في تطورات متسارعة، عزز «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً سيطرته الكاملة على محافظة حضرموت المحاذية للحدود السعودية. بالتزامن، أعلنت المؤسسات الرسمية في محافظة المهرة، المتاخمة لسلطنة عُمان، ولاءها للمجلس، بعد إنزال العلم اليمني ورفع علم الدولة الجنوبية السابقة.
تمنح سيطرة «الانتقالي» على هاتين المحافظتين قوة كبيرة، خاصةً أن حضرموت تحتوي على غالبية احتياطات النفط اليمنية، وتضم المنفذ البري الأهم نحو الخليج. هذا التحول يضع «الانتقالي» على أعتاب تشكيل كيان شبه مكتمل الأركان من حيث الثروة والأرض والمنافذ، مما يجعله أقرب لتحقيق مشروعه الانفصالي، في ظل تراجع نفوذ القوى المحسوبة على «الشرعية» وانكفاء الجانب السعودي.
تعيد سيطرة المجلس على المحافظات الشرقية رسم الخارطة على المستويين الوطني والإقليمي، حيث يمتد النفوذ الإماراتي على كامل ساحل البحر العربي وخليج عدن، وصولاً إلى الساحل الشرقي للبحر الأحمر، بالإضافة إلى سيطرة أبو ظبي على الجزر الاستراتيجية، مما يعزز موقعها السياسي في المنطقة.
بينما تبقى مأرب ومحافظات الشمال أولوية للسعودية، أصبح الجنوب والشرق تحت سيطرة الإمارات، مما يشير إلى نهاية دور حزب «الإصلاح» في المناطق الاستراتيجية، ويعكس اتفاقاً ضمنياً بين السعودية والإمارات على تقاسم النفوذ في اليمن.
يرى محللون أن المملكة تهدف من هذا الاتفاق إلى تخفيف انخراطها في الصراع اليمني، والتحلل من «الإصلاح» الذي أصبح عبئاً على استراتيجيتها، وتفادي صدام محتمل مع أبو ظبي.
بدأ «التحالف العربي»، بقيادة السعودية ومشاركة الإمارات، تحت شعار «دعم وحدة الشرعية وحمايتها»، لكن التطورات الأخيرة في حضرموت كشفت أهداف الدولتين الرئيسيتين، والتي كانت متناقضة منذ البداية. سعت كل منهما لاستغلال ضعف «الشرعية» لإعادة رسم مناطق النفوذ وفق مصالحها، مما أدى إلى انقسام السلطة على الأرض وصراعات محلية على الثروة والسيطرة العسكرية. إسقاط حضرموت والمهرة يبرز الفجوة بين الشعارات الرسمية للتحالف والأهداف الاستراتيجية الفعلية، ويؤكد أن التدخل الخليجي لم يكن مشروعاً موحداً، بل سباقاً لإعادة توزيع النفوذ على حساب وحدة اليمن واستقراره.
تنسجم خطوة «الانتقالي» مع تحركات واشنطن الأخيرة لتصنيف فروع «الإخوان المسلمين» في دول مثل لبنان والأردن وسوريا «منظمات إرهابية»، ضمن استراتيجية إقليمية لتقليص قدرة الجماعة على إعادة تشكيل نفوذها السياسي والعسكري. يبدو أن السعودية تركت «الإصلاح» فريسة لـ«الانتقالي»، مما سهل انهيار «المنطقة العسكرية الأولى» التابعة للحزب أمام الزحف الانفصالي. حتى المنشآت النفطية في المسيلة، والتي وصل وفد سعودي إلى المكلا بهدف ضمان حمايتها بعد تحييد «حلف قبائل حضرموت»، لم يلتزم «الانتقالي» بالاتفاق وسيطر على المنشآت كافة.
يشعر «الإصلاح» بخذلان من حليفه التقليدي، السعودية، التي قدمت نفسها كحامٍ لـ«الشرعية». مع استمرار الضغط على قياديي «الإصلاح»، خاصة سلطان العرادة، الذي عاد إلى مأرب بشكل عاجل، يتأكد أن السعودية لم تعد ملتزمة بالدفاع عن مواقع الحزب، وربما تتماشى مع تحركات الإمارات لتقليص نفوذ «الإخوان» وإبعادهم من مواقع الثروة النفطية والموانئ الحيوية، مما يعكس تلازم الضغوط الدولية مع التحركات الإقليمية لتصفية وجود الجماعة.