في الوقت الذي تشدد فيه وزارة الداخلية على مكافحة الجريمة بكافة أشكالها والتزامها بتطبيق القانون بعدالة على الجميع، تكشف بياناتها الرسمية عن تناقض ملحوظ في طريقة تعاملها الإعلامي مع مرتكبي الجرائم.
ففي قضيتين منفصلتين، صدرت بشأنهما بيانات رسمية يوم أمس الثلاثاء، يتبين أن الجريمة نفسها لا تُعامل بالمعايير ذاتها، سواء من حيث الكشف عن هوية المجرم أو طريقة عرض القضية على الرأي العام.
سناك سوري-دمشق
في الخبر الأول، أعلنت الوزارة عن إلقاء القبض على المسؤول الرئيسي عن شبكة تهريب مواد مخدرة، وذلك بالتعاون بين إدارة مكافحة المخدرات ومديرية الأمن الداخلي في مدينة الضمير بريف دمشق. اكتفت وزارة الداخلية بالإشارة إلى اسم المتهم بالرمز "ر . س"، وعرضت صورته مع إخفاء ملامح وجهه، وهو الإجراء الأمثل لتجنب وصمة العار التي قد تلحق بعائلة المجرم التي لا علاقة لها بأفعاله.
رغم خطورة الجريمتين، إلا أن طريقة عرض المتهمين إعلامياً أظهرت تبايناً في المعايير، بين من حُجبت هويته وصورته، وآخرين نُشرت أسماؤهم الكاملة وصورهم دون تمويه.
في الخبر الثاني الذي نشرته الوزارة أمس، تخلت عن كل تلك المعايير، وعرضت صور أربعة أشخاص دون أي تمويه، مدعية أنهم المجرمون الذين حاولوا اختطاف صائغ في مدينة اللاذقية. ولم تكتفِ بذلك، بل ذكرت اسم من وصفته برئيس العصابة علانية، بالإضافة إلى اسم القرية التي ينتمي إليها.
مقالات ذات صلة
أفادت الداخلية بأن المجرمين الأربعة حاولوا اختطاف الصائغ "جورج عبد الله زكور" في المدينة، وتمكنت من إحباط عملية الاختطاف وإلقاء القبض على الفاعلين «عبر نصب كمين محكم، ولا تزال التحقيقات جارية لكشف ملابسات الجريمة ودوافعها ومن يقف خلفها».
وبينما تبدو الجريمتان خطيرتين وتستحقان المتابعة والمساءلة، إلا أن طريقة التعامل الإعلامي مع كل منهما تكشف عن ازدواجية واضحة في المعايير، سواء في نشر الهوية أو في تصوير المشتبه بهم. فالمتهم في قضية المخدرات يتمتع بقدر من الحماية الإعلامية عبر حجب اسمه الكامل وتمويه صورته، بينما يُعرض المتهمون بمحاولة الخطف بوجوههم الكاملة، ويُذكر اسم أحدهم ومنطقته، دون مراعاة لتبعات ذلك على ذويهم أو على البيئة الاجتماعية التي ينتمون إليها.
هذا التباين في سرد الجريمة يثير تساؤلات مشروعة: هل تختلف معايير التعامل مع الجرائم وفقاً للمكان الذي حدثت فيه؟ وهل هناك انتقائية في فضح هوية المجرم أو حمايتها بناءً على خلفيات اجتماعية أو سياسية؟
في سوريا التي تعاني من هشاشة الثقة بين المواطنين والمؤسسات الأمنية، تصبح العدالة في تقديم المعلومة بنفس أهمية العدالة في تطبيق القانون. وأي تمييز أو انتقائية في معاملة المتهمين إعلامياً يهدد مصداقية الجهاز الأمني، ويفتح الباب أمام التأويلات والانقسامات التي تعمق الشرخ المجتمعي.