ألقى الرئيس السوري أحمد الشرع خطاباً تاريخياً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مساء الأربعاء، مسجلاً بذلك أول مشاركة لرئيس سوري في هذا المحفل الأممي منذ عام 1967.
تناول الرئيس في كلمته الانتصار الذي حققه السوريون على النظام البائد بعد سنوات من المعاناة، مستعرضاً ملامح العهد الجديد الذي تتطلع إليه سوريا بالشراكة مع دول العالم. كما استعرض جهود الحكومة الجديدة ومساعيها لتحقيق الاستقرار والازدهار، معرباً عن شكره لكل من ساند الشعب السوري.
وتطرق الرئيس الشرع إلى الاعتداءات الإسرائيلية وموقف سوريا منها، قائلاً للحاضرين: "جئتكم من دمشق عاصمة التاريخ ومهد الحضارات، حيث الحكاية السورية حكاية تهيج فيها المشاعر ويختلط فيها الألم بالأمل. فقد رزحت سوريا منذ 60 عاماً تحت نظام ظالم غاشم استخدم أسوأ أشكال التعذيب وقتل نحو مليون إنسان، واستخدم البراميل المتفجرة وارتكب أبشع المجازر بحق السوريين، وأنهى أي حل سياسي وهجر نحو 14 مليون إنسان وهدم نحو مليوني منزل فوق رؤوس ساكنيها، ومزق بلادنا شرقاً وغرباً وهدم أهم حواضر التاريخ فيها، واستهدف الشعب بالأسلحة الكيميائية بأكثر من 200 هجوم موثق".
وأضاف: "انتصرنا في معركة المظلومين والمعذبين والمختفين قسراً.. انتصرنا لأمهات الشهداء والمفقودين ومستقبل أبنائنا وأبنائكم"، متعهداً بتقديم كل من تلطخت يداه بدماء السوريين للعدالة، بعد صدور نتائج التحقيقات في الانتهاكات.
وتابع قائلاً: "الحكاية السورية حكاية تهيج فيها المشاعر ويختلط فيها الألم بالأمل، الحكاية السورية حكاية صراع بين الخير والشر، وبين الحق الضعيف الذي ليس له ناصر إلا الله، والباطل القوي الذي يملك كل أدوات القتل والتدمير، حكايتنا عبرة من عبر التاريخ وتمثيل حقيقي للمعاني الإنسانية النبيلة"، وأضاف: "استكمالاً للحكاية السورية أعلن اليوم أمامكم انتصار الحق على الباطل، "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا"".
وأشار إلى استعادة سوريا لموقعها المستحق بين دول العالم، ولشراكاتها الدولية، مؤكداً أن الحكومة وضعت سياسة واضحة الأهداف منذ سقوط النظام البائد، وذلك من خلال نشاط دبلوماسي مكثف، حيث تعيد سوريا بناء نفسها من خلال دولة جديدة، و"تحولت بالنصر من بلد يصدر الأزمات إلى فرصة تاريخية لإحلال الاستقرار والازدهار".
ولفت إلى جهود الحكومة في ملء فراغ السلطة والدعوة إلى حوار وطني جامع، والتحضير لانتخابات مجلس الشعب وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وتشكيل لجان لتقصي الحقائق بالتعاون مع الأمم المتحدة التي "خلصت لجانها إلى نتائج متماثلة مع لجان الحكومة في شفافية غير معهودة في سوريا".
وأكد الشرع وجود محاولات من أطراف لم يسمها لمحاولة إثارة النعرات الطائفية والاقتتالات الداخلية، سعياً لمشاريع التقسيم وتمزيق البلاد من جديد، مضيفاً أن التكاتف الشعبي حال دون ذلك.
كما تطرق إلى التهديدات الإسرائيلية التي "لم تهدأ منذ سقوط النظام البائد إلى اليوم، حيث تعمل السياسات الإسرائيلية بشكل يخالف الموقف الدولي الداعم لسوريا ولشعبها في محاولة لاستغلال المرحلة الانتقالية ما يعرض المنطقة للدخول في دوامة صراعات جديدة لا يعلم أحد أين تنتهي، فيما تستخدم سوريا الحوار والدبلوماسية لتجاوز هذه الأزمة وتتعهد بالتزامها باتفاق فض الاشتباك لعام 1974 وتدعو المجتمع الدولي للوقوف إلى جانبها لمواجهة هذه المخاطر واحترام سيادة ووحدة الأراضي السورية"، ولفت إلى معاناة أهالي غزة معربا عن أمله في وضع نهاية لها.
وتقدم "بالشكر والعرفان نيابة عن الشعب السوري إلى كل من وقف مع قضيته، وأعانه في مأساته، واستقبله في بلده، وإلى كل دول العالم وشعوبها التي فرحت بانتصار إرادة الشعب السوري، وتقف اليوم إلى جانبه في مسيرة السلام والازدهار"، كما خص بالشكر كلا من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، وكل الدول العربية والإسلامية، والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
وقد تجمعت حشود من الجالية السورية، أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ترحيبا بالرئيس في انتظار كلمته، حيث بدأ السوريون يتوافدون للمكان قبل الموعد بساعات. وظهر الشرع وهو يلوّح بإشارة تحية إلى السوريين المجتمعين، حيث وثّقت مقاطع فيديو على مواقع التواصل تجمعات في شوارع قريبة ومن أماكن أخرى متعددة في الولايات المتحدة لمتابعة الخطاب عن بُعد.
وكانت الزيارة قد لقيت ترحيبا واسعا من الجالية السورية في الولايات المتحدة، واهتماما إعلاميا محليا ودوليا.