الثلاثاء, 20 مايو 2025 12:08 AM

السويداء: هل يُستخدم طلاب الجامعات كورقة ضغط سياسي بين دمشق وفصائل محلية؟

السويداء: هل يُستخدم طلاب الجامعات كورقة ضغط سياسي بين دمشق وفصائل محلية؟

عودة طلبة السويداء من الجامعات: خوف أم ضغط سياسي؟

بعد عودتهم إلى السويداء بسبب التوترات الطائفية في الجامعات السورية، منعت مجموعة مسلحة محلية تتبع لغرفة العمليات المشتركة ذهاب طلبة السويداء إلى جامعاتهم في المحافظات الأخرى، وسط تخوف من استخدام ملف التعليم كورقة ضغط.

أشخاص يقفون أمام حافلات في كراج السويداء الجنوبي
أشخاص يقفون أمام حافلات في كراج السويداء الجنوبي، 19/ 05/ 2025 (شادي الدبيسي/ سوريا على طول)

السويداء، باريس- عندما وصل الطالب غياث (اسم مستعار) إلى كراج السويداء، صباح يوم الخميس، لاستئناف دراسته في جامعة اللاذقية، فوجئ بوجود مجموعة محلية مسلحة تتبع لغرفة العمليات المشتركة، المقربة من الشيخ حكمت الهجري، تمنع الطلبة من العودة إلى جامعاتهم خارج المحافظة، متذرعة بـ”بخطورة الوضع وانعدام الأمان في الجامعات”، مع إصرار عناصرها على أن الحافلة “لن تتحرك” قبل نزول الطلاب منها. فوق ذلك، عملت المجموعة المسلحة على “الإساءة للطلبة وذويهم واستفزازهم”، كما أطلقوا “عبارات تهديد مبطنة”، ما دفع غالبية الطلبة إلى الامتثال لأوامرهم، بما فيهم غياث، بعد أن “فشلت محاولات الأهالي وشركات النقل في التدخل” لمتابعة الطلبة رحلتهم، كما قال لـ”سوريا على طول”.

غياث واحد من الطلبة الجامعيين الذين تركوا جامعاتهم وعادوا إلى السويداء، على خلفية التوترات والاعتداءات، التي وقعت خلال الأسابيع الماضية ضد أبناء المحافظة ذات الغالبية الدرزية، في الجامعات السورية، وبدأت شرارتها من السكن الجامعي في حمص، بسبب فيديو مسيء مفبرك، لتتحول إلى مواجهات مسلحة في مناطق الدروز في جرمانا وصحنايا بضواحي دمشق والسويداء.

بعد يوم من زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى باريس، في السابع من الشهر الحالي، انتشر فيديو يوضح لطلبة السويداء من الجامعات السورية، بسبب التوترات الطائفية ضدهم، ما أحدث ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد الضجة التي أحدثها الفيديو، أصدر وزير التربية والتعليم العالي مروان الحلبي قراراً يحظر فيه على أعضاء الهيئة التعليمية والطلاب والعاملين في الوزارة وكافة الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد العليا والجهات التابعة للوزارة نشر أو تداول أو ترويج أي محتوى يتضمن تحريضاً على الكراهية أو الطائفية أو العنصرية. وتعهدت وزارتا التعليم العالي والداخلية في حكومة دمشق، وكذلك محافظ السويداء، على تأمين عودة آمنة للطلبة وضمان سلامتهم. وقال المحافظ مصطفى البكور، الأربعاء الماضي، أن الدولة “ستتحمل كامل المسؤولية في حماية الطلاب ومنع أي تعديات جديدة”، معلناً استعداده الشخصي لمرافقة الطلاب إلى جامعاتهم.

لماذا عاد الطلبة؟

بعد التوترات الطائفية، التي جرت الشهر الماضي، عاد الكثير من طلبة السويداء إلى المحافظة، بضغط من عائلاتهم، الذين عبّروا عن “خوفهم على أبنائهم بسبب التجييش الطائفي”، كما قال غياث، الذي اضطر الرضوخ إلى ضغط أهله “الشديد” على حد قوله. بلغ عدد الطلبة الذين عادوا إلى السويداء من جامعة حلب فقط، حوالي 308 طالب وطالبة، بينهم طالب مصاب، ضمن عملية “الإجلاء الجماعي”، التي حدثت في السابع من أيار/ مايو الحالي، كما ذكرت شبكة السويداء 24، التي تعنى بتغطية أخبار المحافظة، مشيرة إلى أن جامعات حمص ودمشق واللاذقية وحماة شهدت أيضاً عمليات إجلاء مماثلة طالت آلاف الطلبة من أبناء السويداء “وسط مخاوف من تعرضهم للمزيد من العمليات الانتقامية”.

مقابل الطلبة العائدين، واصل العديد من أبناء السويداء دراستهم الجامعية في المحافظات الأخرى، كما هو حال ليث غانم، طالب سنة أولى في قسم المعلوماتية بجامعة حلب، الذي وصف العملية التعليمية في جامعته بأنها “تسير بشكل طبيعي”. “ما زلت في سكني الجامعي، وأحضر محاضراتي، ولم يتغير شيء من روتين دراستي”، قال غانم لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن زملاءه في الجامعة “كانوا يدعمون استمرار وجودنا في الجامعة وعدم العودة إلى السويداء”. واعتبر غانم ما جرى من أعمال عنف في جامعة حلب “عبارة عن تصرفات فردية”، وطيلة هذه الفترة “لم أشعر بأي تهديد أو تمييز كوني من السويداء”، على حد قوله. ورفض غانم منع الطلبة من العودة إلى جامعاتهم “بحجة الظروف المتوترة”، لأنها “بعيدة كل البعد عن واقع الجامعة”، مؤكداً على أن “الوضع مستقر، وهو لم يخرج عن السيطرة أساساً حتى في فترة التوتر”، كما أن “الجامعة ملتزمة كل الالتزام بالحفاظ على سلامة طلابها، وقدمت لطلاب السويداء الحماية” الكافية.

مركز انطلاق الحافلات (الكراج الشمالي) في مدينة السويداء
مركز انطلاق الحافلات (الكراج الشمالي) في مدينة السويداء، 19/ 05/ 2025، (شادي الدبيسي/ سوريا على طول)

“لن تخرجوا إلى جامعاتكم”

عندما حاول غياث وغيره من الطلبة العودة إلى جامعاتهم وعدم الامتثال للمجموعة المسلحة المحلية “أخذ الحوار منحى تصعيدي واستفزازي، وصاروا يتلفظون بكلام مهين، مثل: انتوا ما خايفين على بناتكم، وما في عندكم كرامة، ونحن في وضع حرب والحكومة إرهابية ولا نثق بها”، وفقاً له. المشكلة أن غالبية الطلبة الذين صادفهم غياث في الكراج “لديهم امتحانات عملية أو أنهم في الفصل الدراسي الأخير، أو لديهم مشاريع يجب تسليمها، بمعنى أنهم مضطرون للذهاب إلى الجامعة حتى لا يضيع عليهم عام دراسي”.

تعليقاً على ذلك، قال ، قائد المجموعة التي منعت الطلبة من مغادرة السويداء، أن “قرار منع الطلبة من الخروج إلى الجامعة كان بسبب الخوف عليهم من التعدي كما حصل في مرات سابقة من قبل فصائل متطرفة تسمي نفسها الأمن العام”. وأضاف جمول: “في المرة الماضية واجهنا صعوبة في إعادة طلاب السويداء من جامعاتهم بعد التعديات عليهم، ودفعنا تكاليف عودتهم من جيوبنا الخاصة وعلى حساب الفصائل العسكرية”. وبينما عبّر الطلبة الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول” عن استيائهم من منع عودتهم، قال جمول: “لنعتبر أن تعليق الدراسة حالياً يشبه ما جرى في فترة مرض كورونا عندما توقفت الجامعات”، مضيفاً: “أنا لست عدواً للطالب ولكن لا داعي لهذه السنة”.

ورقة ضغط

“هناك محاولات لتسييس ملف طلاب السويداء من كل الأطراف”، لأنه يعتبر “ورقة قوة وضغط بيد من يملكه، وكل الطلبة وذويهم يدركون ذلك اليوم”، قال غياث، معتبراً أن “بقاء الطلاب في السويداء دون دراسة هو بمثابة ورقة ضغط بيد الأطراف المحلية في السويداء ضد الحكومة على أنها حكومة إرهابية لا أمان فيها”. في المقابل، تحاول الحكومة سحب ورقة الضغط هذه بـ”استغلال عودة الطلبة للتأكيد على أنها قادرة على حمايتهم من أي خطر”.

ورغم أن حادثة المنع لم تحظ بتأييد من مشيخة العقل أو من غرفة العمليات المشتركة، إلا أن ما حدث يشير إلى أن “كل شيء منظم، وعندما أصرينا على الذهاب للجامعات تعرضنا للتهديد المبطن”، بحسب غياث. من جهته، اعتبر الدكتور نضال أبو صبح، عضو التجمع المدني في السويداء، أن منع الطلبة من العودة إلى جامعاتهم “هو تعدٍّ على أحد حقوق المواطن المتمثل بحق التعلم، وهو فعل مشابه بالعمل ومعاكس بالاتجاه لما حصل من تجييش على مستوى بعض المدن الأخرى”. وهذا لا ينفي أن ما حصل في الجامعات من أعمال عنف “أفعال مخالفة للقانون تستوجب المساءلة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

“لا يختلف من قام بالتجييش وتخويف الطلاب طائفياً في المدن الجامعية عن الذي يقوم اليوم بمنع الطلاب من الخروج إلى جامعاتهم طلباً للعلم، وكلا الفعلين يستحقان المساءلة القانونية”، بحسب أبو صبح، واصفاً هؤلاء بأنهم “فلول لا قانونية، وجماعات لا تخضع للمساءلة تحاول تسييس ملف الطلاب لتحقيق مكاسب سياسية”. وشدد أبو صبح على ضرورة “فصل ملف الطلاب عن السياسة والتسييس، لأن الطلبة هم عجلة التعافي المبكر للبلاد”.

رداً على ذلك، قال جمول: “ملف الطلبة هو ورقة ضغط علينا، هم يريدون أن يخرجوا طلابنا إلى خارج السويداء لاستخدامهم ورقة ضغط”، مشيراً إلى أن “الاعتداءات في الجامعات ما تزال مستمرة”. وأكد جمول على أن “منع الطلاب هو توجه عام في الجبل. نحن كغرفة عمليات عسكرية، إضافة إلى المرجعيات الدينية مفوضون بفعل ما نراه مناسباً لمصلحة الطائفة”، مستدركاً: “الشيخ حكمت الهجري لم يرفض ولم يوافق على منع الطلبة، لكنه فوضنا بفعل ما هو مناسب لمصلحة الطائفة”. ودافع جمول عن قرارهم بمنع خروج الطلاب بالقول أن “المعركة لم تتوقف، وفي أي لحظة قد تندلع، لذا نحن لا نريد أن يكون أبناؤنا خارج المحافظة وقتها”.

في 14 أيار/ مايو الحالي، قال محافظ السويداء الدكتور مصطفى بكور: “أنا جاهز لأذهب مع طلاب السويداء إلى أي جامعة، وألتقي مع طلابها لرأب الصدع وإزالة الخوف”، في محاولة لحث الطلبة على العودة إلى جامعاتهم. مضيفاً: “حماية الطلاب مسؤولية الدولة، اتفقت مع وزير التعليم العالي على الحزم في تطبيق القرار، وأنا جاهز لمتابعة تطبيقه على أرض الواقع”. وفي يوم السبت الماضي، رافق بكور عدداً من أساتذة الجامعات من محافظة السويداء إلى جامعاتهم، مؤكداً على أن “البيئة التعليمية الصحيحة مسؤولية الدولة”.

