فاروق غانم خداج - كاتب وباحث لبناني في الأدب والفكر الإنساني، يرى أن إيليا أبو ماضي (1889–1957) يظل أحد أبرز شعراء المهجر، إذ جمع بين سلاسة اللغة وعمق الفكرة. تميز شعره بنظرته المشرقة للحياة، رغم الصعاب التي واجهها منذ صغره في لبنان، مروراً بمصر، وصولاً إلى الولايات المتحدة.
تتبلور فلسفته الشعرية في ثلاثية متكاملة: التفاؤل، والأمل، والتفكير الفلسفي. هذه الرؤية الإنسانية تحفز القارئ على مواجهة الحياة بروح إيجابية ومتفائلة.
التفاؤل... مفتاح الحياة
التفاؤل عند أبو ماضي ليس مجرد كلمات، بل هو موقف وجودي نابع من إيمانه بالحياة وقدرة الإنسان على خلق الجمال بداخله. يعتبر التشاؤم مرضاً نفسياً أكثر من كونه رد فعل منطقي للظروف. الحياة هي هبة ثمينة يجب أن تُعاش بكل ما فيها، بعيداً عن الانشغال الزائد بالمستقبل أو الحسرة على الماضي. في قصيدته "فلسفة الحياة"، ينتقد النفس البشرية التي تمنعها مخاوفها من الاستمتاع بالوجود:
"أَيُّهَذا الشّاكي وَما بِكَ داءُ كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلا؟ إِنَّ شَرَّ الجُناةِ في الأَرضِ نَفسٌ تَتَوَقّى قَبلَ الرَّحيلِ الرَّحيلا"
ويؤكد أن الجمال الحقيقي ينبع من الداخل:
"وَالَّذي نَفسُهُ بِغَيرِ جَمالٍ لا يَرى في الوُجودِ شَيئًا جَميلا"
الثقة بالحياة هي قرار شخصي، ونظرة متفائلة تفتح أبواب السعادة في كل مكان.
الأمل... شعاع في الغربة
الأمل هو طاقة روحية تمكن الإنسان من مواجهة قسوة الغربة وتحويل المعاناة إلى إبداع. في قصيدته "ابتسم"، يحاور الشاعر صوتاً داخلياً وخارجياً متشائماً، ويدعو إلى الابتسام رغم الصعاب:
"قالَ السَماءُ كَئيبَةٌ وَتَجَهَّمَا قُلتُ ابْتَسِمْ يَكْفِي التَجَهُّمُ في السَّمَا"
الطبيعة ليست مجرد منظر جميل، بل هي مدرسة للأمل. الطائر الذي يغني رغم قصر عمره يعلم الإنسان التفاؤل:
"تتغنّى وعمرها بعضُ عـــامٍ أفتبكي وقدْ تعيشُ طويــلا"
كما يرى أبو ماضي أن الأمل مسؤولية اجتماعية، كما في قصيدته "كن بلسماً":
"كُن بَلسَماً إِن صارَ دَهرُكَ أَرقَما وَحَلاوَةً إِن صارَ غَيرُكَ علقَما"
الأمل ليس مجرد شعور عابر، بل هو طاقة تنشر الخير والسعادة في حياة الآخرين.
التفكير الفلسفي... سر الطمأنينة
تأمل أبو ماضي أسئلة الوجود: معنى الحياة، الموت، والقدر، ليصل إلى قناعته الشخصية. الموت جزء طبيعي من دورة الحياة، ولا جدوى من العيش في خوف دائم منه. تحذيره من "تتوقّى قبل الرحيل الرحيلا" يوجه الإنسان للاستمتاع باللحظة الحاضرة. في قصيدته "الطلاسم"، يسير الشاعر مندهشاً بالكون وجماله الغامض:
"جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدّامي طريقًا فمشيت"
فلسفته عملية، تقدم دليلاً للعيش بسعادة:
"كُن جميلًا تَرَ الوجود جميلًا"
بهذا يعلم أبو ماضي أن نظرة الإنسان للحياة تصنع واقعه، وأن الجمال والسعادة ينبعان من الداخل.
خاتمة: تفاؤل ينبع من التجربة الإنسانية
ثلاثية التفاؤل في شعر إيليا أبو ماضي تتداخل وتتكامل، لتشكل رؤية حياتية قائمة على وحدة المعنى وروح الإيمان. لم ينكر أبو ماضي الألم في الحياة، لكنه اختار رؤية "الندى والإكليل فوق الشوك". هذه الرؤية ليست هروباً من الواقع، بل شجاعة روحية لمواجهته بابتسامة وإيمان، مما يجعل شعره منارة أمل تنير دروب القراء عبر الأجيال.
اخبارسورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية