدعم النفسي لأبناء هذه الشريحة، وإصدار بطاقة شرف خاصة بهم.

-ذوو الضحايا: محاسبة المجرمين وتعويض الضحايا وعائلاتهم

خلال الجلسة، تحدث آباء وأبناء وزوجات وأشقاء الضحايا بألم عن ظروف اعتقال ذويهم بسبب خروجهم ضد النظام البائد، وكيفية اللقاء بهم خلف القضبان، وصولاً إلى تلقي نبأ استشهادهم، والظروف الصعبة التي واجهوها بعد رحيلهم، واحتياجاتهم في المرحلة الحالية.

وطالبت والدة الشهيد علي صالح المشعل، التي عرفت مصير ابنها عبر صور قيصر، بتشييد نصب تذكارية لأسماء المفقودين ليكونوا حاضرين دائماً. بينما أشارت والدة الشهيد عبدو سيد إلى استشهاد وحيدها وأزواج بناتها الذين تركوا 15 طفلاً يتيماً وأربع أرامل يعيشون في المنزل نفسه، مما يستدعي تقديم الدعم العاجل لهم.

كما تحدثت لينا شموط والدة الشهيد محمد ثائر شموط من حي الميدان عن كيفية اعتقال قوات النظام الأسد المجرم لها ولزوجها وأولادها الأربعة، ثم استشهاد ابنها تحت التعذيب، وعدم تسليم جثمانه لهم، حيث تعرفت عليه بعد فترة من صور قيصر، مطالبةً بإكمال ملف العدالة ومحاسبة من كتب التقرير الكيدي ضدهم.

وأكدت والدة الشهيد الصحفي الفلسطيني مهند عمر على ضرورة محاسبة المخبرين والقضاة الذين تسببوا في اعتقال وفقدان واستشهاد أبنائهم، موضحةً أن ابنها لم يحمل سلاحاً، وأن زميلاً له وشى به ليبقى مصيره مجهولاً طوال 14 عاماً، إلى أن علمت مؤخراً أنه أُعدم في معتقل صيدنايا، معتبرةً أن المصير المجهول أقسى من الاستشهاد بحد ذاته.

وطالبت والدة الشهداء الأطفال محمد أنس ومصطفى ومحمد معاذ سويد من منطقة القدم عسالي بالقبض على من كتب التقرير بأطفالها الذين اعتقلوا وهم دون سن الـ 18 عاماً.

-آلام مكتومة منذ 14 عاماً

ومن داريا، تحدثت والدة الشهداء أنس وحازم وغياث مطر باسم جميع النساء اللواتي حضرن الجلسة، قائلةً: "إن أولادنا خرجوا من أجل الكرامة، واستشهدوا في سبيلها، واليوم بعد أن دمرت معظم بيوت داريا، نطالب باسترداد حقوقنا، وبدعم الأرامل وأولاد وأحفاد الشهداء، ومقاضاة من استولى على منازل أبنائنا، ووضع قانون لتسوية أوضاع الشهداء تحت التعذيب بشكل يحفظ كرامتهم، بعد أن صنفهم النظام البائد بأنهم توفوا جراء جلطات قلبية وما شابهها".

وأوضحت عطور شربجي من داريا زوجة شهيد ووالدة ثلاثة أطفال أن النظام اعتقل زوجها على الهوية فقط، وبعد بحث طويل زارته بعد عام تقريباً في صيدنايا، ولم تتمكن من التعرف عليه جراء التعذيب الشديد، وبعد استشهاده كانت تعامل باضطهاد في مؤسسات النظام البائد، واضطرت للعمل بظروف صعبة للغاية لتربية أطفالها، مطالبة بالعدالة الانتقالية وتعويض ذوي الضحايا.

الحصار الوحشي لمخيم اليرموك كان حاضراً أيضاً في الجلسة عبر نور رافع الحسين أخت أربعة شهداء، حيث روت قصة تهجيرهم من المخيم، واعتقال أجهزة أمن النظام البائد ثلاثة من أخوتها، بينهم مريض شلل نصفي، إثر تقرير كيدي، ثم قتل الأخ الرابع على حاجز اليرموك، مؤكدةً ضرورة إعادة إعمار منازل المخيم وبناه التحتية وتعويض المتضررين.

– الهدف إفساح المجال للصراخ عالياً

من جانبه، قال الطبيب المحاور جلال نوفل إن سقوط النظام البائد وانتصار الثورة أدى إلى سريان شعور كبير من الدعم النفسي الداخلي والأمان لذوي الضحايا والمعتقلين سابقاً، كما أن البوح بمثل هذه الجلسات واستعادة الحقوق يسهمان بشكل كبير في علاج حياتهم النفسية، لافتاً إلى ضرورة وضع آليات عدة لكشف مصير أبنائنا.

وقالت الناشطة وفا مصطفى إن الهدف الأساسي من تنظيم هذه المساحة لذوي الضحايا هو إفساح المجال ليحكوا قصصهم المكلومة، التي استطاعت هي التعبير عنها طيلة تلك السنوات خارج سوريا بكل حرية بوصفها ابنة معتقل.

كما أكدت مهندسة الديكور رانيا النجدي أن هذه الفعالية إحياء لذكرى ضحايا كان محظوراً الحديث عنهم على مدى 14 عاماً من الظلم، وإيصال صوتهم لكل العالم، وسنبقى نواصل العمل حتى تعرف كل أم مصير ابنها، وتتعرف على جثمانه.

-هيئة وطنية للعدالة الانتقالية

أصدر السيد الرئيس أحمد الشرع في الـ 17 من أيار الماضي مرسومين، الأول يقضي بتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين، والثاني بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، وتكلف الهيئة الأولى بالبحث والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسراً وتوثيق الحالات وإنشاء قاعدة بيانات وطنية وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلاتهم، بينما تعنى الهيئة الثانية بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب بها النظام البائد ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية وجبر الضرر الواقع على الضحايا وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية.

تابعوا أخبار سانا على ا و

مشاركة المقال: