الإثنين, 20 أكتوبر 2025 02:23 AM

السريانية: لغة حية تربط ثلاث قرى في القلمون السوري بتراثها العريق

السريانية: لغة حية تربط ثلاث قرى في القلمون السوري بتراثها العريق

في قرى وبلدات القلمون الغربي بريف دمشق، تتألق بلدات جبعدين والصرخة ومعلولا، كمجتمعات ريفية ضاربة في القدم، متمسكة باللغة السريانية كلغة أساسية. تعتبر السريانية جوهرًا ثقافيًا يميز أهل المنطقة، وجزءًا لا يتجزأ من هويتهم، محافظين على تراثهم وثقافتهم الممتدة لآلاف السنين.

السريانية ليست مجرد لهجة، بل هي امتداد لماضٍ عريق، حيث كانت لغة الإمبراطورية الآشورية والكلدانية، وإحدى أهم اللغات في المنطقة التي تضم العراق وسوريا وتركيا حاليًا، كما أوضح أستاذ التاريخ المتقاعد في معلولا، إلياس خوري، لعنب بلدي.

لغة التعامل والتعليم والكنيسة

في بلدات الصرخة وجبعدين ومعلولا، لعبت السريانية دورًا حيويًا في حياة السكان اليومية، أو ما وصفه إلياس خوري بـ "الجارات الثلاث"، حتى أنها كانت لغة التعامل والتعليم والكنيسة في فترات معينة. وأشار إلى اعتزاز أبناء هذه البلدات بتاريخهم السرياني وإصرارهم على الحفاظ على اللغة وإحيائها، من خلال التحدث بها في المنازل واستخدامها في الأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية.

تحمل السريانية في القلمون رمزية قوية، فهي ليست مجرد تراث لغوي، بل رمز للتعايش السلمي، إذ لا تقتصر ممارستها على المسيحيين فقط، بل تشمل المسلمين أيضًا، مما يعكس تاريخًا طويلاً من التفاهم بين مختلف المجتمعات.

نطق الأطفال لغة الأجداد

أكد محمد سالم، أحد سكان بلدة الصرخة، لعنب بلدي، أن السريانية من أقدم وأندر اللغات في المنطقة، وأن السكان يحرصون على الحفاظ عليها باعتبارها جزءًا من تراثهم المتوارث عبر الأجيال. وأضاف أن السريانية هي لغة التواصل اليومي بين سكان القرية، مما يجعل تعلمها أمرًا طبيعيًا للأطفال منذ الصغر، حيث ينشأون في بيئة تتحدث بها هذه اللغة بشكل تلقائي.

أوضح مدرس التاريخ إلياس خوري، أن الأطفال ينطقون كلماتهم الأولى باللغة المحكية في منازلهم، وغالبًا ما يتحدث أطفال "الجارات الثلاث" السريانية قبل اللهجة القلمونية الخاصة بكل قرية. وأشار إلى أن لهجة سكان الصرخة تختلف عن لهجة سكان جبعدين ومعلولا، بينما توحدهم اللغة السريانية، مؤكدًا أن لكل مدينة وبلدة وقرية في القلمون لهجة خاصة بها.

يعكس نطق الأطفال باللغة السريانية تمسك أهل "الجارات الثلاث" بجذورهم وتاريخهم، ويؤكد أن التراث الثقافي لا يموت بوجود إرادة حقيقية لإحيائه.

ارتباطها بالحياة اليومية

في الحياة اليومية لأهالي البلدات الثلاث، تتجاوز السريانية كونها لغة للتعلم، لتصبح جزءًا من واقعهم الاجتماعي. ففي الجلسات العائلية، وأثناء تناول الطعام أو في الأسواق، يتواصلون بهذه اللغة المرتبطة بالأصالة والتاريخ العريق. ويشكل الحديث بالسريانية بين الأجيال الشابة والمسنة علامة تميز هذه المجتمعات.

يعبر الأهالي عن فخرهم بالحفاظ على السريانية، معتبرين ذلك التزامًا ثقافيًا ووجوديًا، وإحياءً لجزء من تاريخهم الذي يربطهم بالأرض والأجداد، حتى في أصعب الظروف.

كيف وصلت السريانية إلى القلمون؟

يعتبر تاريخ وصول السريانية إلى منطقة القلمون جزءًا من التاريخ المسيحي في سوريا. ففي العصور القديمة، كانت للقلمون مكانة دينية وثقافية هامة، خاصة مع انتشار المسيحية، حيث أسس الآشوريون والكلدان الكنائس والمدارس التي استخدمت السريانية في العبادة والتعليم.

عبر القرون، تداخلت السريانية مع اللهجات المحلية، لتصبح جزءًا من الحياة اليومية في القرى التي لا تزال تستخدم فيها حتى اليوم، وفقًا لإلياس خوري.

أوضح محمد سالم أن السريانية، المشتقة من الآرامية، لا تزال مستخدمة في البلدات الثلاث، لأن سكانها الأصليين كانوا مسيحيين يتحدثون بها. ومع مرور الأجيال، تحول بعض السكان إلى الإسلام، بينما ظل البعض الآخر متمسكًا بالمسيحية، كما هو الحال في معلولا. واليوم، يشكل سكان الصرخة وجبعدين مجتمعًا إسلاميًا يحافظ على هذه اللغة النادرة، مما يضفي عليها نكهة خاصة، حيث يحاول المسلمون الحفاظ عليها في القريتين.

وأضاف أنه على الرغم من تأثر القرية بحقب تاريخية مختلفة، إلا أن السريانية ظلت اللغة الأساسية للتواصل اليومي، ولا يعتبرها سكان "الجارات الثلاث" لهجة، بل لغة متكاملة تحمل رمزية قوية، كونها مشتقة من لغة السيد المسيح، مما يعزز شعورهم بالانتماء والتآخي بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة.

السريانية هي إحدى اللغات السامية المنحدرة من الآرامية، وكانت في الأصل لغة الشعب الآشوري في شمال بلاد الرافدين، وتطورت لاحقًا لتصبح لغة الأدب المسيحي الكلاسيكي في مناطق شرق البحر المتوسط، وخاصة في بلاد الشام والعراق، وفق مصادر متعددة. ظهرت الآرامية في القرن الـ11 قبل الميلاد في مناطق وسط وشمالي سوريا، ثم أصبحت لغة الممالك الآرامية مثل دمشق وأرفاد (تل رفعت) وبيت عديني وحماة والرها (أورفه، أورفا الحالية). وكان للسريانية دور بارز في الفكر المسيحي القديم، إذ كانت اللغة المستخدمة في الكتابات الدينية والفلسفية، بما في ذلك الكتابات المسيحية التي تمثل جزءًا مهمًا من التراث الأدبي والروحي.

تُكتب السريانية بالحروف السريانية، وهي اشتقاق من الأبجدية الآرامية، وتعتبر إحدى أقدم اللغات التي تُكتب بهذا النظام. كما كانت السريانية لغة طقوسية ودينية في العديد من الكنائس الشرقية، بما في ذلك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكاثوليكية، والكنيسة السريانية المارونية.

مشاركة المقال: