الأربعاء, 19 نوفمبر 2025 12:57 AM

الذكاء الاصطناعي وسوق العمل العربي: هل نشهد تغييرًا في عدد أيام العمل؟

الذكاء الاصطناعي وسوق العمل العربي: هل نشهد تغييرًا في عدد أيام العمل؟

لا شك أن الذكاء الاصطناعي قد بدأ بالفعل في إعادة تشكيل سوق العمل في العالم العربي، ليس فقط من حيث استبدال الوظائف، بل أيضًا من حيث طبيعة المهام، والمهارات المطلوبة، وحتى عدد ساعات العمل والأدوار الوظيفية.

في منطقة الخليج تحديدًا، تستثمر الحكومات مبالغ كبيرة في الذكاء الاصطناعي لأتمتة الوظائف التقليدية مثل المراجعين والمدققين ومراقبي العمليات. فالتقنيات الذكية قادرة على جمع البيانات وتحليلها بسرعة وكفاءة تفوق قدرة الإنسان في المهام المتكررة أو التي تتطلب معالجة كميات كبيرة من المعلومات. وتشير دراسة حديثة إلى أن دول مجلس التعاون (GCC) تواجه ما يمكن تسميته "نظام موّالَين مزدوجاً" بين نخبة بحثية وممارسين متدرّبين بسرعة، مما يزيد من احتمال التفاوت الوظيفي.

من ناحية أخرى، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز الوظائف القائمة في مجالات مثل التعليم، وإدارة الموارد، وتحليل البيانات، والأعمال التي تتطلب تفكيرًا إبداعيًا أو مهارات تواصل عالية. يبدو أن الأمر لا يقتصر على الاستبدال فحسب، بل يشمل إعادة توجيه الوظائف نحو المهام التي لا تستطيع الآلة القيام بها، على الأقل حتى الآن.

من المنطقي أن يؤدي هذا الاستثمار إلى خلق وظائف جديدة، ولكن المشكلة الكبيرة تكمن في أن شريحة كبيرة من العاملين اليوم لا تمتلك المهارات الكافية لتولي هذه الوظائف. وأشار تقرير صادر عن PwC حول مستقبل القوى العاملة في الشرق الأوسط إلى أن الشركات في المنطقة ليست مستعدة بشكل كافٍ لمواجهة التغييرات الناتجة عن الأتمتة والذكاء الاصطناعي.

بالتالي، قد نكون أمام مفترق طرق: أولئك الذين يتكيفون ويكتسبون المهارات المطلوبة، وأولئك الذين قد يخرجون من السوق أو يجدون أنفسهم في وظائف ذات أجور منخفضة أو أقل كفاءة.

فيما لم يظهر حتى الآن تغيير رسمي جوهري في عدد أيام العمل الأسبوعية في العالم العربي، (إلا أن هناك تجارب عالمية أسبوعية من أربعة أيام عمل فقط كمحاولات في بعض الدول)، إلا أننا نشهد تغييرات في طبيعة العمل:

  • مهام روتينية أو إدارية يتم إنجازها بشكل أسرع بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي، مما يقلل الوقت المستغرق في إنجازها سابقًا.
  • تغيير في موازنة "عدد الساعات مقابل الإنتاجية"، حيث بدأت الشركات تنتقل من قياس الموظف بناءً على وجوده في المكتب لساعات أطول، إلى قياسه بناءً على تحقيق نتائج مضمونة بالوسائل الذكية.
  • توجهات نحو العمل المرن أو الجزئي أو "عن بعد" أكثر من ذي قبل، باعتبار أن التكنولوجيا تسمح بذلك، وهو ما يؤثر على عدد الأيام أو شكلها.

هل نحن أمام أزمة بطالة اجتماعية؟ هذا محتمل. فمع هذا التغيير التكنولوجي السريع، إذا لم توفر الدول وقطاع الأعمال برامج تأهيل وإعادة تأهيل فعالة، فقد يحدث "صمود" للوظائف التقليدية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع البطالة أو ضعف نوعية التوظيف. وأكدت دراسة حول المملكة العربية السعودية أن الذكاء الاصطناعي لا يستبدل العامل مباشرة، بل يعيد توجيهه إلى وظائف جديدة، لكن المخاطر - خاصة في أعداد غير معدة - لا تزال قائمة.

وبما أن الفجوة بين المهارات المطلوبة والعرض المحلي كبيرة، فإن دور الحكومات والجامعات ومقدمي التدريب يصبح حاسمًا.

خلاصة: نحو خمسة أيام أو أربعة؟ على الرغم من أن خفض عدد أيام العمل الأسبوعية إلى أربعة أو أقل ليس واقعًا حاليًا في معظم الدول العربية، فإن الذكاء الاصطناعي يحدث تغييرات في كيفية توزيع أيام العمل وساعاته وليس فقط عددها. ربما في المستقبل القريب سنرى نماذج تجريبية في المنطقة تحاول تقليل عدد أيام العمل لتعويض العمال عن التغييرات الناتجة من الأتمتة، لكن الأهم الآن هو:

  • تأهيل القوى العاملة للانتقال إلى مهام ذات قيمة أعلى.
  • إعادة تصميم الوظائف لتنتقل من "تنفيذ" إلى "إشراف – توجيه – إبداع".
  • بناء سياسات تؤمن بأن الانتقال التكنولوجي ليس على حساب فئات عريضة من المجتمع.

*خبير في التحوّل الرقمي

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: