أنس جوده مع استمرار المقتلة والانفلات الأمني، تتحول أي خطوة إيجابية بسيطة والاحتفال بها إلى حالة استفزازية تُفضي إلى أثر سلبي معاكس.
حين تكون في سياق معقد ومتوتر لا يزال يعيش حالة صراع، ينبغي أن تؤخذ كل خطوة بحساب دقيق. فإذا كان المحدد الأساسي للعمل هو بناء السلام، فإن منهجية العمل وطريقة تقديمه والترويج له تختلف جذرياً عن الحالة التي يكون فيها الهدف إظهار الانتصار والغلبة. كذلك، يتباين الأمر اختلافًا جوهريًا عندما يكون الجمهور المستهدف محصورًا بالمناصرين فقط، أو موجهًا إلى المجتمع بأكمله. ويتحدد ذلك بحسب مصدر الخطاب: هل يعتبر نفسه سلطة تتحدث إلى مجتمع متجانس مغلق، أم دولة تخاطب جميع المواطنين على اختلاف توجهاتهم؟
هذه القاعدة ليست جديدة. كنا نؤكد عليها حين كان بشار الأسد يخاطب مناصريه معلنًا “النصر” وانتهاء “المؤامرة”، متحدثًا عن “تطهير المجتمع من الجراثيم”، ومروجًا لنظريات “المجتمع المتجانس” المتراص خلف حكمة القائد. واليوم، تواصل السلطة، عبر شخصياتها وأبواقها الإعلامية، مخاطبة مجتمعها المنغلق، تحتفي بإنجازاتها الوهمية، وتغدق المديح على خطب القادة وتصرفاتهم، متناسية أن هناك مآسٍ وجرائم إبادة تُرتكب بحق السوريين. يتجاهلون أن “الدولة” القائمة ليست سوى هيكل نظري هشّ، لا تحميه الخطب الرنانة، والوعود المرسلة، بل تبنيه الشراكات السياسية الحقيقة وإنهاء سلطة الفصائل.
ولا يعنيهم الأمر عندما يتم احتكار مايفترض بها أن تكون رموزا وطنية سيتحول إلى رفض لهذه الرموز واعتبارها رموزا للانقسام وليس للوحدة الوطنية، كما يتغافلون عن أن ما جرى في اليومين الماضيين من تحول استراتيجي خطير في تموضع سوريا، والذي أُخرج بأسلوب فاضح من الخفة والمراهقة السياسية، ليس حدثًا عابرًا، ولن يكون طوق نجاة من المساءلة والمحاسبة، بل هو بوابة لجحيمٍ عايشناه خلال فترات الانقلابات المتتالية، التي قادتنا إلى ديكتاتورية مستدامة تحت ذريعة “ضمان الاستقرار”.
لقد تعلمنا في بيوتنا ألا نشغل الموسيقى أو التلفاز إذا كان هناك مصاب في منزل الجيران، وأن نؤجل الاحتفالات احترامًا للموت. لأن الاحتفال وسط المأساة يُعد استفزازًا وانتهاكًا للآدمية، هذا إن كان الاحتفال محقًا. فكيف بنا إذا كانت هذه الاحتفالات زائفة وخلبية فتتحول إلى رقصٍ فجٍّ فوق الجثث.
سوريا لك السلام (اخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)