كشف تحقيق موسع لصحيفة الغارديان البريطانية من مدينة تدمر عن تصاعد حاد في عمليات نهب وتهريب الآثار السورية وبيعها عبر الإنترنت، خاصة بعد حالة الفوضى التي أعقبت الأحداث الأخيرة. وأشار التحقيق إلى أن الكنوز التاريخية السورية تُعرض الآن للبيع علنًا على منصات مثل فيسبوك، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية وتزايد الفقر.
وصف التحقيق الظاهرة بـ "حمّى الذهب الأثري" التي تجتاح البلاد، حيث أصبحت المقابر والمواقع الأثرية أهدافًا مباشرة للمنقبين غير الشرعيين، مع غياب الرقابة الفعالة. ونقل التحقيق عن محمد الفارس، وهو من سكان تدمر وناشط في منظمة "تراث من أجل السلام"، أن عمليات الحفر تتم ليلاً في المدافن القديمة، مما يدمر الطبقات الأثرية ويفقدها سياقها التاريخي. وفي أحد المواقع، وُثِّقت حفرة بعمق ثلاثة أمتار تركها اللصوص بحثًا عن كنوز جنائزية يمكن بيعها بآلاف الدولارات.
كما رصد مشروع ATHAR، المتخصص في تتبع تهريب التراث، أن حوالي ثلث عمليات التهريب في سوريا منذ عام 2012 حدثت خلال الأشهر الستة التي تلت الأحداث الأخيرة، وفقًا للباحث عمرو العظم. وأضاف التحقيق أن عمليات النهب تشمل الآن فقراء يبحثون عن مصادر دخل، بالإضافة إلى شبكات تهريب منظمة تستخدم معدات ثقيلة وتعمل بشكل ممنهج في مواقع أثرية مثل تل شيخ علي في ريف السلمية.
تضمن التقرير أدلة مرئية على بيع الآثار، بما في ذلك عرض فسيفساء رومانية للإله زيوس، ظهرت في صورة وهي لا تزال مدفونة في الأرض، ثم ظهرت لاحقًا بعد استخراجها بالكامل، بالإضافة إلى منشورات على فيسبوك تروج لبيع عملات وتماثيل حجرية علنًا.
على الرغم من أن شركة "ميتا" المالكة لفيسبوك أعلنت في عام 2020 حظر بيع القطع الأثرية، إلا أن الباحثة كايتي بول أكدت أن عشرات المجموعات لا تزال نشطة بشكل علني، وتعرض قطعًا نادرة أمام مئات الآلاف من المتابعين. وحذّر تحقيق الغارديان من أن هذه المجموعات تمثل حلقة وصل بين المنقبين المحليين وشبكات تهريب دولية، تنقل القطع إلى الأردن وتركيا، قبل أن تصل إلى السوق العالمية، حيث تُزوَّر أوراق ملكيتها لعرضها في المزادات الدولية.
في محاولة للحد من هذه العمليات، أطلقت الحكومة السورية حملات توعية، تضمنت تهديدات بالسجن تصل إلى 15 عامًا، وعروضًا بمكافآت مالية مقابل تسليم القطع بدلاً من تهريبها. ومع ذلك، أشارت الصحيفة إلى ضعف الإمكانات الرسمية في دمشق، بسبب انشغال الحكومة بإعادة الإعمار وتثبيت سلطتها.
واختتم التقرير بالتأكيد على أن المسؤولية لا تقع على عاتق السوريين وحدهم، بل تمتد إلى الدول الغربية التي تمثل السوق الرئيسية لهذه الكنوز المنهوبة. واختتم عمرو العظم التحقيق بالقول: "ما لم يتوقف الطلب في الغرب، لن يتوقف العرض في سوريا".