اسلام محمد: في ظل المتغيرات الجذرية التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتحديات الجيوسياسية المتزايدة والضغوط الاقتصادية في أنحاء العالم، تبرز أهمية الدور الذي تلعبه المصارف العربية في دعم الاستقرار المالي وتمويل التنمية الاقتصادية.
يكتسب هذا الدور بعدًا استراتيجيًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تتفاوت الأوضاع بين دول تشهد استقرارًا وتحقق مؤشرات نمو واعدة، وأخرى تعاني من اضطرابات سياسية وأزمات متفاقمة.
في هذا السياق، يقول الدكتور وسام فتوح، الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، لـ"النهار" إن المصارف العربية تشكل ركيزة أساسية في تنمية الاقتصاد، إذ لا تعمل بمعزل عن التحولات العالمية بل تتفاعل بشكل مباشر مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية السائدة في محيطها.
ويضيف أن الاستقرار السياسي والاقتصادي يمثل حجر الأساس لنمو هذا القطاع الحيوي وازدهاره، إذ ينعكس استقرار البيئة التشغيلية بشكل إيجابي على أداء المصارف، ويمنحها القدرة على تعزيز عملياتها وتحقيق نتائج مستدامة.
في ما يأتي نص الحوار:
* بداية، كيف تُقيم أداء المصارف العربية في ظل المتغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي؟
– المصارف العربية لا تعمل في عزلة عن العالم، بل هي جزء لا يتجزأ من المنظومة الاقتصادية العالمية، وتتأثر بشكل مباشر بالأوضاع الاقتصادية والسياسية في محيطها.
فالاستقرار، سواء كان اقتصاديًا أو سياسيًا، يعد شرطًا أساسيًا لأداء قوي للقطاع المصرفي في أي دولة عربية، وعندما تتوافر بيئة مستقرة، ينعكس ذلك تلقائيًا على أداء المصارف.
* وكيف انعكست تلك المتغيرات على أداء المصارف في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية؟
– الوضع متفاوت ويختلف من دولة إلى أخرى، فقد شهدت المصارف في دول الخليج أداءً مميزًا خلال عام 2024، مستفيدة من ارتفاع أسعار الفائدة وأسعار النفط، ما عزز من ربحيتها وقوة مراكزها المالية.
كذلك سجلت دول مثل المغرب، الجزائر، والعراق أداءً جيدًا نتيجة حالة من الاستقرار النسبي، في المقابل، تأثرت المصارف في دول مثل السودان واليمن سلبًا نتيجة الأوضاع والتوترات السياسية.
* ما العوامل التي ساعدت المصارف الخليجية على تجاوز التحديات؟
– المصارف الخليجية كانت من أبرز الرابحين خلال الأزمات العالمية، وذلك بفضل النمو الاقتصادي القوي في بلدانها، وهو ما عزز من قدرتها على التوسع وتحقيق نتائج إيجابية، خصوصًا مع توافر بيئة تشغيلية مستقرة وموارد مالية وفيرة.
* وما هي أكثر المصارف الخليجية تحقيقًا لأداء قوي خلال الفترات الأخيرة؟
– تحتل دولة الإمارات المرتبة الأولى من حيث حجم الموجودات في القطاع المصرفي، تليها السعودية بفارق طفيف، ثم قطر.
وبشكل عام، تستحوذ الإمارات والسعودية معًا على قرابة 40% إلى 45% من إجمال حجم موجودات القطاع المصرفي العربي.
* وماذا عن أبرز مؤشرات أداء القطاع المصرفي العربي خلال عام 2024؟
– شهد القطاع المصرفي العربي نموًا جيدًا في عام 2024، مسجلاً معدل نمو بلغ 8% مقارنة بعام 2023.
كذلك ارتفع إجمال الموجودات إلى نحو 4.9 تريليونات دولار، في حين بلغت الودائع حوالى 2.9 تريليون دولار، وبالتالي يظل القطاع المصرفي العربي الركيزة الأساسية لتمويل التنمية الاقتصادية في المنطقة.
* وكيف ترى وضع القطاع المصرفي في لبنان؟
– هناك تفاؤل بشأن مسار الإصلاح الاقتصادي في لبنان، وهناك مؤشرات إيجابية تدل على أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن المطلوب هو الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية لإنعاش الاقتصاد وتعزيز الثقة.
* وما الدور الذي تؤديه المصارف في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة؟
– دورها محوري ولا يمكن إنكاره، لكونها تملك الحصة الكبرى من المدخرات الوطنية، ولتعزيز هذا الدور، لابد من وجود أطر قانونية واضحة ومحفزات حقيقية تعزز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يساهم في تعبئة الموارد لتمويل الاقتصاد بطريقة فعالة ومستدامة.
* وما أبرز المتطلبات لتعزيز دور المصارف العربية في دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟
– المعوق الرئيسي يكمن في القوانين التي تنظم هذه الشراكة، فعلى سبيل المثال، تمويل البنية التحتية يعد من التمويلات الطويلة الأجل، بينما تعتمد المصارف على ودائع قصيرة الأجل، ما يخلق مخاطرة كبيرة.
لذلك، تحتاج المصارف إلى قوانين تحميها، إلى جانب محفزات وشركاء دوليين مثل البنك الدولي أو البنك الإسلامي للتنمية، للحد من تلك المخاطر ودعم التمويل المستدام.
* وما هي توقعاتك لأداء القطاع المصرفي العربي في العام الحالي؟
– التوقعات لا تحمل تفاؤلاً كبيرًا، ليس على مستوى المصارف فحسب، بل على مستوى الاقتصاد العالمي ككل.
فالحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والرسوم الجمركية المتبادلة، تزيد من حالة الضبابية، ما قد يقود إلى حالة من الركود إذا استمر الوضع على ما هو عليه، أما إذا توصلت القوى الاقتصادية الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة وأوروبا إلى حلول، فقد يشهد القطاع المصرفي نموًا جيدًا.
* وماذا عن معدلات النمو المتوقعة للقطاع المصرفي العربي؟
– لا تزال الصورة غير واضحة في ظل استمرار التوترات التجارية العالمية، خصوصًا أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي، وهو ما سينعكس سلبًا على أداء المصارف وربحيتها.
* أخيرًا، ما توقعاتك بشأن مسار أسعار الفائدة عالميًا؟
– أتوقع أن نشهد خفضًا في أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، هذا الخفض سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد العالمي، إذ إن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي إلى تراجع حجم التمويل وضعف وتيرة النمو.