بعد مرور نصف عام على سقوط النظام السابق وبدء العودة التدريجية للنازحين إلى مدنهم وقراهم في أنحاء البلاد، لا تزال إيجارات المنازل والمحال التجارية في إدلب شمال غربي سوريا مرتفعة، مما يزيد من معاناة المهجرين المتبقين.
بعد تحرير كامل البلاد، صُدم النازحون بحجم الدمار الهائل في مختلف المحافظات، خاصةً في المنطقة التي شهدت الحملة العسكرية الأخيرة بين عامي 2019 و 2020 في الشمال الغربي. هذا الأمر دفع الكثيرين إلى تأجيل عودتهم بانتظار مشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار، أو تحسن الظروف التي تمكنهم من إصلاح منازلهم.
تستضيف إدلب نازحين من مناطق مختلفة في سوريا، من دمشق ومحيطها إلى درعا وحمص وحماة ومناطق شرقية أخرى، بما في ذلك الأجزاء الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من النازحين هم من المناطق المجاورة في أرياف إدلب وحلب وحماة.
يقول الشاب أحمد خالد لموقع حلب اليوم إن صاحب المنزل الذي كان يستأجره في مدينة إدلب رفض منحه مهلة أسبوع واحد بعد انتهاء العقد لنقل أثاثه إلى منزله الذي يقوم بإصلاحه في بلدته بريف إدلب الشرقي. بدلاً من ذلك، طلب المالك رفع الإيجار من 350 دولارًا إلى 450 دولارًا شهريًا، وخيّر العائلة بين القبول بالسعر الجديد أو الخروج. هذا الأمر دفع العائلة للانتقال إلى منزلها قبل تجهيزه، رفضًا للخضوع لجشع المالك، كما يقول خالد، الذي يؤكد أن ما حدث معه ليس حالة فردية، بل ظاهرة متكررة في الأشهر الأخيرة.
بدوره، قال أبو محمد إن الدمار الواسع الذي لحق بقريته في ريف إدلب يمنعه من العودة ويضطره للاستمرار في النزوح بعيدًا عن منزله، كما هو حال مئات الآلاف من السكان في المنطقة. لكن توقعاته بانخفاض إيجارات المنازل كانت خاطئة تمامًا، حيث لم يتنازل المؤجرون ولم يتهاونوا في أسعارهم، بل إن بعضهم رفع الإيجار بعدما تبين أن الغالبية العظمى من السكان لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم.
ويرى أبو حسين أن بعض المؤجرين يحاولون استغلال "الفرصة الأخيرة" لكسب أكبر قدر ممكن من النازحين قبل عودتهم، وهو ما سيحدث في النهاية مهما طال نزوحهم، لذا فإن الأسعار زادت بدلاً من أن تنخفض.
ويؤكد مراسل حلب اليوم أن العديد من المهجرين من دمشق وحلب وحماة والمنطقة الشرقية عادوا إلى مناطقهم، بينما عاد أيضًا أهالي المنطقة الأصليين الذين كانوا يقيمون في مناطق سيطرة النظام سابقًا إلى إدلب. بشكل عام، انخفض عدد السكان بشكل مستمر منذ تحرير البلاد، في حين يستمر البناء والتوسع، مما يعني زيادة نسبية في المعروض وانخفاضًا نسبيًا في الطلب. ومع ذلك، اضطر أبو حسين لاستئجار محل بأكثر من 400 دولار شهريًا بسبب إصرار صاحب المحل على رفعه بشكل مستمر واستغلال الطلب على المنازل والمحال التجارية. يوضح أبو حسين، وهو تاجر مواد غذائية، أنه يحتاج إلى مكان واسع ومؤهل لاستيعاب كمية البضائع الموجودة لديه.
بعد تحرير قريته في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، بادر صاحب المحل بطلب المزيد ورفع الإيجار إلى حوالي 500 دولار شهريًا، بعد أن علم أن القرى التي تم تحريرها في هذه المنطقة مدمرة بالكامل وغير صالحة للعيش، ولا يُتوقع أن يعود أصحابها إليها في المدى المنظور. هذا الأمر دفعه لاستغلال "الفرصة الأخيرة" عبر رفع الإيجار، قبل عودة النازحين، كما يسميها أبو حسين.
يرى أبو خالد، وهو صاحب مكتب عقاري في إدلب، أن إيجارات المحال التجارية انخفضت نسبيًا، لكن إيجارات المنازل لا تزال مرتفعة بالفعل، معتبرًا أن انخفاضها مسألة وقت لا أكثر. كما يؤكد وجود حالة من "البرود" في أسعار العقارات في إدلب وريف حلب الشمالي، يقابلها تحسن في الأرياف التي كانت محتلة من قبل الميليشيات.
يطالب المهجرون منذ سنوات حكومة الإنقاذ سابقًا بسن قوانين أو اتخاذ قرارات تحد من جشع المؤجرين، وهو ما لم يحدث، كما أن الحكومة الحالية لم تتخذ أي إجراءات في هذا الشأن.
يبلغ عدد سكان الشمال السوري، في كل من إدلب وريف حلب، أكثر من 6.6 ملايين نسمة، بحسب آخر إحصائية نشرها فريق منسقو استجابة سوريا، مع تناقص جهود الإغاثة الإنسانية وتراجع مستويات الدخل. يشكل النازحون ما يقرب من 50 بالمائة من إجمالي السكان، وتزيد معدلات العوز والبطالة في صفوفهم عن السكان الأصليين.