الإثنين, 17 نوفمبر 2025 11:40 PM

الشباب وإدمان الإنترنت: كيف نواجه تحديات العصر الرقمي؟

الشباب وإدمان الإنترنت: كيف نواجه تحديات العصر الرقمي؟

في عصر أصبحت فيه الشاشات نوافذنا إلى العالم، يتزايد تأثير الإنترنت على حياة الشباب في مجتمعنا بشكل ملحوظ. السيدة هالة عبد الكريم، أم لثلاثة طلاب في المرحلة الإعدادية، تقول: "اعتقدت أن السماح لأطفالي باستخدام الإنترنت بحرية سيساعدهم في دراستهم، لكنني لاحظت أنهم أصبحوا أكثر توتراً وعزلة، ويعيشون في حالة من الشرود الدائم والتعلق بأمور خيالية. لذلك بدأنا بتحديد ساعات معينة لاستخدام الإنترنت، وخصصنا وقتاً للعائلة بدون هواتف. تدريجياً، تحسن تفاعلهم وأصبحوا أكثر تركيزاً".

مع الانتشار الواسع للهواتف الذكية التي تهدد التوازن النفسي والاجتماعي لجيل كامل، توضح الاختصاصية التربوية رشا النجار أن الإنترنت، على الرغم من فوائده الكثيرة، إلا أنه سلاح ذو حدين. فمن جهة، فتح أمام الشباب السوري آفاقاً جديدة للتعلّم الذاتي، والاطلاع على تجارب الشعوب الأخرى، والمشاركة في النقاشات الفكرية والثقافية. كما أسهم في دعم التعليم الإلكتروني خلال فترات الانقطاع أو الأزمات، وأتاح فرص عمل حُرّ عبر المنصات الرقمية. ولكن من جهة أخرى، أدى الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الألعاب إلى تراجع الاهتمام بالدراسة والعلاقات الاجتماعية، وزيادة مستويات التوتر والعزلة.

وتضيف النجار أن ملاحظات ميدانية من بعض المدارس في دمشق وريفها تشير إلى أن عدداً متزايداً من الطلاب يقضون أكثر من عشر ساعات يومياً أمام الشاشات، مما ينعكس سلباً على نومهم وتركيزهم وصحتهم الجسدية.

وعن علامات الإدمان ومؤشرات الخطر، توضح الاختصاصية التربوية أن إدمان الإنترنت لا يظهر فجأة، بل يتسلل بهدوء إلى حياة المستخدم حتى يفقد السيطرة على الوقت والانتباه. ومن أبرز المؤشرات التي يمكن أن يلاحظها الأهل والمعلمون: الانعزال عن الأسرة والأصدقاء والرغبة في البقاء منفرداً مع الهاتف أو الحاسوب، وانخفاض الأداء الدراسي وتراجع الدرجات بسبب السهر المستمر، بالإضافة إلى العصبية الزائدة أو القلق عند انقطاع الإنترنت أو ضياع الهاتف، وإهمال النشاطات الرياضية والاجتماعية، واضطرابات النوم وفقدان الشهية. هذه العلامات جميعها، كما يقول الخبراء، يجب ألا تُهمل، لأنها تشير إلى بداية اعتماد نفسي وسلوكي على العالم الرقمي الذي قد يتطور لاحقاً إلى اضطراب يحتاج إلى تدخل مهني.

نظرة من الميدان

في جولة على عدد من المدارس، أكد عدد من الأساتذة في مدارس دمشق وريفها أنه في السنوات الأخيرة لوحظ ارتفاع في عدد المراهقين الذين يقضون ساعات طويلة على الإنترنت دون وعي بالوقت. إذ يجد الكثير منهم في العالم الافتراضي وسيلة للهروب من ضغوط الحياة اليومية أو مشاعر الوحدة، مما يخلق حالة من الانفصال التدريجي عن الواقع. لذلك تؤكد النجار أن التوعية المبكرة ضرورية جداً، فمراقبة الأهل ليست هدفها المنع، بل الإرشاد نحو الاستخدام المتوازن، ولا بد من تحديد أوقات محددة للشاشات وتشجيع الطفل أو الشاب على ممارسة نشاطات ميدانية تحفز طاقاته الإيجابية.

وتلفت النجار إلى أن تفاقم هذه الظاهرة في سوريا يرتبط جزئياً بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها المجتمع خلال السنوات الأخيرة. فكثير من الأسر تعيش ضغوطاً تجعل الأهل مشغولين عن متابعة أبنائهم، في حين يجد الشباب في الإنترنت مهرباً من القلق والبطالة والفراغ. كما أن ضعف توفر المساحات العامة الآمنة للترفيه أو النشاطات الثقافية يدفع المراهقين إلى استبدال التواصل الواقعي بالافتراضي.

وحول الحلول والتدخلات الممكنة

لمعالجة هذه الظاهرة، تؤكد النجار أنه لا بد من تنفيذ مجموعة من الخطوات العملية التي تبدأ من داخل الأسرة وتمتد إلى المدرسة والمجتمع: مثل تنظيم الوقت عبر وضع جدول يومي لاستخدام الإنترنت، بحيث يتناسب مع الدراسة والراحة والنشاط البدني، وتعزيز البدائل الواقعية كتشجيع الرياضة والقراءة والرسم والمشاركة في الأعمال التطوعية، والتثقيف التكنولوجي بإقامة ورش عمل توعوية للأهالي والطلاب حول الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا، وأيضاً الرقابة الذكية التي لا تكون بالمنع القسري، بل بالحوار والإقناع وتقديم القدوة الحسنة في الاستخدام المعتدل، دون أن ننسى الدعم النفسي عند ظهور بوادر قلق أو اكتئاب، حيث يجب عدم التردد في استشارة مختصين نفسيين.

وفيما يخص دور الإعلام والمدرسة

في هذا السياق، تشير النجار إلى أن وسائل الإعلام تلعب دوراً مهماً في توعية المجتمع من خلال نشر قصص واقعية وتحقيقات حول آثار الإدمان الرقمي. كما يُفترض بالمدارس أن تكون مركزاً للتربية الرقمية، تُدرّس فيها مهارات إدارة الوقت والتفكير النقدي وكيفية التمييز بين المحتوى المفيد والمضلل، فالمدرسة ليست فقط مكاناً للتعلّم الأكاديمي، بل بيئة لصناعة الشخصية المتوازنة القادرة على التعامل مع التكنولوجيا بثقة ووعي. مشيرة إلى أنه في زمن يصعب فيه فصل الإنترنت عن حياتنا، يبقى التوازن هو الحل، لذلك يمكن للشباب أن يستخدموا التكنولوجيا كجسر للعلم والمعرفة، دون أن يسمحوا لها بابتلاع وقتهم وحياتهم. كما أن المشكلة ليست في الإنترنت ذاته، بل في الطريقة التي نستخدمها، وبالتالي من يتعلم إدارة وقته على الشبكة يستطيع تحويلها إلى أداة نجاح، بينما من يستسلم لإغراءاتها سيجد نفسه غارقاً في عزلة رقمية صامتة.

نحو جيل رقمي متوازن

وأخيراً تؤكد النجار أن جيل اليوم هو جيل الغد الرقمي، والمسؤولية تقع على الجميع لتوجيهه نحو الاستخدام الواعي للتكنولوجيا، كما لا يمكن إنكار أن الإنترنت جزء أساسي من مستقبل سوريا في التعليم والاقتصاد وحتى في الخدمات الحكومية، لكن الاستخدام المفرط دون وعي قد يهدد استقرار هذا المستقبل. لذلك لا بد أن يكون الوعي هو السلاح، فإدمان الإنترنت ليس قدراً محتوماً، بل تحد حضاري يمكن تجاوزه بالوعي والانضباط. الشباب السوري يمتلك من الذكاء والإرادة ما يجعله قادراً على تسخير الإنترنت في خدمة العلم والبناء، لا أن يكون أسيراً له.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة

مشاركة المقال: