يرى م. حسان نديم حسن أن الإدارة ليست مجرد إجراءات بيروقراطية لتسيير المؤسسات، بل هي جوهر القيادة الذي يحدد قدرة المؤسسة على تحويل الأفكار إلى واقع والطموحات إلى إنجازات. فالإدارة الحقيقية هي البوصلة التي توجه والرافعة التي تترجم الموارد إلى قيمة، وهي العقل الذي يرسم مستقبل المؤسسة.
عندما تغيب هذه الوظيفة القيادية، تفقد المؤسسة فاعليتها وتتحول إلى جسم ثقيل بلا روح، يكرر حركاته الرتيبة في دائرة من الجمود والمماطلة. قد تضطر الظروف أحيانًا إلى اللجوء إلى سياسة تصريف الأعمال لضمان استمرارية الخدمات في الفترات الانتقالية أو عند حدوث فراغ إداري، ولكن الخطر يكمن في تحول هذا الحل المؤقت إلى قاعدة دائمة للعمل.
في هذه الحالة، تدار المؤسسات بمنطق الحد الأدنى ويتكرر الروتين اليومي دون أي قرارات إصلاحية أو توجهات استراتيجية، مما يؤدي إلى ضياع الفرص وهدر الوقت الإداري في إدارة الوقت بدلًا من صناعة المستقبل. وتتفاقم المشكلة عندما تدار المؤسسات بعقلية المركزية الصارمة، حيث يؤدي حصر القرار في المستويات العليا وتجريد الوحدات التنفيذية من صلاحياتها إلى بيروقراطية خانقة وتأخير في إنجاز العمل واتساع الفجوة بين الإدارة والمجتمع.
صحيح أن المركزية قد توفر وحدة شكلية للقرار، لكنها في الواقع تقتل المرونة وتعطل المبادرة وتحول الجهاز الإداري إلى هيكل ضخم بطيء لا يستجيب للمتغيرات بالسرعة والمرونة اللازمتين. وعندما تجتمع سياسة تصريف الأعمال مع المركزية المفرطة، نجد أنفسنا أمام إدارة بلا رؤية استراتيجية مقيدة بهيكلية مثقلة تمنعها من التحرك، والنتيجة الحتمية هي حالة جمود إداري مزمن تهدر فيه الطاقات وتضيع الفرص ويتكرس شعور عام بالعجز وفقدان الثقة بقدرة الإدارة على قيادة المؤسسة نحو أهدافها.
يتطلب كسر هذه الحلقة إعادة تعريف الإدارة بوصفها جهازًا قياديًا لا مجرد أداة لتسيير الأعمال، وهذا يقتضي تفويضات فعلية ومدروسة تمنح المستويات التنفيذية مرونة القرار مقرونًا برقابة شفافة، بالإضافة إلى خطط استراتيجية طويلة الأمد تضمن استمرارية العمل بعيدًا عن منطق المؤقت. كما يفرض اعتماد حوكمة حديثة تقوم على التحول الرقمي الحقيقي وقياس الأداء بما يحول الجهاز الإداري إلى بيئة ديناميكية وفعالة.
إنها حاجة إلى ثقافة إدارية جديدة تكسر الجمود وتعزز المبادرة والمسؤولية وتربط الإنجاز بالمحاسبة. إن جوهر المشكلة لا يكمن في ندرة الموارد بل في عقلية إدارية تستسلم لمنطق "الأقل الممكن" وتختبئ خلف جدار المركزية المفرطة. التنمية تتحقق بإدارة تملك الجرأة على القرار والقدرة على التجديد والرؤية التي توازن بين ضرورات الحاضر واستحقاقات المستقبل.
فالرهان اليوم هو على ممارسة الإدارة لدورها كعقل قيادي مرن ومسؤول يحول المؤسسات من كيانات مثقلة بالجمود إلى محركات فاعلة للتنمية والتغيير.
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)