السبت, 6 ديسمبر 2025 05:57 PM

السوريون في تركيا: من 'ضيوف' إلى 'جالية'.. حلم طال انتظاره

السوريون في تركيا: من 'ضيوف' إلى 'جالية'.. حلم طال انتظاره

على الرغم من مرور أكثر من 12 عامًا على وجودهم في تركيا، لا يزال السوريون المقيمون تحت بند الحماية المؤقتة يعانون من وصفهم بـ "ضيوف"، وهو وضع يحرمهم من الحقوق التي يتمتع بها اللاجئون بموجب الأعراف الدولية.

منذ بداية الأزمة في سوريا، تصاعدت المطالبات داخل الأوساط السورية في تركيا لتغيير الوضع القانوني والاجتماعي للسوريين من "ضيوف" إلى "جالية" معترف بها، تمتلك إطارًا تمثيليًا واضحًا. دعا العديد من السوريين إلى تشكيل هيئة تمثيلية مستقلة للجالية السورية، تعبر عن تطلعات السوريين في تركيا، وتكون قادرة على إدارة شؤونهم والتفاوض بشأن ملفاتهم بعيدًا عن السفارة أو القنصلية، وأي مسار حكومي رسمي.

يهدف هذا التوجه إلى تأسيس كيان للجالية على غرار الجاليات الأخرى المقيمة في تركيا، بما يضمن حضورًا مؤسسيًا وفاعلاً في معالجة القضايا المرتبطة بالسوريين مع الجانب التركي.

يقول مصطفى عبد الرحمن، المعني بشؤون اللاجئين في تركيا، لموقع سناك سوري إن تشكيل جالية منظمة للسوريين في تركيا، يعد خطوة تنظيمية تساعد في تنظيم القرار، فبدلاً من تعدد الروايات التي تطرح عادة من قبل اليوتيوبرز والتيكتوكرز، الذين يتداولون الأخبار ويخلقون جوًا من الضغط على صنع أي قرار، تطرح الجالية المطالب السورية أمام الحكومة التركية بشكل مبسط وواضح.

وتابع: «الجالية ضرورية جدًا، لكننا سبق وطالبنا بتشكيلها إضافة لمطالباتنا بوقف الترحيل القسري، أو اختيار بيئة آمنة للترحيل لا تشكل خطرًا على اللاجئ».

اللاجئ السوري… بين نارين

في أحد أحياء إسطنبول المزدحمة، يعيش محمد الصابوني، وهو من أبناء مدينة حلب (33 عامًا) مع زوجته وطفليه الصغيرين في شقة متواضعة تقع في الطابق الرابع من مبنى قديم في حي الفاتح. كل صباح يغادر بيته قبل أن يستيقظ أطفاله، حاملاً معه أمنية أن يكبروا في وطن يعترف بهم ويمنحهم شعور الاستقرار الذي فقده منذ عشر سنوات، حين اضطر إلى مغادرة مدينته في ريف حلب هربًا من القصف والنزوح المتكرر.

يقف "الصابوني" أمام المقهى الذي يعمل فيه منذ أكثر من خمس سنوات، يصف الكراسي على الرصيف بهدوء، يراقب المارة بنظرة تجمع بين التعب والأمل، ثم يقول مبتسمًا: «منذ سقوط النظام ونحن نعيش بين حلمين، أن نعود إلى سوريا الجديدة التي حلمنا بها، أو أن يتم الاعتراف بنا كجالية سورية، لا كلاجئين ننتظر المجهول».

كلمات "الصابوني" تعبر عن مشاعر مئات الآلاف من السوريين في تركيا بعد انتصار الثورة والتغيرات الكبيرة التي شهدتها البلاد فمع سقوط النظام السابق ووصول نظام جديد إلى سدة الحكم في دمشق، عاد الأمل إلى كثيرين بأن صفحة التهجير الطويلة قد تطوى، أو على الأقل تكتب من جديد بطريقة أكثر كرامة. الصورة من مرسين منطقة النخيل يتواجد في الشارع محلين سوريين فقط من أصل 4 سابقاً

التحديات بين الهوية والاندماج

رغم المؤشرات الاجتماعية التي تدل على تشكيل نواة جالية سورية في تركيا، إلا أن التحول الفعلي ما زال يصطدم بعدة عوائق قانونية وسياسية. فالوضع القانوني للسوريين لا يزال مرتبطًا بالحماية المؤقتة، ما يجعلهم عرضة لسياسات متبدلة. وفقًا لإحصاءات المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية، يبلغ عدد السوريين المسجلين رسميًا نحو 2.7 مليون شخص، يعيش أكثر من نصفهم في المدن الكبرى كإسطنبول، وغازي عنتاب، وأورفا.

إلى جانب ذلك، ما زال كثيرون يواجهون صعوبات الاندماج بسبب اللغة، والتمييز في سوق العمل، وتعقيدات الحصول على تصاريح الإقامة (بطاقة الحماية المؤقتة).

إن وضع السوريين في تركيا بحاجة لصيغة تنظيمية تنظم شؤون اللاجئين وتجعلهم على تواصل مباشر مع الحكومة التركية، وهذا يكون عبر تنظيم جالية رسمية تشرف عليها لجنة تمثل جميع السوريين. نور الصالح ـ سورية تقيم في تركيا

تجربة بين الأمل والواقع

يقول "الصابوني": «قد تكون الحياة هنا مليئة بالتحديات، لكن العمل متاح، والمردود المادي أفضل، والأطفال يتعلمون في مدارس منظمة، والنظام المعيشي أكثر استقرارًا من سوريا». رغم كل الصعوبات، نحن هنا أفضل حالاً من أن نعود إلى بلدنا بالوقت الحالي، لا أفكر بالعودة إلى سوريا حاليًا، فالأوضاع الاقتصادية هناك صعبة للغاية. يقول "الصابوني" ويضيف: «لا أملك منزلاً يأويني بعد أن تهدم منزلي خلال سنوات الحرب، كما أن الواقع الدراسي هناك لا يوفر لأطفالي بيئة تعليمية مستقرة في الوقت الحالي».

خلال السنوات التي عشتها هنا، استطعت الاندماج تدريجيًا في المجتمع التركي، وأتقنت اللغة بلكنتها اليومية، ما جعلني قادرًا على التواصل بسهولة في عملي وحياتي اليومية، فيما شكل أطفالي صداقات مع أطفال من الجيران والمدرسة، حتى باتوا جزءًا طبيعيًا من البيئة التي نشأوا فيها. ويضيف بابتسامة: «لو عدنا إلى سوريا الآن، سيشعر أطفالي أنهم في رحلة لجوء جديدة، فهم لا يعرفون من سوريا سوى ما يرونه في الصور».

كثير من السوريين في تركيا تبنوا هذا المنطق، فبدلاً من انتظار المجهول، بدأوا بتأسيس كيانات ومؤسسات مدنية مختصة بالشؤون السورية والسوريين وتسعى لخلق قنوات تواصل مع السلطات التركية، والمشاركة في دعم المجتمع المحلي.

بيروقراطية وتمييز سلبي

العديد من السوريين يواجهون مشاكل بيروقراطية في تركيا، يقول سامر العلي من مدينة اللاذقية (32 عامًا) وهو صاحب شركة استيراد وتصدير في مرسين: «تقدمت للحصول على إجازة التاجر في الشهر السادس ولم يأتِ الخبر وعندما اتصلت بالوالي بعد عناء قال لي أنني حصلت على الإذن حتى رأس السنة وعندما وصلت إلى المعبر وجدت أن الإذن انتهى وكان إذن لمدة 3 أشهر أي أنني لم أستفد من الإذن ابداً» سامر العلي صاحب شركة للاستيراد والتصدير ويتساءل: «لماذا تتم معاملتنا على أننا لسنا أُناس طبيعيين، نشعر أن بعض موظفي الحكومة هنا يعاملوننا بشكل سلبي لكي نخرج من هذا البلد يا طوعاً يا قسراً».

وتمتد معاناة السوريين والسوريات في تركيا إلى مجال التعليم أيضًا حيث لا يسمح للطالب السوري حامل الإقامة المؤقتة أن يقيم إلا في مناطق محددة من ولاية الإقامة المسجل بها في إدارة الهجرة على عكس الطالب الأجنبي صاحب اقامة الطالب اذ يحق له السكن والإقامة في أحياء متعددة ما يوفر له فرص الحصول على سكن أرخص ويمنحه حق حرية السكن.

كما أن الطالب السوري في “تركيا” من حملة الإقامة المؤقتة محروم من إمكانية زيارة بلده الأم بعكس الطالب الأجنبي الذي يتمتع بحرية الحركة. يقول الطالب الحلبي عبد الله نجار (25 عامًا) إنني أعمل طوال السنة بجانب دراستي من أجل تغطية نفقات الجامعة مع ذلك لا أعامل كطالب في الحياة اليومية في حال انتقالي لمنزل أخر يجب علي أخذ عنوان وأن يكون في منطقة ضمن المناطق المسموح بها لسكن الأجانب.

وعبّر أيضاً عن حسرته بعدم زيارة سوريا منذ قدومه إلى تركيا في عام 2013 مشيراً إلى أهمية تغيير وضع الطلاب والسوريين من لاجئين إلى جالية يتمتعون بحرية زيارة بلادهم وإتمام أعمالهم في بلد إقامتهم

الجالية.. مرآة السوريين التنظيمية

تقول نور الصالح (28 عامًا) وهي لاجئة سورية من دير الزور تعيش في تركيا، وهي ربة أسرة وتعمل في روضة أطفال، إن وضع السوريين في تركيا بحاجة لصيغة تنظيمية تنظم شؤون اللاجئين وتجعلهم على تواصل مباشر مع الحكومة التركية، وهذا يكون عبر تنظيم جالية رسمية تشرف عليها لجنة تمثل جميع السوريين.

كما يقول المحامي التركي المختص بشؤون الهجرة جينكيز اريجان اوغلو لموقع سناك سوري (Cengiz Ercanoğlu): «يمكن تحقيق هذا التحول من خلال اتفاق خاص ينظم وضع السوريين بعد استقرار بلادهم، بحيث تُستبدل بطاقات الحماية المؤقتة بإقامات دائمة أو طويلة الأجل، دون أن يفقدوا أي حقوق حصلوا عليها».

وبين المقترحات والمطالبات، يبقى السوري تحت ضغط التوصيف وعدم التنظيم، لاسيما وأن الجالية تعد واجهة لجميع أفراد هذه الدولة أو تلك أمام الدولة المضيفة، فهل تتحقق المطالب أم يتغير الوضع القانوني؟.

هذا التقرير أعدّ ضمن مشروع ينفذه المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، بدعم من منظمة اليونيسكو وبإشراف المدربة ميس قات، وهو يعبّر عن رأي كاتبه/كاتبته فقط.

مشاركة المقال: