الأحد, 27 يوليو 2025 12:57 PM

استثمارات بمليارات الدولارات في سوريا: هل تلبي حاجة البلد أم رغبة المستثمر؟

استثمارات بمليارات الدولارات في سوريا: هل تلبي حاجة البلد أم رغبة المستثمر؟

بينما تتجه الأنظار مجدداً نحو سوريا كوجهة استثمارية واعدة، تتصاعد التحديات والفرص أمام صانعي القرار الاقتصادي. ومع تداول أخبار عن تدفق رأس المال السعودي بقيمة 6.4 مليارات دولار، تبرز تساؤلات أساسية: هل ستوجه هذه الاستثمارات نحو القطاعات التي تحتاجها البلاد فعلاً، أم ستترك الأمور لرغبات المستثمرين؟

تقف الحكومة السورية أمام اختبار حقيقي، فبين ضرورة تحفيز قطاعي الزراعة والصناعة، ومتطلبات تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار، كيف يمكن توجيه الاستثمار بما يخدم الاقتصاد الوطني ويعيد الأمل لـ 16 مليون سوري يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي؟

مع ظهور مؤشرات على رغبة شركات سعودية وغيرها في ضخ استثمارات كبيرة في السوق السورية، تتجه الأنظار إلى كيفية تعامل الحكومة السورية مع هذا التوجه، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة. ووفقاً للدكتور علي عيسى، الخبير في العلوم الاقتصادية ومدير الجامعة الأوروبية في بريطانيا، يجب أن ينطلق الاستثمار الحقيقي من مفهوم "خلق القيمة المضافة"، وليس فقط البحث عن الأرباح السريعة.

وفي تصريح لصحيفة "الحرية"، أكد الدكتور عيسى على ضرورة البحث عن رؤوس أموال تعيد استثمار الموارد السورية، بدلاً من تلك التي تقتصر على القطاعات ذات الربحية السريعة مثل الاتصالات والعقارات. وشدد على أن الأولوية يجب أن تكون للاستثمارات الزراعية باعتبارها محركاً للنمو الاقتصادي.

وأوضح أنه في ظل الأزمة الغذائية التي تهدد أكثر من 16 مليون سوري، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة ومنظمة الفاو، فإن ضخ الاستثمارات في الزراعة والصناعات التحويلية المرتبطة بها هو الخيار الأمثل لتحفيز الإنتاج المحلي وتوسيع قاعدة الاستهلاك، مما يؤدي إلى تنشيط الاقتصاد السوري بشكل شامل ومستدام.

ويرى الدكتور عيسى أن معوقات الاستثمار في سوريا متعددة، وتشمل عوامل سياسية واقتصادية وتشريعية. فلا يمكن جذب الاستثمارات دون تحقيق الاستقرار السياسي والأمني الذي يضمن حرية الحركة للمستثمر والمستهلك على حد سواء. كما أن عدم استقرار سعر صرف الليرة يشكل عائقاً كبيراً، حيث يخلق بيئة محفوفة بالمخاطر تجعل المستثمر متردداً في ضخ أمواله في السوق السورية.

وأشار إلى أن من أبرز التحديات الأخرى العقوبات المالية المفروضة التي تقيد النظام المصرفي السوري ضمن نظام "سويفت"، وتمنع حرية تدفق الأموال، وهو ما يتطلب انخراطاً حكومياً فعالاً مع المجتمع الدولي في محاولة لتخفيف القيود وتهيئة الظروف أمام استثمارات حقيقية.

وشدد الدكتور عيسى على أهمية تبني خريطة استثمارية وطنية شاملة، تستفيد من الميزات النسبية في كل محافظة سورية، من الزراعات في الساحل وسهل الغاب، إلى القمح والقطن في الشرق، والفوسفات والنفط في حمص، وصولاً إلى الصناعات الغذائية والتحويلية في الشمال.

كما أكد على أهمية الاستثمار في البنية التحتية، وخاصة شبكات النقل والمواصلات، لتسهيل حركة السلع ورؤوس الأموال، ودفع عجلة الاستثمار المتكامل. واقترح أيضاً توجيه الاستيراد نحو المواد نصف المصنعة والآلات الصناعية، مع فرض قيود على الكماليات والسلع الاستهلاكية التي تستنزف القطع الأجنبي.

ودعا الدكتور عيسى إلى توفير حزمة من التشريعات الحديثة التي تسهل الدخول إلى السوق السوري، وتقدم إعفاءات ضريبية لقطاعات محددة مثل الزراعة والصناعات الثقيلة، مقابل فرض قيود على الاستثمارات الربحية السريعة. وأضاف: على الحكومة أن تمارس دوراً فاعلاً في توجيه رأس المال الخارجي بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني لا مصلحة المستثمر فقط.

وذكر الدكتور عيسى بأن الاستثمار الحقيقي يبدأ من رأس المال البشري، مشيراً إلى التجربة اليابانية التي بنت اقتصاداً عالمياً دون موارد طبيعية، بالاعتماد على التعليم والتأهيل والتكنولوجيا. ويشدد على أن سوريا تمتلك طاقات بشرية كبيرة يمكن أن تكون رافعة لأي مشروع تنموي إذا أُحسن استثمارها.

ولفت إلى أنه رغم تدفق رأس المال الخارجي الذي يمثل فرصة، إلا أن استثماره بطريقة عشوائية قد يكرس الأزمات بدلاً من حلها. المطلوب اليوم هو دور حكومي تخطيطي صارم، يوازن بين جذب المستثمر وحماية الاقتصاد الوطني، من خلال التشريعات، التوجيه، والبنية التحتية، مع إعطاء الأولوية لقطاعات الإنتاج الحقيقي، فقط عندها يمكن الحديث عن استثمار يصنع الفارق، ويقود سوريا إلى مستقبل اقتصادي أكثر استقراراً وعدالة.

مشاركة المقال: