"نحن هنا لا نخترع الدولاب من جديد.."، بهذه العبارة بدأ المهندس محمد كشتو، رئيس اتحاد الغرف الزراعية السورية والخبير الزراعي، حديثه لصحيفة الثورة عن الزراعة المتوسطية السورية، مؤكداً أن الزراعة بشقيها النباتي والحيواني هي نشاط سوري مستمر منذ آلاف السنين، بفضل المناخ المعتدل والأرض الخصبة التي حباها الله بها، مما أكسب السوريين خبرات كبيرة في هذا المجال الاقتصادي.
ركيزة الأمن الغذائي
في ظل التحديات المناخية والاقتصادية التي تواجه القطاع الزراعي في سوريا، تبرز الحاجة الملحة لخطة وطنية لإنعاش الزراعة المتوسطية، باعتبارها ركيزة أساسية للأمن الغذائي والتنمية الريفية، خاصة في المناطق الساحلية ذات المناخ المعتدل. يجب أن تتضمن هذه الخطة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار والتصنيع والتسويق، وتبني تقنيات الزراعة الحديثة والطاقات المتجددة، وإنشاء منصات تسويق إلكترونية تربط المزارعين بالأسواق. تهدف هذه الخطة إلى تحويل الزراعة المتوسطية من قطاع تقليدي إلى محرك تنموي مستدام، يحقق التوازن بين الإنتاج والبيئة والمجتمع.
حالة ارتجالية
يؤكد رئيس الغرف الزراعية السورية على أهمية خطة الإنعاش، مشيراً إلى أن البيئة المتوسطية السورية تنتج كميات كبيرة من المنتجات الزراعية الضرورية للاستهلاك المحلي والقادرة على المنافسة في الأسواق المجاورة والخليج العربي وأوروبا الشرقية وصولاً إلى الاتحاد الروسي والعديد من دول العالم. ومع ذلك، تعاني هذه الزراعة من صعوبات جمة تجعلها أشبه بحالة ارتجالية يقوم بها الناس بدافع غريزة البقاء، فهي تفتقر إلى كل شيء، مما أدى إلى خسائر كبيرة للفلاحين. ويضيف: "لا أحد يعمل في الزراعة في المنطقة المتوسطية السورية بقناعة الجدوى الاقتصادية بل بدافع الحاجة المطلقة فقط".
تحول الذهنية بعد التحرير
بعد التحرير، بدأت سوريا الدخول في مناخ التنمية والعمل والاستثمار، خاصة في منطقة البحر المتوسط السوري. فالزراعة والصناعة الزراعية قادرتان على المساهمة في تحقيق معدلات نمو مهمة والتخفيف من التضخم الذي ينهش بالاقتصاد السوري.
خيرات واسعة
يدعم المهندس كشتو هذه الفكرة بسرد الخيرات التي يقدمها المناخ المتوسطي لسوريا، مثل الزيتون الذي يعتبر أهم المحاصيل المتوسطية، خاصة في محافظات طرطوس واللاذقية وإدلب، والحمضيات كالبرتقال والليمون التي تُزرع بكثافة في الساحل السوري، والفواكه المتنوعة كالعنب والتفاح والرمان المنتشرة في المناطق الجبلية والداخلية، والخضار الصيفية كالبندورة والخيار والكوسا التي تُزرع في البيوت البلاستيكية أو الحقول المكشوفة، والقمح والشعير اللذين يُزرعان في الشتاء ويُحصدان في الربيع، ويعتبران من أساسيات الأمن الغذائي.
ميزة المناخ
يصف رئيس الغرف الزراعية السورية المناخ المعتدل والأمطار الوفيرة بأنهما أهم العوامل التي تجعل الزراعة المتوسطية في سوريا ناجحة ومتميزة، خصوصاً في المناطق الساحلية مثل اللاذقية وطرطوس. ويشكل هذا المناخ ميزة استراتيجية بفضل صيفه الحار والجاف الذي يساعد على نضج المحاصيل الصيفية، وشتائه المعتدل الممطر الذي يوفر مياه طبيعية للري، وقلة الصقيع التي تقلل احتمالية تلف المحاصيل.
زراعة نظيفة
تتميز الزراعة المتوسطية السورية بتنوع المحاصيل وإمكانية زراعة محاصيل شتوية وصيفية في السنة نفسها، مما يعطي إنتاجية عالية للنباتات التي تنمو بسرعة وبجودة عالية بسبب درجات الحرارة المعتدلة، وقلة الأمراض النباتية وإمكانية الزراعة العضوية بفضل الظروف الطبيعية.
معضلة التمويل الزراعي
لماذا تتردد المصارف والمؤسسات المالية عن التمويل الزراعي؟ سؤال يطرح نفسه بقوة. هل السبب هو أن الزراعة المتوسطية موسمية وعالية المخاطر؟ أم بسبب ضعف الضمانات العقارية لدى المزارعين؟ أم لعدم وجود سجلات مالية دقيقة؟ أم لعدم وجود تأمين زراعي فعال؟
صناديق تمويل زراعي
يجيب المهندس محمد كشتو على هذه التساؤلات بالقول إن حل مشكلة عزوف المؤسسات المصرفية عن تمويل الزراعة المتوسطية في سوريا يتطلب تنويع مصادر التمويل، وتقديم ضمانات مبتكرة، وتفعيل دور المنظمات الدولية في دعم هذا القطاع الحيوي. ويقترح إنشاء صناديق تمويل زراعي خاصة وتأسيس صناديق تمويل زراعي تنموي بإشراف الدولة أو بالشراكة مع القطاع الخاص، والتمويل عبر المنظمات الدولية، وأن يعاود المصرف الزراعي السوري تقديم القروض الزراعية.
الاقتصاد الأخضر
من الأفكار المطروحة أيضاً إدراج الزراعة المتوسطية ضمن الاقتصاد الأخضر لجذب تمويلات دولية مخصصة للمشاريع المستدامة، وتوفير ضمانات حكومية وتشريعات محفزة، ودمج الزراعة المتوسطية في الخطط التنموية الوطنية كقطاع استراتيجي.
قيمة مضافة عالية
يختم رئيس الغرف الزراعة السورية بالتأكيد على أن الزراعة المتوسطية قادرة على تحقيق قيمة مضافة إذا ما تم دعمها بسياسات تمويلية مرنة وبنية تحتية متطورة، مشيراً إلى الحاجة لشراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص لتأمين استدامة هذا القطاع الحيوي. ويضيف أن أكبر تحديات الزراعة المتوسطية هي تغير المناخ وضعف البنية التحتية والهجرة من الريف.
مخرجات
المخرجات المتوقعة هي زيادة إنتاج الزيتون والحمضيات وخفض الفاقد الزراعي وتحسين جودة التخزين والتسويق وخلق فرص عمل جديدة وتعزيز الصادرات الزراعية.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة