عنب بلدي ـ عمر علاء الدين: يعود الحديث عن النشاط الحزبي إلى الواجهة في سوريا بعد عقود من الهيمنة المطلقة لحزب "البعث" على الحياة السياسية خلال فترة حكم النظام السابق. ومع انتظار السوريين لبدء عمل مجلس الشعب المنتخب في 5 تشرين الأول الماضي، وإصدار قانون الأحزاب الذي ينظم الحياة السياسية، تثار تساؤلات حول شكل المرحلة السياسية المقبلة ودور الأحزاب السورية فيها، وقدرتها على المساهمة في بناء دولة ديمقراطية تلبي تطلعات السوريين بعد سنوات من الصراع والاستقطاب.
تواصلت عنب بلدي مع ممثلي أحزاب وحركات سورية مختلفة، مثل "الإرادة الشعبية" و"الإخوان المسلمين" و"الحركة الوطنية السورية" و"الحزب التقدمي الديمقراطي الكردي" و"الحزب الوطني للعدالة والدستور"، لاستطلاع رؤاهم للمرحلة القادمة.
حزب جديد قيد التشكيل؟
خلال ندوة حوارية في مركز "تشاثام هاوس" في لندن في 13 تشرين الثاني الحالي، صرح وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بأن "التجربة السورية الجديدة تسعى لتكون نموذجًا في الحكم التعددي، وأن نجاحها يعتمد على التعايش وبناء الثقة ونبذ الطائفية التي كان يزرعها النظام السابق". وأشار إلى العمل على "تعزيز التعددية" في الحكومة والوزارات والمجتمع، والحفاظ على ثقافة المؤسسات، والعمل على ترميم الدستور والقوانين بطريقة مدروسة.
وكانت صحيفة "المدن" قد نقلت عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة" في 29 تشرين الأول الماضي، أن الشيباني سيكون "عراب" حزب سياسي جديد يتبع للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع. وأشارت الصحيفة إلى أن التحضيرات لهذا الحزب تجري في دمشق عن طريق الأمانة العامة للشؤون السياسية، التي تشرف بشكل مباشر على انتقاء أعضاء الحزب، وأن "التحركات تجري ضمن دوائر ضيقة، وبشكل شبه سري".
إلا أن مصادر رسمية لم تسمها الصحيفة نفت هذه الأنباء، وأوضحت أن هدف الأمانة العامة للشؤون السياسية هو ملء الفراغ الذي تشكل بعد حل حزب "البعث"، لضمان عدم سرقة أو سوء استخدام موارده والعقارات التي يمتلكها.
يذكر أنه مع انقلاب حزب "البعث العربي الاشتراكي" عام 1963، ووصول حافظ الأسد إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في 16 تشرين الثاني 1970، بدأ الحزب بالقضاء على الأحزاب السياسية الأخرى، وأنشأ حافظ الأسد ما يسمى بـ"الجبهة الوطنية التقدمية"، مما أدى إلى انسحاب الأحزاب المعارضة لسياسات "البعث".
وفقًا لكتاب "الأحزاب السياسية في سوريا" الصادر عن مركز "جسور للدراسات"، يبلغ عدد الأحزاب السورية التي تشكلت على مدار قرن كامل 134 حزبًا سياسيًا، من بينها 92 حزبًا نشأ بعد عام 2011.
التخلص من عقلية "الحزب القائد"
ترى عروب المصري، عضو رئاسة حزب "الإرادة الشعبية"، أن أول ما يجب التخلص منه هو فكرة وعقلية "الحزب القائد" التي أساءت للأحزاب السياسية ولجهاز الدولة على حد سواء. وأوضحت في حديث لعنب بلدي أن هذه العقلية أفقدت الأحزاب وظيفتها الأساسية في "تمثيل المجتمع في عملية مراقبة ومحاسبة جهاز الدولة"، وحولت جهاز الدولة إلى أداة للقمع والنهب لصالح قلة من الفاسدين.
لذلك، تشدد المصري على أن الحياة السياسية في سوريا يجب أن تكون "ديمقراطية وتعددية"، تمكن السوريين من تنظيم أنفسهم وقواهم بشكل فاعل وبما يخدم مصالحهم. ولتحقيق ذلك، ترى أنه لا بد من تحقيق ثلاثة شروط:
- منع نشوء الأحزاب على أسس طائفية أو دينية أو قومية، بل فقط على أسس وطنية جامعة.
- استقلال الأحزاب عن جهاز الدولة وعدم تبعيتها له بأي شكل من الأشكال.
- منع المال السياسي الذي كان يسرح ويمرح ويشتري الأصوات والذمم والضمائر دون حسيب أو رقيب.
قبول التعددية
يرى سمير أبو اللبن، عضو المكتب السياسي في جماعة "الإخوان المسلمين"، أن اعتماد معايير للحياة السياسية يتفق عليها السوريون تضمن مدنية الدولة وصياغة دستور مدني منبثق عن إرادة الشعب السوري هو "أمر جوهري". وأشار إلى ضرورة أن تكون سوريا دولة تعاقدية تقوم على الاختيار الحر المعبر عن إرادة السوريين.