تعليقاً على ذلك، قال جمول: “هناك تواصل مع بكور، لكن لا يوجد ضمانات حقيقية بالنسبة لنا”، معتبراً أن مرافقة المحافظ بكور للطلبة “ليس ضمانة حقيقية”، متسائلاً: “من يضمن سلامة الطلاب بعد وصولهم؟”. وأضاف جمول: “ملف الطلاب هو جزء من موضوع أكبر. ما نريده هو دولة ديمقراطية إنسانية تكفل حقوق الإنسان، وبرلمان ورئيس منتخب، عندما يحدث ذلك نستطيع القول أن الطلبة في آمان وبخير ويمكن إرسالهم إلى الجامعات”.

هل عاد الهدوء إلى الجامعات؟

قبل اتخاذ قرار العودة إلى الجامعة، اتصل غياث بزملائه في جامعة اللاذقية من أبناء السويداء، وأخبروه أن “الوضع آمن، ويدرسون ويمارسون حياتهم”، ولكن “هناك حالة حذر دائم”، وفقاً له. لم يتعرض غياث أو أي من الطلاب الذين يعرفهم لأي “تهديدات شخصية في الجامعة أو في المدينة الجامعية التابعة لها”، لافتاً إلى أن “السكن الجامعي مختلط من كل الأماكن والطوائف والإثنيات، وفيه تعايش كبير كما لو أنه سوريا المصغرة”، على حد وصفه.

رغم منع الطلاب، استطاع سامر يحيى (اسم مستعار) الذهاب إلى جامعة دمشق، وهو طالب طب بشري، لافتاً إلى أن “الأجواء كانت طبيعية في الجامعة، واستقبلني زملائي من بقية المحافظات وحمدوا الله على سلامتي، وكان اليوم الأول طبيعياً في كليتي التي لم تشهد أي نعرات طائفية”. ومع ذلك، يحاول يحيى أخذ الاحتياطات اللازمة، من قبيل: “عدم الخروج بعيداً عن المدينة الجامعية، والبقاء منتبهاً، لأن الحذر واجب”، كما قال لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته حفاظاً على سلامته.

وطالب يحيى إدارة جامعة دمشق بـ”تشكيل لجان طلابية للتنسيق مع الأمن في حال تعرض أي شخص لأي عنف أو تحريض طائفي”. وكما هو حال يحيى، أكد أربعة طلاب من أبناء السويداء يتواجدون حالياً في جامعات دمشق وحلب واللاذقية على أن الأوضاع عادت للاستقرار في جامعاتهم.

قالت عبير، طالبة من السويداء تدرس في جامعة دمشق، أن “الأجواء في الجامعة طبيعية جداً ولم تشهد أي تحريض أو تمييز”، واعتبرت أن “منع الطلاب بالقوة من الذهاب إلى جامعاتهم ليس حلاً”، لافتة إلى أن العديد من الطلاب “يستدينون المال لدفع تكاليف دراستهم ولا يملكون رفاهية عرقلة دراستهم”. ورغم أن “الخوف مبرر، وما حدث مرعب، لكن يجب أن نتعامل بوعي”، بحسب عبير، التي شددت في حديثها لـ”سوريا على طول” على أن الحل “لا يكون في تقوقع كل طائفة على نفسها”.

ودعا الدكتور نضال أبو الصبح إلى تحييد الجامعات عن السياسة بشكل مطلق، مشدداً على ضرورة “منع التجييش الطائفي والسياسي، وإصدار قوانين ملزمة للجامعات والطلاب تحت عقوبات الفصل الدائم والسجن والمطالبة القضائية خاصة في هذا الوقت، من أجل تجاوز المرحلة الانتقالية الحساسة”. “الطلاب هم أساس النجاح وتحقيق التعافي المبكر لسوريا، والنهوض بها من بلد ما قبل الدولة إلى مرحلة الدولة”، لذا يتعين على الدولة أن تعمل على “إعادة الأمان للطلاب” وإصدار القرارات اللازمة لذلك، بحسب أبو الصبح، لافتاً إلى أن “تراخي الأجهزة الأمنية في التعامل مع حالات التجييش داخل الجامعات كان سبباً في تغول جهات منفلتة داخل المدن الجامعية”، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى “تفتيت المجتمع وتطييفه”.

مشاركة المقال: