لا تزال أوغاريت، منذ اكتشافها وحتى الآن، محط اهتمام الأبحاث والدراسات المكثفة، حيث نُشرت عنها مئات المجلدات وآلاف المقالات الطويلة بلغات متعددة. للدلالة على الأهمية التي توليها الأوساط العلمية العالمية لموقع أوغاريت، تصدر جامعة "كا لغاري" في كندا نشرات دورية تتضمن قائمة بآخر المطبوعات والدراسات والأبحاث المعمقة المتعلقة برأس الشمرة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مجلة علمية ضخمة تصدر في ألمانيا منذ عام 1969، مخصصة بالكامل للبحوث الأوغاريتية. كما تُدرَّس اللغة الأوغاريتية حاليًا في عدد كبير من جامعات العالم، والتي تجاوز عددها الخمسين جامعة.
مع كل هذا الاهتمام العالمي، نلاحظ مع الأسف أن المؤلفات المنشورة باللغة العربية قليلة ولا تتناسب مع حجم المنشورات الأجنبية. فتاريخ أوغاريت تاريخ طويل يمتد لآلاف السنين، وهذه المدينة الأثرية العظيمة لا تزال تنتظر من يمنحها حقها الحقيقي في تاريخ هذا العالم. أوغاريت، القائمة على أرض سورية، تحمل في حضارتها الكثير من جذورنا السورية الأصيلة والعريقة. كما أن المجتمع الأوغاريتي يحوي عادات وتقاليد موجودة في مجتمعنا الحالي، بالإضافة إلى أن اللغة الأوغاريتية قريبة جدًا من لغتنا العربية من حيث حروف الهجاء والمفردات وقواعد الصرف والنحو وخصائص أخرى.
ومع ذلك، فإن آثار أوغاريت بكل مكنونات حضارتها وثقافتها وما قدمته من إبداعات وإمكانات بشرية وإنسانية للعالم أجمع، تهم الغريب قبل القريب. لذلك، فإن أجلّ خدمة يمكن للباحث أن يقدمها لكل مختص ومتابع ومهتم بالدراسات الأوغاريتية هو نقل وترجمة كل ما يتوفر له من أبحاث ودراسات هامة تنشر في الخارج إلى اللغة العربية.
إن الوثائق الكتابية المكتشفة في هذه المدينة قد فتحت للباحثين آفاقًا واسعة في شتى الميادين، وأصبحت منجمًا لا ينضب من المعلومات عن كل ما يتعلق بتاريخ هذه المملكة العظيمة وعن الحضارة التي ازدهرت فيها وعن نواح مختلفة من المجتمع الأوغاريتي.
أوغاريت، بالرغم من كل ما قدمته من معطيات أثرية وتاريخية كبيرة، لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، وما زالت تنتظر سنوات طويلة من أعمال الكشف والتنقيب الأثري وما تختبئه لنا من أسرار تحت التراب، ونحن بانتظارها.
(غسان القيم - اخبار سوريا الوطن ١-صفحة الكاتب)