وأضاف أن "الحركة الإسلامية ترى أن من الملامح الواضحة للحضارة الإسلامية قبول التعددية"، التي تستوعب جميع الملل والنحل في الدولة. ويستوجب اعتماد حياة سياسية تقوم على التعددية السياسية ضرورة:
- إقرار التداولية للمشهد الحزبي في الدولة، وفق أرقى ما وصل إليه الفكر الإنساني الحديث.
- الالتزام بسيادة القانون، الذي يُقدم أمن المجتمع والدولة على أمن السلطة.
- اعتماد المؤسساتية في مناخ الدولة السورية، بحيث تكون مؤسسات الدولة خادمة للمشروع الوطني السوري العام.
الاعتراف بالشعب الكردي
اعتبر فرهاد حاج درويش، عضو المكتب السياسي للحزب "التقدمي الديمقراطي الكردي"، أن المرحلة الحالية تمثل "منعطفًا حاسمًا" وفرصة لوضع أسس دولة ديمقراطية تعددية لامركزية قائمة على مبدأ المواطنة المتساوية. وتتلخص الرؤية السياسية للحزب في:
- تحقيق تعددية سياسية فعالة قائمة على المنافسة الديمقراطية السلمية بعيدًا عن الإقصاء أو الاحتكار.
- ضمان مشاركة جميع المكونات القومية والدينية والسياسية للشعب السوري في صياغة مستقبل البلاد من خلال حوار وطني شامل.
- الفصل بين السلطات مع ضمان استقلالية القضاء لتأمين التوازن والمساءلة.
- الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي كجزء أساسي من مكونات سوريا، وضمان حقوقه القومية والثقافية وفق المعايير والمواثيق الدولية دستوريًا.
- إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة عبر تطبيق سياسات عادلة وتشجيع تنمية متوازنة، إلى جانب احترام الكرامة الإنسانية.
بعد قانون الأحزاب
يرى زكريا ملاحفجي، أمين عام "الحركة الوطنية السورية"، أن شكل الحياة السياسية المتوقع في سوريا سيتضح بعد إقرار قانون الأحزاب. واعتبر أنه إذا كان القانون سيعزز تأسيس أحزاب مستقلة فعلًا ويضمن حرية التنظيم والتمويل والانتخاب الداخلي، فـ"ستبدأ سوريا بالانتقال نحو حياة سياسية حقيقية وتنمية سياسية".
وتنتظر "الحركة الوطنية السورية" قانون الأحزاب والتراخيص لـ"نأخذ الدور الحقيقي والطبيعي ونكون جزءًا من الحياة السياسية التي يتطلع إليها السوريون".
وجاء في الباب الـ 14 من الإعلان الدستوري في سوريا، أن الدولة تصون حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقًا لقانون جديد. وكان أستاذ القانون العام في جامعة "دمشق" حسن البحري، قد قال في وقت سابق إنه يمكن الاستفادة من "قانون الأحزاب" في سوريا لعام 2011، مع إجراء بعض التعديلات عليه، أبرزها تعديل أهداف إنشاء الأحزاب السياسية من "المساهمة في الحياة السياسية بشكل سلمي"، إلى "حق الوصول للسلطة وتداولها بشكل سلمي".
كما طالب باستبدال وزير الداخلية، الذي كان القانون السابق قد نصبه رئيسًا للجنة شؤون الأحزاب، بشخصية حيادية مستقلة.
محمد زهير الخطيب
رئيس الحزب "الوطني للعدالة والدستور"
نحو سوريا موحدة وخطاب جامع
أكد زكريا ملاحفجي، أمين عام "الحركة الوطنية"، أن الحركة كانت في صف المعارضة ودعمت معركة "ردع العدوان" التي أدت إلى إسقاط الأسد، وأكدت على الخطاب الوطني والصلح الاجتماعي والتنمية السياسية ودعم الشباب.
فيما قالت عروب المصري، عضو رئاسة حزب "الإرداة الشعبية"، إن بوصلة حزبها موجهة نحو "منع تقسيم البلاد" و"إنهاء الأزمة العميقة التي لا تزال مستمرة وتتعمق على مختلف الصعد"، و"تحقيق سلم أهلي حقيقي ومستقر"، ونموذج اقتصادي جديد يصب في مصلحة 90% من السوريين.
وتتجه بوصلة جماعة "الإخوان المسلمين" اليوم، بحسب سمير أبو اللبن، إلى "تدعيم عملية الانتقال السياسي والعمل على إنجاحها والتغلب على صعوبتها"، و"الاهتمام بعملية تحصين الجبهة الداخلية رغم صعوبة الظروف"، و"المساعدة في الحفاظ على استقرار سوريا موحدة".
ويرى الحزب "التقدمي الديمقراطي" أن الاتجاه الرئيس للمرحلة الحالية يتمثل في "تطبيق القرار الأممي 2254"، والانتقال نحو نظام حكم يضمن حقوق الجميع في إطار دولة ديمقراطية تعددية برلمانية ولامركزية.