الجمعة, 19 سبتمبر 2025 05:40 PM

الاكتئاب لدى النساء: الأعراض، الأنواع، والأسباب وكيفية التعامل معه

الاكتئاب لدى النساء: الأعراض، الأنواع، والأسباب وكيفية التعامل معه

يُعد الاكتئاب، أو ما يُعرف بالاضطراب الاكتئابي، من أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً، حيث يتجلى في شعور مستمر بالحزن وفقدان الاهتمام وتراجع القدرة على الاستمتاع بالحياة. ووفقاً لتقرير صادر عن «منظمة الصحة العالمية» في 31 مارس 2023، يعاني حوالي 3.8% من سكان العالم من الاكتئاب، أي ما يقارب 280 مليون شخص. وتشير الإحصائيات إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بالرجال، حيث تبلغ نسبة الإصابة بين البالغات 6% مقابل 4% لدى البالغين.

وفي سياق متصل، أظهر تحليل أجراه باحثون في «جامعة جيمّا» في إثيوبيا ونُشر في مجلة BMC Psychiatry أن النساء لديهن نسبة اكتئاب أعلى من الرجال (حوالي 31.2% مقابل 22% في الرجال) ضمن مجموعات المرضى.

النساء في دائرة الخطر

تكشف إحصاءات «منظمة الصحة العالمية» أن أكثر من 10% من النساء اللواتي أنجبن حديثاً يعانين من الاكتئاب، وهو ما يُعرف بـ «اكتئاب ما بعد الولادة» الذي يظهر بعد الإنجاب نتيجة لتغيرات هرمونية وضغوط نفسية ناتجة عن المسؤوليات الجديدة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أشكال أخرى مثل «اكتئاب ما قبل الدورة الشهرية» أو اكتئاب ما بعد انقطاع الطمث المرتبط بتقلبات هرمونية قوية. في هذه الحالات، غالباً ما ترتبط علامات الاكتئاب عند المرأة بتغيرات هرمونية واجتماعية تفرض عليها ضغوطاً مضاعفة، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة مقارنة بالرجل.

ما هي أنواع الاكتئاب عند المرأة؟

  1. اكتئاب ما بعد الولادة: يصيب النساء عادةً خلال السنة الأولى بعد الإنجاب، وتظهر أعراضه في صورة حزن دائم، وشعور باليأس، وتقلبات مزاجية، وعصبية، وصعوبات في النوم، وإحساس بالإرهاق أو القلق. قد تعاني بعض النساء أيضاً من آلام جسدية وتغيرات في الشهية. يُعزى هذا الاضطراب إلى التبدلات الهرمونية بعد الولادة، وضغط التكيف النفسي مع الأمومة، والتعب الجسدي، مما يؤثر سلباً في قدرة الأم على رعاية طفلها ونفسها، الأمر الذي يجعل التدخل المبكر ضرورياً.
  2. اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي (PMDD): يُعد شكلاً حاداً من متلازمة ما قبل الحيض (PMS)، ويظهر خلال المرحلة الأصفرية من الدورة الشهرية (الأسبوع أو الأسبوعان قبل نزول الطمث). يتميز بتقلبات مزاجية حادة، واكتئاب، وقلق، وغضب، وصعوبة في التركيز، إلى جانب أعراض جسدية مثل آلام الثدي والتعب. تزول الأعراض عادة بعد بدء الدورة مباشرة. وترتبط هذه الحالة بالتقلبات الهرمونية في الإستروجين والبروجستيرون وتأثيرها في كيمياء الدماغ، خصوصاً تنظيم مادة السيروتونين.
  3. اكتئاب ما بعد انقطاع الطمث: يترافق مع توقف الحيض بشكل دائم، حيث تظهر علامات الاكتئاب عند المرأة مثل المزاج المكتئب، والقلق، والعصبية، واضطرابات النوم، وفقدان الاهتمام بالأنشطة. يُعزى هذا الاكتئاب إلى انخفاض مستويات الإستروجين بعد سن اليأس، مما ينعكس على الناقلات العصبية المسؤولة عن تنظيم المزاج. كما تلعب التغيرات الحياتية والمخاوف الصحية والضغوط الاجتماعية المرتبطة بمرحلة التقدم في العمر دوراً إضافياً في زيادة القابلية للاكتئاب عند المرأة.

هل تختلف علامات الاكتئاب عند المرأة عن الرجل؟

تؤكد الاختصاصية النفسية، غوى حيدر، وجود اختلافات واضحة في حالات الاكتئاب عند المرأة مقارنة بالرجل. فالنساء يظهرن عادةً أعراضاً مباشرة مثل الحزن، والبكاء، والشعور بالذنب، والانسحاب الاجتماعي. أما الرجال، فقد يتجلى الاكتئاب لديهم في صورة غضب، واندفاع، وسلوك عدواني أو اللجوء إلى الإدمان (الكحول أو المخدرات) والعمل المفرط، ما يجعل تشخيصه أصعب. وتشير دراسات عدّة إلى أنّ النساء أكثر ميلاً إلى إظهار اضطرابات النوم وتغيّرات الشهية، بينما يتجه الرجال نحو سلوكيات خارجية تعكس اضطرابهم النفسي.

ووفقاً لدراسة أُجريت في كلية الطب في «جامعة فرجينيا كومونولث» الأميركية ونُشرت نتائجها في مجلة Journal of Affective Disorders، فقد كشف الباحثون أنّ النساء غالباً ما تبدأ لديهن الحالة بسن أصغر، ويكون لديهنّ سجل عائلي للاكتئاب أكثر، وتتضح الأعراض عندهن بدرجة أكبر من الرجال.

علامات الاكتئاب عند المرأة يتعيّن التنبّه إليها

توضح حيدر أنّ علامات الاكتئاب عند المرأة تشمل الإرهاق المستمر، وفقدان المعنى أو اليأس من المستقبل، وتراجع القدرة على التركيز، واضطراب النوم، والإفراط في الشعور بالذنب، وضعف تقدير الذات.

وعند استمرار هذه الأعراض لأكثر من أسبوعين أو ثلاثة، وبالأخص إذا أثرت في العلاقات والعمل، يصبح من الضروري استشارة مختص.

أما في حال ظهور أفكار انتحارية، فيصبح التدخل الفوري واجباً لا يحتمل التأجيل.

عوامل تزيد من الاكتئاب عند المرأة

إلى جانب العوامل البيولوجية، تشير غوى حيدر إلى أنّ البيئة الاجتماعية تلعب دوراً محورياً. فالنساء غالباً ما يلعبن أدواراً متعددة بين العمل والمنزل، ويتعرضن لضغوط مجتمعية ويواجهن توقعات عالية. كما إنّ تجربة سوء المعاملة أو فقدان شخص عزيز ترفع احتمالات الإصابة بالاكتئاب.

ويرتبط الاكتئاب ارتباطاً وثيقاً بالصحة البدنية، فعدد من المسبّبات الشائعة لأمراض القلب والأوعية والسرطان والسكري وغيرها، مثل الخمول البدني أو تناول الكحول على نحو ضار، تُعد أيضاً من عوامل الخطر التي تؤثر في الاكتئاب، بحسب «منظمة الصحة العالمية».

كيف نتعامل مع الاكتئاب؟

تُشدّد حيدر على أهمية طلب المساعدة عند ظهور علامات الاكتئاب عند المرأة، وعدم التعامل مع الحالة بمفردنا: «العلاج النفسي، خصوصاً السيكوديناميكي منه، يساعد في فهم جذور الألم».

وتضيف أنّ «الأنشطة البسيطة مثل الحركة اليومية، والالتزام بروتين منظم، والتواصل مع أشخاص داعمين قد تخفف من حدة الأعراض»، مشددةً في الوقت نفسه على أنّ الأهم هو «التعامل مع أنفسنا برحمة، وأن ندرك أنّ الاكتئاب ليس ضعفاً، بل إشارة إلى حاجة داخلية لفهم أعمق للذات».

مشاركة المقال: