الخميس, 5 يونيو 2025 04:21 AM

الحسكة عطشى: هل يروي اتفاق قسد ودمشق المدينة المتعطشة بإعادة تشغيل محطة علوك؟

الحسكة عطشى: هل يروي اتفاق قسد ودمشق المدينة المتعطشة بإعادة تشغيل محطة علوك؟

سامر ياسين – الحسكة

مع اشتداد الحرارة ينتظر رمضان الحمرات، من سكان حي الصالحية في مدينة الحسكة، أن يملأ بضع عبوات بلاستيكية بماء مالح من خزان مشترك في الحي، يردد بأسى: “هذا ليس ماءً صالحاً للشرب، لكنه المتاح”. ومنذ عام 2019، بعد سيطرة تركيا وفصائل سورية موالية لها على منطقة سري كانيه (رأس العين) شمالي الحسكة، تكررت عمليات قطع المياه عن الحسكة أكثر من 28 مرة، وفق بيانات الإدارة الذاتية ومنظمات أممية، دون التوصل لحل دائم رغم الوساطات المتكررة، فهل يعيد اتفاق قسد ودمشق تشغيل محطة علوك التي تشكل المصدر الوحيد للمياه لسكان الحسكة؟

شراء الماء لا يحتمل

يضطر رمضان الحمرات، وهو عامل مياومة من سكان مدينة الحسكة، أسبوعياً لدفع ما بين 35 إلى 40 ألف ليرة سورية لتأمين الحد الأدنى من احتياجات منزله من المياه النظيفة. ومنذ عامين، أصبحت المياه النظيفة حلماً يومياً يثقل كاهله، كما هو حال آلاف السكان في مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، التي تعاني من عطش مزمن وسط غياب الحلول الفعلية.

ويقول “الحمرات” لنورث برس: “نعاني من نقص المياه كثيراً، وبالأخص المياه الصالحة للشرب، فالمياه المالحة متوفرة في الحي، لكنها لا تُستخدم للشرب، أما المياه النظيفة، فهي مكلفة جداً، ومع ذلك نضطر لشرائها لأنها مادة أساسية في حياتنا”.

ويضيف: “أنا عامل بالمياومة ودخلي محدود جداً، خصوصاً في ظل الركود الكبير بالأسواق حالياً، ومصروف المياه وحده يثقل كاهلي”. كما يشير إلى تأثير غياب المياه على النظافة العامة، قائلاً: “البيت الذي لا يوجد فيه ماء لن يبقى نظيفاً، وستنتشر فيه الأوساخ والجراثيم بشكل دائم”.

ويناشد رمضان الحمرات الجهات المسؤولة والمنظمات الدولية بالتدخل لحل أزمة مياه الحسكة، وإعادة تشغيل محطة علوك، مضيفاً: “هي أزمة إنسانية لا تتعلق بأي جهة عسكرية أو سياسية”، حسب تعبيره.

وتُعد محطة علوك الواقعة شرق مدينة سري كانيه/ رأس العين، شمال شرقي سوريا، المصدر الوحيد لمياه الشرب لسكان الحسكة ومحيطها، وهي متوقفة بشكل شبه كامل منذ أواخر حزيران/ يونيو 2023، حين أعلنت الإدارة الذاتية المدينة “منكوبة” نتيجة الانقطاع التام للمياه.

دخل محدود ومياه نادرة

يواجه شهاب المسمار، من سكان ريف الحسكة، من نفس الأزمة بسبب الانقطاع المستمر للمياه، حيث يضطر لشراء خزان مياه بسعر يتراوح بين 50 إلى 60 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ يفوق بكثير دخله اليومي الذي لا يتجاوز 20 ألف ليرة سورية، حسب قوله.

ويصف “المسمار” وضع المياه في المنطقة بأنه “مزري جداً”، مشيراً إلى ندرة المياه حتى المالحة غير الصالحة للشرب، خاصة مع انخفاض منسوب المياه السطحية نتيجة الجفاف الذي بدأ العام الماضي.

ويضيف أنه “مع انعدام فرص العمل وعدم وجود دخل ثابت، لا يمكنني شراء المياه بشكل مستمر، وهذا يؤثر على نظافة ملابسي وتأجيل غسلها لأيام طويلة، وكذلك الاستحمام، ما قد يؤدي إلى انتشار الأمراض بين السكان”.

ويعرب عن أمله في عودة تشغيل محطة علوك لمياه الشرب، مطالباً بإيجاد حل جذري بالتزامن مع التطورات الإيجابية التي تشهدها المنطقة.

فيما يروي عبد الرحمن علي، النازح من مدينة حلب إلى الحسكة منذ 14 عاماً، معاناة يومية في تأمين مياه الشرب لأسرته، حيث يضطر لشراء خزان مياه (خمسة براميل) بسعر يقارب 35 ألف ليرة سورية.

ويقول “علي” لنورث برس، “نشتري المياه بشكل مستمر وهذا يؤثر كثيراً على مصروفي اليومي، خاصة أنني أعمل لأوفر لقمة العيش، وإذا توفرت المياه بشكل منتظم كان بإمكاني توفير هذه الأموال لأمور أخرى مثل أجار المنزل.”

ويضيف: “معاناتنا مع المياه باتت تحت الصفر، والمياه التي نستخدمها كلها نشتريها، وفي بعض الأشهر قد يصل مصروف المياه فقط إلى 150 ألف ليرة سورية، إلى جانب مصروف البيت والمستلزمات الأخرى.”

ويطالب هو الآخر بحل فوري لأزمة المياه في المدينة، واصفاً أن الماء هو مطلب أساسي لكل إنسان، وأن توفره سيخفف العبء المالي عليه وعائلته، بحسب علي.

نداء قبل الكارثة

يشدد يوسف ممدوح، من سكان مدينة الحسكة، على ضرورة إيجاد حل سريع لأزمة المياه التي تعاني منها المدينة، معتبراً أن توفير المياه عبر نهر الفرات أو إعادة تشغيل محطة علوك هو الحل الأمثل.

ويقول “ممدوح”: إن “المياه هي الحياة بالنسبة لنا، وإن توفرها في الحسكة يجعلها كالجنة، فنحن نعاني يومياً من انقطاع المياه ونضطر لشرائها بالنقود، مما يجعلنا نقنن استخدامها كي تدوم لأطول فترة ممكنة، خاصة وأننا عمال بالمياومة نعتمد على مردودنا لتأمين مياه المنزل”.

ويختم هو الأخر كلامه بالمطالبة قائلاً “لا أحد يستحق أن يُختبر أو يمتحن في حاجته للمياه، ونطالب الحكومة السورية بإعادة المياه إلى المدينة فوراً”.

ومع أن اتفاقاً كان قد جرى توقيعه في العاشر من آذار/مارس الماضي بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي في العاصمة دمشق، تضمّن تشكيل لجان مشتركة لحل النقاط الخدمية العالقة وعلى رأسها عودة اللاجئين وتفعيل المؤسسات الخدمية، إلّا أن المدينة لم تشهد أي تغيير فعلي على الأرض حتى مطلع حزيران/ يونيو الجاري.

والأحد الماضي، شهدت دمشق أول اجتماع رسمي بين وفد الإدارة الذاتية والحكومة السورية، تناول ملفات أمنية وتعليمية، وخاصة في مدينة حلب.

ويُنظر إلى هذه اللقاءات كإشارات إيجابية نحو الانفتاح على الحلول، لكن في الحسكة، يبقى الأمل معلّقاً على أن تشمل النقاشات المقبلة الملف الأخطر ألا وهو المياه.

ويرى مراقبون أن إعادة تشغيل محطة علوك ضرورة إنسانية عاجلة، وليس مجرد ملف تفاوضي، مطالبين بجعل مياه الحسكة أولوية في أي حوار قادم، قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة لا يمكن تداركها.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: