الإثنين, 4 أغسطس 2025 04:53 PM

المنظمات الحقوقية في سوريا: دور متزايد في ظل غياب قانون للعدالة الانتقالية

المنظمات الحقوقية في سوريا: دور متزايد في ظل غياب قانون للعدالة الانتقالية

عنب بلدي – نادين جبور - مع التحولات التي تشهدها المرحلة الانتقالية في سوريا، يشهد المجتمع المدني تحولًا تدريجيًا، حيث تعود العديد من المنظمات الحقوقية إلى داخل البلاد. وقد أتاحت هذه العودة فرصًا للتواصل المباشر مع المجتمعات المحلية، وفهم احتياجاتها وأولوياتها، بالإضافة إلى بناء بيئة تضامنية بين الضحايا والمستقلين.

على الرغم من أن هذه العودة تعتبر مؤشرًا إيجابيًا على الانفتاح التدريجي في المجال المدني، إلا أن التحديات التنظيمية والقانونية لا تزال قائمة، وتثير تساؤلات حول فعالية واستقلالية هذا الحراك، خاصة في الملفات الحساسة مثل العدالة الانتقالية وحرية الأفراد.

تحديات عمل المنظمات والحفاظ على الاستقلالية

في ظل بيئة تنظيمية لا تزال قيد التشكيل، أوضحت نور الخطيب، مديرة قسم توثيق الانتهاكات في "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في حديث لعنب بلدي، أن منظمات المجتمع المدني في سوريا تواصل عملها في ظل واقع قانوني وإداري غير مستقر، وتواجه تحديات تتعلق بغياب الوضوح التشريعي وتفاوت آليات التنسيق مع الجهات الرسمية. ومع ذلك، يُنظر إلى العمل ضمن الإطار القانوني في المرحلة الانتقالية كخطوة "إيجابية" لتعزيز دور المجتمع المدني في دعم قضايا العدالة والحقوق.

وأضافت الخطيب أن الاستقلالية هي أساس عمل المنظمة، وتسعى إلى الحفاظ عليها من خلال بناء علاقات شفافة مع الجهات الرسمية، والالتزام بالمعايير الحقوقية المهنية، والعمل من منطلقات وطنية تهدف إلى خدمة جميع فئات المجتمع دون استثناء.

من جهتها، أشارت ياسمين مشعان، رئيسة "رابطة عائلات قيصر"، إلى عدم وجود قيود مفروضة على عمل الرابطة، وأنه لم يجرِ أي تعديل على نظامها الداخلي. وذكرت أنها بدأت بالفعل في تنفيذ بعض الأنشطة الميدانية، على الرغم من العقبات التمويلية الناتجة عن الارتفاع الكبير في أسعار الشقق والمكاتب ووسائل النقل، وتفاقم احتياجات العائلات، مما خلق تحديات مالية جديدة أمام التوسع في النشاط.

وقالت مشعان: "حجم الظاهرة متفاقم بشكل رهيب، ومهما بلغت موارد الرابطة، فإنها تبقى محدودة مقارنة بحجم احتياجات العائلات، لا سيما الأسر التي كانت تعيش في مناطق سيطرة النظام، والتي بدأت مؤخرًا بمحاولات الاستكشاف والبحث عن الحقيقة".

وترى مشعان أن التعاون مع الهيئة الوطنية للمفقودين خطوة أساسية لضمان عدالة توزيع الدعم وتفادي التكرار أو التمييز بين الأسر، من خلال بناء شراكات فاعلة مع الروابط والمنظمات الأخرى، بما يحقق توازنًا في نظام الإحالة، ويتم بالتنسيق مع جهة مختصة بملف المفقودين.

كما يشكل غياب آليات المحاسبة تحديًا كبيرًا في ظل عدم تشكيل هيئات عدالة انتقالية أو وضع آليات واضحة للتقاضي، مما يعوق مطالبة الأهالي بحقوقهم. لذلك تسعى المنظمات إلى شراكات داخل سوريا بهدف تقديم الدعم القانوني واستكشاف الأدوات اللازمة لاستكمال مسارات المحاسبة.

134 منظمة في ستة أشهر

أفادت رولا الأغبر، مديرة مديرية المنظمات غير الحكومية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لعنب بلدي، بأنه تم إشهار 134 منظمة غير حكومية خلال النصف الأول من العام الحالي، مما رفع عدد المنظمات المصنفة في مجال القانون والدفاع والحقوق إلى 203 منظمات.

وأوضحت الأغبر أن التراخيص تُمنح بعد استكمال الأوراق المطلوبة، مشيرة إلى أن صياغة أهداف المنظمة يجب أن تكون ضمن مجموعة من الأنشطة التي حددتها الوزارة، بالإضافة إلى ضرورة التنسيق الكامل مع الجهات المعنية للحصول على الموافقات اللازمة للأنشطة المرتبطة بمجال عملها.

وفي هذا السياق، حددت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مجموعة من الأنشطة التي يسمح للمنظمات المدرجة ضمن التصنيف بممارستها، وهي:

  • تقديم المشورة القانونية والمساعدة في حل النزاعات.
  • برامج نشر مبادئ المواطنة.
  • برامج المصالحة الوطنية.
  • تأهيل المجرمين وإعادة دمجهم بالمجتمع.
  • معالجة أسباب الجريمة وتعزيز السلامة وتدابير الاحترازية.
  • المشورة والنصح لضحايا الجريمة.
  • حماية المستهلك وتحسين مراقبة جودة المنتجات.
  • حماية الحقوق وتعزيز مصالح المجموعات الهشة.
  • جمعيات الحقوق والحريات المدنية والفردية.
  • التعاون والتكافل بين العاملين أو المختصين بمجال تخصص مشترك (بما لا يتعارض مع عمل المهنية).

وبحسب الوزارة، يقتصر دورها على الإشراف على نشاط المنظمات غير الحكومية ضمن إطار تشاركي، مع تقديم التسهيلات المطلوبة لتحقيق أهداف المنظمة، بما يتوافق مع القوانين والأنظمة المعمول بها.

دور المنظمات الحقوقية في مسار العدالة الانتقالية

تلعب المنظمات الحقوقية دورًا محوريًا في مسار العدالة الانتقالية باعتبارها صلة وصل بين الضحايا والمجتمع والمؤسسات المعنية بإرساء العدالة. فهي لا تقتصر على توثيق الانتهاكات أو تقديم الدعم، بل تسهم في بناء مسار وطني شامل يعكس تطلعات مختلف فئات المجتمع نحو الحقيقة والإنصاف والمساءلة.

وأكدت الخطيب أن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تؤمن بأن العدالة الانتقالية ليست مجرد مسار قانوني تقني، بل عملية مجتمعية تقوم على الاعتراف المتبادل، والشفافية، والحوار كسبيل لإعادة بناء الثقة وتجاوز إرث الانتهاكات والإقصاء أو تكرار ممارسات الماضي.

وأوصت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" بإنشاء هيئة عدالة انتقالية في سوريا عبر قانون يصدر عن المجلس التشريعي، محذرة من مخاطر إنشاء الهيئة بمرسوم تنفيذي لما في ذلك من تهديد لاستقلاليتها وفعاليتها، وذلك في تقرير نشر عبر موقع الشبكة في 13 من أيار الماضي، مستندًا إلى تجارب دولية أظهرت أن الهيئات المنشأة بقرارات تنفيذية غالبًا ما تفتقر إلى الشرعية المجتمعية وتعاني من تدخلات سياسية وضعف في إشراك الضحايا.

توسيع حريات الأفراد

ترى "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن المرحلة الانتقالية تتيح فرصة حقيقية لمراجعة منظومة الحقوق والحريات في سوريا، من خلال الحوار المجتمعي والمشاركة الفعالة للمنظمات المدنية. وتعمل "الشبكة السورية" على إعداد تصورات وأوراق سياسات واقتراحات تشريعية تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، مع الحرص على أن تكون هذه الجهود واقعية، وتستجيب للخصوصية السورية، وتراعي السياق الانتقالي الذي يتطلب تدرجًا وتوافقًا واسعًا.

من جهتها، قالت الناشطة الحقوقية سارة عز الدين، إنه إذا حافظت هذه المنظمات على استقلاليتها وحيادها، ولم تتبع أي جهة سياسية، وتمسكت بمبدأ المحاسبة الشاملة، فإنها تكون بذلك أداة فعلية لتوسيع الحريات، وهذا يشمل مساءلة كل من ثبت تورطه في عمليات الإخفاء القسري، حتى لو كانوا من رموز السلطة الحالية.

تحديات الحراك الحقوقي

يعتبر غياب دستور دائم أحد أبرز التحديات التي تواجه الحراك الحقوقي اليوم، إذ لا يوفر الإعلان الدستوري الحالي سوى إطار مؤقت وغير كافٍ، رغم احتوائه على مبادئ احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان.

يرافق ذلك غموض في كيفية تطبيق الاتفاقيات الدولية السابقة، إذ تحتاج بعض الاتفاقيات التي صدّق عليها نظام الأسد المخلوع إلى إعادة تصديق من الحكومة الانتقالية، ما يخلق إشكالات قانونية.

كما تستمر القوانين المعمول بها بالاعتماد على التشريعات القديمة التي تقيّد حرية العمل الحقوقي، وتنحصر ضمن الأطر النقابية الرسمية التي تخضع لرقابة الحكومة، مما يحد من استقلالية النقابات والمنظمات الحقوقية ويقيد حرية تأسيسها وعملها، بحسب ما قالته الناشطة الحقوقية سارة عز الدين لعنب بلدي.

مشاركة المقال: