الجمعة, 8 أغسطس 2025 11:38 PM

السويداء: إدارة ذاتية في الأفق أم خطر التقسيم؟ مبادرات أهلية تسعى للحل

السويداء: إدارة ذاتية في الأفق أم خطر التقسيم؟ مبادرات أهلية تسعى للحل

في أعقاب مبادرة "حل" المدنية التي أطلقها وجهاء وناشطون من درعا، ظهر تشكيل المكتب المؤقت لمحافظة السويداء، مما أثار تساؤلات حول إدارة ذاتية محتملة أو حتى انفصال عن الدولة السورية.

عنصر في الدفاع المدني السوري يقف عند باب حافلة تقلّ أشخاصاً خارجين من محافظة السويداء ضمن قافلة مكونة من 11 حافلة بإشراف الهلال الأحمر العربي السوري، 06/ 08/ 2025، (سانا)
عنصر في الدفاع المدني السوري يقف عند باب حافلة تقلّ أشخاصاً خارجين من محافظة السويداء ضمن قافلة مكونة من 11 حافلة بإشراف الهلال الأحمر العربي السوري، 06/ 08/ 2025، (سانا)

في السادس من أغسطس، أعلنت “اللجنة القانونية العليا في محافظة السويداء” عن سلسلة إجراءات لتنظيم الشؤون الإدارية، بما في ذلك تشكيل مكتب تنفيذي مؤقت لمجلس المحافظة وتعيين مسؤولين لإدارة الشؤون الأمنية والإدارية والخدمية.

تأسست اللجنة القانونية في السويداء، المؤلفة من قضاة ومحامين، بقرار من الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز بقيادة الشيخ حكمت الهجري، وذلك بعد أحداث دامية شهدتها المحافظة وأدت إلى مقتل المئات من الدروز والبدو.

تزامنت هذه التطورات مع إطلاق مبادرة مدنية من وجهاء وناشطين في محافظة درعا المجاورة تحت عنوان “السويداء في قلب سوريا” و “السويداء سورية”، بهدف مواجهة خطاب الكراهية والتحريض الطائفي والتصدي لمخاطر التقسيم والتغيير الديموغرافي، وفقًا لتصريح باسم منصور، أحد منسقي الحملة، لـ”سوريا على طول”.

سبق ذلك إعلان شخصيات اجتماعية من مختلف المكونات السورية عن “المبادرة الأهلية السورية” في 31 يوليو، بهدف احتواء الأزمة في السويداء ومعالجتها تمهيدًا لحوار وطني.

شهدت السويداء الشهر الماضي مواجهات عسكرية بين مجموعات درزية وعشائر بدوية، تطورت إلى عمليات واسعة النطاق بعد تدخل القوات الحكومية لفض النزاع في 14 يوليو، حسب الرواية الحكومية. إلا أن أهالي السويداء اعتبروا هذا التدخل محاولة للسيطرة على المحافظة بالقوة، مما أدى إلى جولة جديدة من المواجهات.

إدارة ذاتية أم مؤقتة؟

أوضحت اللجنة القانونية العليا أن مهامها تشمل “إدارة شؤون السويداء بكافة القطاعات الإدارية والأمنية والخدمية” و “الحفاظ على المؤسسات الحكومية العامة والخاصة، ورفع الظلم والضرر عن كاهل المواطنين ومحاربة الفساد”.

لم تحدد اللجنة شكل الحكم في السويداء وما إذا كان عملها مؤقتًا أم يمهد لحكم ذاتي أو تقسيم. لكن “وحدة الإعلام البديل والمناصرة في السويداء” أشارت إلى أن المحافظة أمام تجربة استثنائية قد تكون نموذجًا للامركزية والإدارة الذاتية، في ظل رفض السلطة المركزية في دمشق لأي شكل من أشكال اللامركزية.

توقع طارق سليمان (اسم مستعار)، ناشط من الحراك المدني في السويداء، أن يكون عمل اللجان مؤقتًا ومن أجل التنظيم فقط. وأوضح الدكتور رفعت عامر، أكاديمي سوري مقيم في السويداء، أن هدف اللجان هو تنظيم شؤون المحافظة في ظل غياب مشروع حقيقي لبناء الدولة، مشددًا على أن دور اللجنة يتمثل في “إدارة الحياة اليومية بعد الكارثة الإنسانية والصحية والاجتماعية والخدمية التي حلّت بالسويداء إثر الهجوم البربري الذي قامت به وزارتي الدفاع والداخلية وفصائل جهادية”.

في المقابل، أثار تعيين اللجنة للعميد شكيب نصر قائدًا لقوى الأمن الداخلي والعميد أنور رضوان معاونًا له جدلاً واسعًا، خاصة أنهما شغلا مناصب أمنية في النظام السابق. واعتبر مسؤول في وزارة العدل لوكالة الأنباء العربية السورية الرسمية (سانا) أن عمل القضاة في اللجنة “سياسي محض ويتعارض مع المصالح الوطنية ويثير دعوات التفرقة والتقسيم”، مما استدعى إحالتهم إلى إدارة التفتيش للتحقيق.

لم يصدر رد رسمي مباشر من السويداء تجاه المبادرات الأهلية للحل، لكن قرارات اللجنة العليا في المحافظة تبدو “محاولة قطع الطريق ورد على رسائل الدعوات للتعايش والوطن الواحد”، بحسب منصور، الذي أكد استمرار الحملة حتى التوصل إلى حل في السويداء.

مبادرات متأخرة!

انطلقت حملة “السويداء سورية” لمواجهة الاستقطاب الحاصل على وسائل التواصل الاجتماعي وحالة التخندق لدى السوريين، ومحاربة خطاب التكفير والتحريض والانفصال والتهجير القسري، وفقًا لمنصور.

يرى الدكتور رفعت عامر أن المبادرة الأهلية “بعيدة تمامًا عن أن تكون فاعلة أو مؤثرة، لأنها حديث عام عن السلم الأهلي ووقف التحريض الطائفي”، إذ لم توضح الآليات التي تعتمدها لحل المشكلة ولم توصّف المشكلة توصيفًا صحيحًا.

اعتبر سليمان أن المبادرات جاءت متأخرة، وأن فك الحصار المفروض على السويداء هو أول خطوة للحل. ورأى الناشط المدني سليم عمران (اسم مستعار) أن المبادرات جيدة لو كانت قبل الدم والحرق والسرقة، مشيرًا إلى أن ما ينفع اليوم هو إيصال الغذاء والدواء وفك الحصار.

اعترف منصور بأن الحملة جاءت “متأخرة”، ولكن “صوت العقل لم يكن مسموعًا في ظل صوت الرصاص، وما إن سكت قليلاً حتى خرجنا وقلنا: لا للتحريض الطائفي، لا لخطاب الكراهية، لا للتغيير الديموغرافي، ولا للتقسيم”.

ما الحل؟

يرى الأكاديمي السوري يحيى العريضي أن الحل في السويداء يتطلب “محاربة التجييش الطائفي والأيديولوجي، ووقف التحريض والقتل والدمار واجتثاث هذه الأسباب من جذورها”، وهذا يتطلب وجود “لجنة مصالحة وحل تخاطب السلطة في دمشق قبل السويداء، بأن تصدر تعليمات صارمة توقف التجييش الطائفي ضد السويداء والدروز والهجري، وترفع الحصار عن السويداء، وتقوم بعمليات تبادل للمعتقلين وسحب القوات من القرى التي تسيطر عليها شمال وغرب السويداء”.

اعتبر سليمان أن “فك الحصار، وتشكيل لجنة تحقيق دولية لتقصي الانتهاكات في السويداء، ومن ثم محاكمة كل من ارتكب انتهاك” من شأنه حل مشكلة السويداء. وأضاف: “يجب على السوريين أن يبدأوا أولاً بخطوات حقيقية لحل مشكلة السويداء حتى نستطيع نحن النشطاء في الداخل التحرك والحديث”.

من وجهة نظر عمران “وصلنا إلى مرحلة اللاعودة بعد هذا الكم من التحريض والقتل والتشنج، وفي الوقت القريب لا يوجد حل سوري جامع للسويداء أو بقية السوريين، وإنما ستفرض الحلول علينا من الخارج”.

بدوره، استبعد الدكتور عامر أن يتعاون أبناء السويداء حتى فيما يخص لجنة تقصي الحقائق، معتبرًا أن “اللجنة يجب أن تكون دولية، وإذا كانت الدولة بريئة فعليها أن تدعم هذا الاتجاه”. وحمّل عامر الحكومة السورية مسؤولية “دعوات التقسيم والانفصال في السويداء”.

مشاركة المقال: