الخميس, 25 سبتمبر 2025 05:47 PM

الشرع يعيد سوريا إلى الدبلوماسية الدولية من بوابة الأمم المتحدة بلقاءات مكثفة في نيويورك

الشرع يعيد سوريا إلى الدبلوماسية الدولية من بوابة الأمم المتحدة بلقاءات مكثفة في نيويورك

بعد غياب دام أكثر من ستة عقود عن منصة الأمم المتحدة، عادت سوريا إلى صدارة المشهد الدولي بمشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في الدورة الثمانين للجمعية العامة. لم تقتصر هذه المشاركة على الحضور الشكلي، بل كانت بمثابة إعلان عن رغبة دمشق في استعادة مكانتها على الساحة الدولية بعد سنوات من الحرب والعزلة الاقتصادية والسياسية، وذلك من خلال سلسلة من الاجتماعات الثنائية مع قادة العالم.

واشنطن وباريس: إشارات أولية للتواصل

من أبرز محطات زيارة الشرع كان لقاؤه بالرئيس الأميركي، وهو الاجتماع الثاني بينهما بعد لقائهما في الرياض في مايو الماضي. جرى خلال اللقاء تداول ملفات العقوبات والتعاون الأمني وإعادة اللاجئين، دون الإعلان عن تفاصيل محددة. يشير هذا الاجتماع الثاني إلى استمرار قنوات التواصل المحدودة بين دمشق وواشنطن بعد سنوات من القطيعة.

ركز اللقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على فرص الاستثمار وإعادة الإعمار، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة، بالإضافة إلى قضية اللاجئين السوريين في أوروبا. شددت باريس على ربط أي تعاون اقتصادي بخطوات سياسية واضحة من جانب دمشق.

غوتيريش والأمم المتحدة: دفع عملية الانتقال السياسي

استقبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الرئيس السوري أحمد الشرع، مؤكدًا على أهمية تعزيز الانتقال السياسي في سوريا من خلال حوار شامل ومشاركة واسعة. وأكد غوتيريش على ضرورة الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، معربًا عن قلقه إزاء أي انتهاك للاتفاقية الموقعة مع إسرائيل عام 1974. من جانبه، أكد الشرع استعداد دمشق للمشاركة الجادة في العملية السياسية، مشددًا على أن أي تقدم يجب أن يقترن بتخفيف العقوبات وفتح آفاق الدعم الدولي لإعادة الإعمار، مما يعكس دمج الطموحات السياسية مع الاحتياجات الاقتصادية للشعب السوري.

زيلينسكي وأوكرانيا: استئناف العلاقات وبناء الثقة

بشكل غير متوقع، التقى الشرع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث أعلنت أوكرانيا وسوريا استئناف العلاقات الدبلوماسية رسميًا. وأكد زيلينسكي على توقيع بيان مشترك يدعم استقرار سوريا ويعزز التعاون المشترك في القطاعات الواعدة، بالإضافة إلى التباحث حول التهديدات الأمنية المشتركة وسبل مواجهتها. وأكد الطرفان أن العلاقة المستقبلية ستكون مبنية على الاحترام والثقة المتبادلين، في خطوة دبلوماسية كبيرة تُظهر قدرة سوريا على إعادة بناء جسور التواصل مع دول أوروبا الشرقية.

أنقرة ودمشق: تحركات مشتركة في ظل مرحلة جديدة

التقى الشرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تم بحث العلاقات الثنائية بين أنقرة ودمشق، إلى جانب قضايا إقليمية بارزة، بحسب بيان الرئاسة التركية. وأكد أردوغان تطلع بلاده إلى رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا في أقرب وقت ممكن، مشددًا على أهمية المبادرات التي تحافظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها. كما شدد على ضرورة التزام “قسد” باتفاق 10 مارس/آذار مع دمشق، مؤكدًا استمرار دعم تركيا لسوريا بوتيرة متصاعدة، في وقت تبذل فيه الحكومة السورية جهودًا لضبط الأمن منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.

لقاءات أخرى مع قادة دوليين

أجرى الشرع سلسلة لقاءات مكثفة مع قادة أوروبيين وعرب وآسيويين. فقد التقى قبل ذلك رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني في مقر البعثة الإيطالية بنيويورك، بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والوفد المرافق، حيث تناول الحوار التعاون الاقتصادي والسياسي بين دمشق وروما. كما التقى الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، أيضًا بحضور الوزير الشيباني، في خطوة اعتُبرت تعزيزًا لعلاقات دمشق مع الدول الأوروبية. في اليوم نفسه، أجرى الشرع عدة لقاءات مع قادة عرب، شملت أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، بحضور وزير الخارجية والوفد السوري المرافق، في إطار إعادة توسيع شبكة العلاقات العربية لسوريا بعد سنوات طويلة من الانقطاع.

خطاب استعادة الدور والمطالب الاقتصادية

ألقى الشرع خطابًا أمام الجمعية العامة ركز فيه على أولويات الحكومة السورية في المرحلة الحالية، وعلى رأسها رفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، معتبرًا أن هذه الإجراءات “تكبل الشعب السوري وتعرقل مسيرة التعافي”. كما أكد أن بلاده “تستعيد مكانتها بين الدول”، في إشارة واضحة إلى مساعي دمشق للانخراط مجددًا في المنظومة الدولية. الخطاب لم يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل شمل تحليلًا للوضع الإقليمي. فقد هاجم الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مذكرًا المجتمع الدولي بالتزام دمشق باتفاق فك الاشتباك لعام 1974، وأعرب عن تضامنه مع الفلسطينيين، داعيًا إلى وقف فوري للحرب في غزة. ويعكس هذا الموقف رغبة الشرع في تقديم صورة سوريا كدولة مسؤولة عن قضايا المنطقة، تسعى إلى حماية مصالحها واستعادة دورها الإقليمي.

بداية طريق طويل

تشكل مشاركة الرئيس الشرع في نيويورك خطوة أولى نحو إعادة سوريا إلى المشهد الدولي بعد سنوات طويلة من العزلة. لكن الطريق أمام دمشق ما يزال محفوفًا بالتحديات، من العقوبات وملف الانتقال السياسي إلى قضية اللاجئين والتوترات الإقليمية. تمثل الزيارة بداية مسار دبلوماسي طويل، أقرب إلى انطلاقة مرحلة جديدة في السياسة السورية أكثر منها نهاية لأزمة ممتدة، وتضع علامات استفهام حول قدرة الحكومة على تحقيق اختراقات سياسية واقتصادية ملموسة في المستقبل القريب.

مشاركة المقال: