تأتي خطورة التوتر الأمني الذي شهده حي القدم في دمشق من كونه الأول من نوعه مع مجموعة مسلحة أعلنت عداءها لقيادة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ورفضها الاندماج في وزارة الدفاع. هذه المجموعة لديها مشروع خاص يتعلق بتحرير مناطق شرق الفرات من سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) وهو ما جعلها تصعّد عملياتها ضد الأخيرة وخصوصا بعد الاتفاق بين الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي في آذار/مارس، إذ رأت في الخطوة تهديداً وجودياً لها.
بدأ الاشتباك على نحو مفاجئ بين عناصر الأمن العام ومسلحين بقيادة “أبو خطاب”، مساء الجمعة في حي الدحاديل في منطقة القدم جنوب العاصمة دمشق. وعندما تدخّل “أبو خولة موحسن” وهو قيادي معروف في جيش الشرقية وسابقاً في “حركة أحرار الشام”، للتوسط بين الطرفين بهدف التهدئة كما أظهر ذلك مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، تعرض لإطلاق رصاص ما أدى إلى إصابته. ثم نُقل إلى المستشفى ووُضع تحت الاعتقال.
ردّاً على ذلك أعلنت مجموعة تطلق على نفسها “سرايا بركان الفرات” في بيان، منح جهاز الأمن العام مهلة 24 ساعة لإطلاق “أبو خولة”، وإلا فإنها جاهزة للردّ على هذا “البغي الذي ليس الأول من نوعه ضد مقاتلي الجيش الحر”، وفق تعبيرها. وقطعت وحدات من السرايا طريق دير الزور – دمشق بالإطارات المشتعلة، وأكدت أنها لن تفتحها قبل تحقيق مطالبها.
وتتكون “سرايا بركان الفرات” من مقاتلين يتحدر معظمهم من المحافظات الشرقية، كانوا يعملون في فصائل أحرار الشرقية وجيش الشرقية وغيرها من تشكيلات أبناء المناطق الشرقية العسكرية. ولذلك وجه البيان نداءً إلى أبناء المنطقة الشرقية للخروج إلى الشارع والانتفاضة مجددا ضد ما سمته السرايا “حكومة الجولاني”.
وأُسست السرايا في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، وكانت أهدافها تنحصر في القتال ضد الاحتلال الروسي والإيراني وقوات النظام و”قسد”. ونفذت أول عملية نوعية لها في 20 من الشهر عينه بالتنسيق مع “كتائب جعفر الطيار”، وتمكنتا من اغتيال “أبو فاطمة العراقي” أحد قادة الحرس الثوري الإيراني. وذكرت السرايا أكثر من مرة أنها لا تتبع لأي جهة عسكرية أو سياسية، في إشارة إلى أنها تعمل باستقلالية عن الفصائل الأخرى.
ووفق البيانات الصادرة عنها، شاركت “سرايا بركان الفرات” في معركة ردع العدوان، ونفذت العديد من العمليات ضمنها، وسيطرت على بعض المناطق قبل وصول مقاتلي “هيئة تحرير الشام” إليها، كما حدث في مدينتي المدينة والعشارة شرق دير الزور. وامتدت عملياتها وصولاً إلى محيط دمشق حيث ادعت أنها شاركت في تحرير مدينة الضمير ومطارها العسكري.
ومن غير الواضح لماذا وكيف بدأ الاشتباك بين عناصر الأمن العام ومجموعة “أبي خطاب” يوم الجمعة، لكنّ المؤكد أن الهوّة بين “هيئة تحرير الشام” ومقاتلي الشرقية في “سرايا بركان الفرات” كانت تتسع مع تقدم معركة ردع العدوان وحتى إلى ما بعد السيطرة على دمشق، وقيادة الأولى للمرحلة الانتقالية.
وقد يكون سبب الاشتباك الاختلاف على إخلاء منزل، كما ذكرت رواية، وقد يكون أبعد من ذلك ويعبر عن نموّ المخاوف لدى جهاز الأمن العام من انتشار مجموعات مسلحة في بعض أحياء العاصمة والعديد من ضواحيها، الأمر الذي بدأ يقلّص سيطرته على هذه المناطق وقدرته على معرفة ما يدور فيها.
أيّا تكن نتيجة هذا الاشتباك، أو مآل اعتقال “أبو خولة”، فإن التطورات تشير إلى أن الخلاف بين فئة من مقاتلي أبناء الشرقية والسلطات الانتقالية سيستمر وقد يتخذ منحنيات أكثر تصعيداً خصوصاً في ظل إصرار المقاتلين على تحقيق مطالبهم.
ولعل الاتفاق مع “قسد” شكّل القشّة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى “سرايا بركان الفرات” التي تنظر إلى “قسد” على أنها قوة احتلال، وكانت تأمل أن تستمر عملية التحرير التي قادتها “هيئة تحرير الشام” لتشمل المحافظات الشرقية ولا تتوقف عند السيطرة على دمشق.
لكن هذا الاتفاق ليس المأخذ الوحيد لـ”سرايا بركان الفرات” على طريقة أداء السلطات الانتقالية، بل هناك مآخذ كثيرة منها ما يتعلق بإجراء التسوية لضباط الجيش السوري السابق وعناصره، إذ تطالب السرايا بمعاقبتهم أشد العقاب. وكذلك لديها مآخذ على طريقة تشكيل الحكومة لما تضمنته من شخصيات ليبيرالية.
وعموما، فإن لديها مشكلة واضحة مع عدم العمل جديا على تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها، معتبرة أن ما تتخذه الحكومة من إجراءات يشكل مخالفات جسيمة مثل ضمها عددا من الوزراء المنتمين إلى أقليات دينية.
وبناء على ذلك، بدأت بيانات “سرايا بركان الفرات” تطالب بإسقاط الشرع والعمل على تشكيل مجلس عسكري يقود البلاد.
ولا يمكن قياس مدى قوة هذه السرايا وفاعليتها على الأرض بسبب غياب المعلومات التفصيلية عن أعدادها وأماكن انتشارها. غير أن النقطة الجوهرية قد تكمن في أن 70% من مقاتليها هم من “داعش” سابقا ممن لجأوا إلى مناطق انتشار “الجيش الوطني السوري” وانتسبوا إلى فصائل الشرقية بأنواعها وأشكالها، الأمر الذي يرفع سقف التحدي ويجعل وجود خلايا من هؤلاء في محيط دمشق أمراً بالغ الخطورة.
أخبار سوريا الوطن١-النهار