"قانون قيصر": العقبة الأكبر أمام رفع العقوبات الأميركية
في ظل التفاؤل برفع الاتحاد الأوروبي لبعض العقوبات الاقتصادية عن سوريا، ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب (سابقاً) عن نيته رفع العقوبات ولقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية، بدأت المناقشات بين الإدارة الأميركية والكونغرس لتحديد العقوبات التي سيتم رفعها وتلك التي ستبقى، خاصةً المفروضة على نظام الأسد، ووضع جدول زمني للرفع المتوقع.
تهدف العقوبات المفروضة على سوريا، والتي يعود بعضها لعقود، إلى الضغط على نظام الأسد لإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان ووقف العنف ضد المدنيين، والمضي قدماً نحو حل سياسي للصراع السوري. ويُعتبر "قانون قيصر" لحماية المدنيين في سوريا أبرز وأشمل تشريع عقوبات استهدف سوريا في السنوات الأخيرة.
ما هو "قانون قيصر"؟
صدر "قانون قيصر" في يونيو (حزيران) 2020، وسمي باسم منشق عسكري سوري سرّب صوراً توثق التعذيب والانتهاكات في سجون الأسد. يهدف القانون إلى محاسبة نظام الأسد وداعميه على جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، ويفرض عقوبات ثانوية تستهدف الأفراد والكيانات غير الأميركية التي تتعامل مع الحكومة السورية في قطاعات مثل البناء والطاقة والدعم العسكري.
تشمل القطاعات المستهدفة البناء والهندسة والطاقة والقطاعات العسكرية المرتبطة بنظام الأسد. وتتضمن الأفعال الخاضعة للعقوبة تقديم السلع أو الخدمات أو التمويل للحكومة السورية أو مؤسسات الدولة الرئيسية، أو دعم العمليات العسكرية السورية، أو المشاركة في أنشطة إعادة إعمار مهمة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
جعل "قانون قيصر" من الصعب على الشركات الأجنبية الاستثمار في إعادة إعمار سوريا دون المخاطرة بالعقوبات الأميركية، مما يجمّد فعلياً جهود إعادة الإعمار ما لم يكن هناك إصلاح سياسي. وحتى في حال رفع القانون، فإن العودة إلى تطبيقه قد لا تكون سهلة، حيث تتطلب توافقات حزبية وسياسية وتنسيقاً دولياً وإقليمياً.
قبل "قانون قيصر"، صدرت عقوبات أميركية رئيسية ضد سوريا منذ عام 1979، أبرزها بعد عام 2004 على شكل أوامر تنفيذية رئاسية يمكن رفعها بسهولة نسبية بأوامر مضادة، على خلاف القوانين التي تحتاج إلى موافقة الكونغرس.
في عام 2004، صدر الأمر التنفيذي 13338 رداً على دعم سوريا للإرهاب وأعمالها في لبنان والعراق. وفي عام 2011، صدر الأمر التنفيذي 13572 بعد الثورة السورية، واستهدف الأفراد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. كما صدر الأمر التنفيذي 13582 الذي يحظر على الأشخاص الأميركيين جميع المعاملات التي تشمل الحكومة السورية، ويُجمد أصول الحكومة السورية في الولايات المتحدة. وعام 2012 فرضت عقوبات إضافية على قطاعي النفط والمصارف.
فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية عقوبات على قائمة بالأشخاص والكيانات المحددين، والتي تشمل بشار الأسد وعائلته، ومسؤولي الجيش والاستخبارات السوريين، وشخصيات الأعمال والكيانات الداعمة للنظام.
بين عامي 2014 و2017 فرضت عقوبات إضافية على كيانات إيرانية وروسية تدعم الجهود العسكرية للأسد. وفرض المكتب عقوبات على مصرف سوريا المركزي، مما يُقيد بشدة قدرته على إجراء المعاملات الدولية. وأصدرت وزارة الخزانة "إعفاءات إنسانية"، تشمل توصيل الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية، ومواجهة جائحة "كوفيد – 19" والمساعدات الصحية الأخرى. ومع ذلك، غالباً ما تُقوّض هذه الإعفاءات بسبب "الامتثال المفرط" أو "تخفيف الأخطار"، حيث تتجنب الشركات والبنوك أي معاملات متعلقة بسوريا لتجنب أي انتهاكات محتملة.
باختصار، يُعدّ "قانون قيصر" أقوى أداة في نظام العقوبات الأميركية ضد سوريا؛ إذ يفرض عقوبات ثانوية تُثني عن الدعم الأجنبي لنظام الأسد، وخاصةً في مجال إعادة الإعمار. وقد أدّت هذه العقوبات، إلى جانب أوامر تنفيذية سابقة وإجراءات وزارة الخزانة، إلى شلّ الاقتصاد السوري وعزله دبلوماسياً، رغم السماح بتقديم الإغاثة الإنسانية في ظل ظروف محددة.
العقوبات الأوروبية والدولية
لم تكن العقوبات الأميركية هي الوحيدة المفروضة على سوريا؛ إذ فرض الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي عقوبات واسعة النطاق أيضاً منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011. وتهدف هذه العقوبات، شأنها شأن العقوبات الأميركية، إلى الضغط على نظام الأسد لوقف انتهاكاته لحقوق الإنسان والامتثال لجهود السلام الدولية.
فرض الاتحاد الأوروبي عام 2011 قراراً حمل رقم 273، يتجدد بانتظام ويمتد حالياً حتى 1 يونيو (حزيران) 2025، يجمد الأصول ويحظر السفر، لأكثر من 300 فرد وأكثر من 70 كياناً. ويشمل بشار الأسد، وكبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين، ونخب رجال الأعمال، والشركات المرتبطة بالنظام. كما يفرض حظراً على استيراد النفط السوري، وحظر الاستثمار في هذا القطاع وما يتصل به من تكنولوجيا أو خدمات مالية.
كما فرض قيوداً على المعاملات المالية، حيث حظر المعاملات التي تشمل مصرف سوريا المركزي داخل الاتحاد الأوروبي. وحظر تقديم القروض أو التأمين أو الخدمات المالية للكيانات المدرجة، وقيوداً تجارية وحظر الأسلحة والذخيرة، عبر منع توريدها أو التدريب ذي الصلة. كما حظر السلع والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن استخدامها في القمع الداخلي أو المراقبة. وحظر رحلات الشحن السورية إلى الاتحاد الأوروبي وتصدير وقود الطائرات إلى سوريا.
عام 2016، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شخصيات أعمال ومجموعات إعلامية سورية تستهدف المقربين من الأسد، من رجال الأعمال البارزين (مثل رامي مخلوف)، والشركات التي تمول النظام أو تشارك في جهود إعادة الإعمار. وعلى غرار الولايات المتحدة، يسمح الاتحاد الأوروبي بإعفاءات للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والدواء والمساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية.
غياب العقوبات الأممية
رغم كون سوريا منطقة صراعات، لم تتعرض لعقوبات من الأمم المتحدة، بسبب حق النقض (الفيتو) من قبل روسيا والصين، وهما حليفتان رئيسيتان لنظام الأسد. ومع ذلك، أصدرت الأمم المتحدة قرارات تطالب بوقف إطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية، ونزع الأسلحة الكيميائية (على سبيل المثال، قرار مجلس الأمن رقم 2118 بشأن الأسلحة الكيميائية عام 2013).
في المقابل، فرضت دول عدة ومجموعات إقليمية عقوبات على سوريا، كبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، حيث طبقت عقوبات مماثلة ووسعتها بموجب قوانينها الخاصة، حيث أبقت على تجميد الأصول، وحظر السفر، والقيود على التجارة والتمويل مع نظام الأسد. وطبقت كندا عقوبات بموجب قانون التدابير الاقتصادية الخاصة، تشمل تجميد الأصول وحظر التعامل مع كبار المسؤولين السوريين والشركات المرتبطة بالنظام. كما فرضت أستراليا عقوبات على الأفراد والكيانات، وقيوداً على صادرات ومعاملات الأسلحة. وفي عام 2011، علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا وفرضت عقوبات محدودة، كانت رمزية إلى حد كبير، وطُبّقت بشكل غير متساوٍ.