الإثنين, 20 أكتوبر 2025 05:01 PM

المغرب يطلق مرحلة جديدة من التنمية الترابية وإصلاحات مؤسسية شاملة بقيادة محمد السادس

المغرب يطلق مرحلة جديدة من التنمية الترابية وإصلاحات مؤسسية شاملة بقيادة محمد السادس

ترأس عاهل المغرب الملك محمد السادس، مساء الأحد بالقصر الملكي في الرباط، مجلساً وزارياً استثنائياً. وقد خُصص هذا المجلس للتداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية (الموازنة) لسنة 2026، والمصادقة على مشاريع قوانين تنظيمية ومراسيم واتفاقات دولية، بالإضافة إلى تعيينات جديدة في مناصب عليا بالإدارة الترابية.

يأتي انعقاد هذا المجلس في سياق دولي يتسم بعدم اليقين، ويحمل مؤشرات قوية على تحول نوعي في الرؤية التنموية للمملكة، وتوجه ملكي واضح نحو تنزيل "جيل جديد من البرامج الترابية" برؤية متكاملة، تقوم على العدالة الاجتماعية والمجالية وتكافؤ الفرص.

في مستهل الاجتماع، قدمت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية نادية فتاح العلوي عرضاً أمام الملك محمد السادس بشأن الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي أُعد وفق التوجيهات الملكية الواردة في خطابي عيد العرش وافتتاح السنة التشريعية، وذلك لتكريس المغرب كدولة صاعدة.

أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية أن المشروع يندرج ضمن سياق اقتصادي دولي متقلب، ولكنه يستند إلى مؤشرات وطنية إيجابية، أبرزها تحقيق نمو متوقع بنسبة 4.8%، والتحكم في التضخم في حدود 1.1%، وخفض عجز الميزانية إلى 3.5% من الناتج الداخلي الخام.

يرتكز المشروع على 4 أولويات كبرى تمثل ملامح الرؤية الملكية لمرحلة جديدة من التحول الاقتصادي والاجتماعي: أولاً، توطيد المكتسبات الاقتصادية وتعزيز موقع المغرب ضمن الدول الصاعدة عبر تحفيز الاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية، وتسريع تفعيل ميثاق الاستثمار، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها رافعة أساسية للتشغيل والإنتاج الوطني. ثانياً، إطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية المجالية المندمجة، التي تراهن على توظيف خصوصيات كل جهة وتفعيل الجهوية المتقدمة كآلية لتقليص الفوارق الترابية وتعزيز التضامن بين المناطق. ثالثاً، مواصلة توطيد أسس الدولة الاجتماعية عبر تعميم الحماية الاجتماعية والدعم المباشر للأسر والأطفال ورفع قيمة الإعانات العائلية، إلى جانب تعزيز برامج السكن والتشغيل. رابعاً، مواصلة الإصلاحات الهيكلية الكبرى، خصوصاً ما يتعلق بإصلاح المالية العمومية وإعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية وتحديث المنظومة القضائية.

بهذا المعنى، يشكل مشروع موازنة 2026 ترجمة عملية للنموذج التنموي الجديد، حيث تتقاطع التنمية الاقتصادية مع العدالة الاجتماعية، في إطار رؤية طويلة الأمد ترمي إلى جعل المغرب من بين الاقتصادات الناشئة في أفق العقد المقبل.

تمثل إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية أحد أبرز محاور المجلس الوزاري، بمقاربة غير مسبوقة تجمع بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

يركز البرنامج الجديد، الذي وصف بأنه "مقاربة مختلفة لتنمية شاملة"، على 5 مجالات أساسية ذات أولوية في العالم القروي وشبه الحضري: أولاً، التربية والتكوين: إعادة تأهيل البنايات المدرسية، تقوية النقل والمطاعم المدرسية، تعميم التعليم الأولي، دعم دراسة الفتيات، وإطلاق مراكز رقمية متنقلة للتكوين. ثانياً، الصحة: تعزيز العرض الصحي عبر وحدات متنقلة وحملات وقائية، وتجهيز المراكز القروية بالمعدات الأساسية. ثالثاً، تدبير الموارد المائية: اعتماد سياسة مائية استباقية وتأهيل شبكات مياه الشرب والآبار، وتشجيع مشاريع الاقتصاد في المياه والري بالتنقيط. رابعاً، إعادة التأهيل الترابي: فك العزلة، تحسين البنيات التحتية، كهربة القرى بالطاقة الشمسية وإنشاء مراكز إدارية واجتماعية جديدة. خامساً، التشغيل والإدماج الاقتصادي: دعم المشاريع الصغيرة والتعاونيات النسائية والفلاحية، وتنظيم برامج تكوين قصيرة في المهن المطلوبة محلياً.

يمثل هذا التوجه تحولاً جوهرياً في فلسفة التنمية، إذ تنتقل الدولة من برامج مركزية إلى مقاربة ترابية تشاركية، تجعل المواطن فاعلاً في رسم أولويات مجاله الترابي، مع توظيف التكنولوجيا لمتابعة المشاريع وضمان الشفافية والمساءلة.

صادق المجلس الوزاري كذلك على 4 مشاريع قوانين تنظيمية تمثل دفعة جديدة في إصلاح المشهد السياسي والمؤسساتي المغربي: أولاً، مشروع قانون مجلس النواب، الذي يهدف إلى تخليق الحياة الانتخابية وضمان شفافية الاستحقاقات المقبلة، مع تشجيع ولوج الشباب والنساء عبر تحفيزات مالية ودعم حملاتهم الانتخابية. ثانياً، مشروع قانون الأحزاب السياسية، الهادف إلى تطوير الإطار القانوني المنظم للحياة الحزبية، وتحسين الحوكمة الداخلية وضبط تمويلها. ثالثاً، مشروع الدفع بعدم دستورية القوانين، لتفعيل حق المتقاضين في الطعن في القوانين التي تمس بحقوقهم الدستورية. رابعاً، مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية، الذي يسعى إلى تعزيز شفافية هذه المؤسسة وتوضيح مساطر انتخاب أعضائها واختصاصاتها.

تؤكد هذه المشاريع إرادة الدولة في ترسيخ ثقافة النزاهة والمساءلة في الممارسة السياسية، وتوسيع رقعة المشاركة الديموقراطية، تماشياً مع فلسفة الدستور وروح الإصلاح السياسي التي يقودها الملك محمد السادس منذ عقدين.

في الجانب العسكري، صادق المجلس الوزاري على مشروعي مرسومين، يتعلق الأول بالنظام الأساسي لموظفي المديرية العامة لأمن نظم المعلومات بإدارة الدفاع الوطني، والثاني بإعادة تنظيم المدرسة الملكية لمصلحة الصحة العسكرية، بما يواكب التحولات التكنولوجية والهيكلية في مجال الأمن والدفاع.

على المستوى الخارجي، وافق المجلس على 14 اتفاقاً دولياً، شملت مجالات التعاون القضائي والعسكري والضريبي والضمان الاجتماعي، إلى جانب اتفاقات متعددة الطرف تخص استضافة مقار إفريقية واتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية في القارة.

بهذا، يعزز المغرب موقعه كفاعل قاري محوري، ويكرس دبلوماسية الشراكة الأفريقية التي تجمع بين العمق الاستراتيجي والانفتاح المتوازن.

وطبقاً لأحكام الفصل 49 من الدستور، عين الملك محمد السادس خمسة عشر والياً وعاملاً (محافظاً) جديداً بعدد من الجهات والأقاليم، في ما يعكس إرادة ملكية لتجديد النخب الإدارية وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وتم تعيين طارق الصنهاجي رئيساً للهيئة المغربية لسوق الرساميل، في خطوة ترمز إلى تعزيز الثقة في المنظومة المالية وتطوير سوق الرساميل كمحرك للاستثمار.

يؤشر هذا المجلس الوزاري على مرحلة جديدة في مسار الدولة المغربية، تتقاطع فيها الإصلاحات المؤسساتية مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية. فالملك محمد السادس، من خلال هذه القرارات، يوجه دفة السياسة العمومية نحو العدالة المجالية والتماسك الاجتماعي، في مواجهة تحديات العولمة وتغير المناخ وتفاوت النمو بين الجهات.

إن التركيز على التنمية القروية والحماية الاجتماعية والجهوية المتقدمة، يشير إلى بروز عقد اجتماعي جديد يضع المواطن في صلب القرار العمومي ويعيد توزيع الثروة الوطنية وفق مقاربة الإنصاف والفعالية. كما أن الانفتاح على الرقمنة والحكامة الترابية يرمز إلى تحول أعمق في أسلوب إدارة الدولة، من منطق المركزية إلى منظومة تشاركية رقمية مندمجة، تضع المؤسسات الدستورية وهيئات المراقبة في قلب الممارسة التنموية.

ويؤكد انعقاد المجلس الوزاري أن المغرب مقبل على مرحلة مفصلية من تاريخه التنموي، قوامها العدالة والنجاعة والمسؤولية المشتركة. فبين "المغرب الصاعد" و"الجيل الجديد من التنمية الترابية"، تتبلور ملامح مغرب المستقبل: دولة حديثة في مؤسساتها، عادلة في توزيع ثرواتها، ومتماسكة في وحدتها الترابية والاجتماعية.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: