مع التقدم في العمر، يواجه الأفراد فقدانًا في كتلة العضلات وضعفًا في الأعضاء، مما يؤدي إلى تباطؤ الحركة وتراجع القوة والتركيز، ويجعل المهام اليومية البسيطة أكثر صعوبة وإرهاقًا. يوضح البروفسور طاهر مسعود، المستشار السريري للجمعية الملكية لهشاشة العظام، والطبيب الاستشاري في مستشفيات جامعة نوتنغهام التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، أن "الضعف لا يقتصر على قلة الحركة لدى كبار السن، بل يجعلهم أكثر عرضة للسقوط، مما يزيد من خطر الإصابة بكسور العظام، ويزيد من احتمالية دخول المستشفى، فضلاً عن الوفاة المبكرة".
يلعب النظام الغذائي المتوازن ونمط الحياة النشط بدنيًا دورًا هامًا في مواجهة هذه التحديات. ولكن، تشير أحدث البحوث إلى أن القهوة تحتل مكانة بارزة في قائمة العوامل التي تكافح الوهن. فقد كشفت دراسة حديثة نُشرت في المجلة الأوروبية للتغذية، أن شرب 4-6 أكواب من القهوة يوميًا بانتظام يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالوهن. استند هذا البحث إلى استطلاع آراء 1161 بالغًا تزيد أعمارهم عن 55 عامًا، على مدى 7 سنوات، من خلال دراسة الشيخوخة الطولية في أمستردام. وتُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تبحث في العلاقة بين استهلاك القهوة وتأثيرها على الوهن.
تم تقييم الصحة البدنية للمشاركين باستخدام نموذج يُعرف باسم "نموذج فريد للوهن ذي المكونات الخمسة" (الذي طورته الدكتورة ليندا فريد عام 2001)، والذي يركز على فقدان الوزن غير المقصود، والضعف، والإرهاق، وبطء المشي، وقلة النشاط البدني، وفقًا لما ذكرته صحيفة «تلغراف» البريطانية. وأكدت نتائج البحث أن تناول القهوة باعتدال (2-4 أكواب يوميًا) يحسن هذه الجوانب، وبالتالي قد يقلل من خطر الإصابة بالوهن لدى كبار السن.
أبدت بيني سوريش، المتحدثة باسم الجمعية البريطانية للتغذية، وكبيرة اختصاصيي التغذية في «كليفلاند كلينك لندن»، بعض التحفظات، قائلة: "في حين أن دراسة استمرت 7 سنوات تضفي مصداقية، إلا أن هناك بعض القيود والتحذيرات المهمة التي يجب مراعاتها. الدراسة قائمة على الملاحظة، لذا لا يمكننا تأكيد العلاقة السببية، فالأشخاص الذين يشربون مزيدًا من القهوة قد يمارسون سلوكيات أخرى تعزز الصحة. ولكنها تعزز قاعدة الأدلة المتنامية التي تربط أنماطًا غذائية معينة، وأطعمة محددة بنتائج صحية وظيفية، ولا سيما مع التقدم في السن".
تؤكد البحوث المتزايدة على فوائد شرب القهوة باعتدال، حيث يلعب كل مكون من مكوناتها الفريدة دورًا في جعلها مصدرًا غنيًا بالفوائد الغذائية. يعمل الكافيين كمضاد لمستقبلات الأدينوزين، مما يساعد على تقليل التعب وتعزيز اليقظة. بالإضافة إلى ذلك، يحسن الكافيين حركة العضلات، مما يعزز القدرة على الحركة ويقلل الضعف. تتميز البوليفينولات (مركبات نباتية طبيعية) بخصائص مضادة للالتهابات ومضادات الأكسدة، مما يساعد على دعم فقدان العضلات والتورم والوظائف العامة المرتبطة بالسن، بينما قد يعزز مركب أقل شهرة -وهو التريجونيلين- الصحة الإدراكية، ويحسن الذاكرة.
يضيف ديل ستانفورد، اختصاصي التغذية في مؤسسة القلب البريطانية: "قد يرتبط تناول كوبين أو ثلاثة أكواب من القهوة يوميًا بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مقارنة بعدم شرب القهوة. ومع ذلك، فإن شرب أكثر من 4 أو 5 أكواب من القهوة يوميًا سيرفع على الأرجح متناول الكافيين إلى ما يزيد على الحد الأقصى اليومي الموصى به، وهو 400 ملليغرام (4-5 أكواب). بشكل عام، قد تشمل آثار الإفراط في تناول الكافيين ارتفاعًا مؤقتًا في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وخفقان القلب، والقلق، والهياج، والغثيان، والصداع، واضطرابات النوم".
تعتقد سوريش أن القهوة لا تغني عن التمارين الرياضية، وتقول: "القهوة تكمل الرياضة، ولا ينبغي أن تغني عنها. فالنشاط البدني المنتظم يحسن بشكل مباشر القوة والقدرة على التحمل، وقدرة الجسم على العمل بكفاءة. مع أن الكافيين الموجود في القهوة قد يحسن الأداء ويؤخر التعب، إلا أنه يساعد في ذلك. أنصح دائمًا بالحركة المنتظمة واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، يشمل أطعمة غنية بمضادات الأكسدة، مثل القهوة".
تساعد مضادات الأكسدة -مثل البوليفينولات- على حماية الخلايا، بما في ذلك خلايا العضلات والدماغ، من التلف. تقول نيكولا لودلام-رين، اختصاصية التغذية ومؤلفة كتاب «كيف تتجنب الأطعمة شديدة المعالجة»: "صحيح أن القهوة مصدر رئيسي للبوليفينولات، ولكن توجد مركبات مماثلة في التوت والشوكولاتة الداكنة وزيت الزيتون والشاي الأخضر، وكثير من الخضراوات. بمجرد تناولها، تمتص في الأمعاء (مع اختلاف التوفر الحيوي)، وتستقلب بشكل رئيسي في الكبد، وتنتشر في جميع أنحاء الجسم".
وتتابع: "الأطعمة الغنية بالبروتين (مثل البيض ومنتجات الألبان والبقوليات والتوفو والأسماك واللحوم الخالية من الدهون) مهمة للحفاظ على العضلات، بالإضافة إلى الأطعمة الغنية بأحماض (أوميغا 3) الدهنية (مثل الأسماك الزيتية وبذور الكتان والجوز). وتلك التي تحتوي على فيتامين (د) والكالسيوم أساسية أيضًا (مثل البيض ومنتجات الألبان) لتقوية العظام".
وتردف: "الأطعمة المخمرة مهمة أيضًا لصحة الأمعاء؛ حيث تدعم المناعة. والفواكه والخضراوات الملونة لمحتواها من مضادات الأكسدة، والتي تسهم جميعها في الوقاية من الوهن".
وأفاد التقرير بأن اختيار حبوب قهوة عالية الجودة يعني أنها غنية بالبوليفينولات، وأن المنتج العضوي لم يتعرض للمبيدات الحشرية والملوثات الأخرى. ويوفر البن متوسط التحميص توازناً في مضادات الأكسدة (قد يشكل التحميص الداكن خطراً محتملاً على مادة الأكريلاميد، وهي مادة كيميائية تتكون عند طهي الطعام على درجة حرارة عالية). ورغم أن القهوة المصنَّعة (منزوعة الكافيين) ليست بالضرورة سيئة، فهي لا تزال تحتوي على جميع الفوائد، ربما بمستويات أقل قليلاً.
(aawsat)
